سعاد جروس تكتب عن الانترنت والوزير

17-12-2006

سعاد جروس تكتب عن الانترنت والوزير

الجمل- سعاد جروس:   في معرض رده على الأديبة ناديا خوست, كتب وزير الثقافة السوري رياض نعسان آغا مقالة برر رده عليها بالقول: «ولولا أن الكاتبة هي السيدة ناديا لما توقفت لحظة عند هذه الاتهامات التي يرد في بعض نشرات الإنترنت ما هو أقسى منها في الكتابات التي يطالعنا بها كتاب مبتدئون أو فاشلون يبحثون عن إثارة لجذب القارئ إلى ما يفترون».
للعلم, الأديبة خوست معروفة بمواقفها المدافعة عن الإرث الحضاري والعمراني لدمشق خصوصا وسوريا عموما, وتشهد الصحافة المحلية على المعارك الشرسة التي قادتها بكل شجاعة للوقوف بوجه قرارات وإجراءات لم تراع حرمة التراث, وهو ما تستحق عليه كل إعجاب وتقدير, لتقديمها أمثولة تؤكد دور المثقف كدرع لوقاية القيم الإنسانية والحضارية والثقافية من غدر الأموال إذا تدفقت. وقد كتبت مقالاً في هذا الإطار, استفز السيد وزير الثقافة ولاسيما وصفها لقرارات الهدم بـ«قرارات خطرة على التراث السوري الحضاري», وقولها: «ورشات البناء فوق أرض تحتضن لُقى أثرية هو انتحار أو جريمة أو هو جهل وأمية, والمرجو أن تنفض الثقافة عنها ضغط المحافظات والوزارات فتقيم دورات لتلك المؤسسات تُعرِّف العاملين فيها بتاريخ سوريا». ومع أننا لم نر في ما كتبته السيدة خوست ما يستوجب الرد المتشنج للسيد الوزير, وأخذه عليها استخدام صفتي الجهل أو الأمية, فقد كان كلامها واضحاً وطلبها أكثر وضوحاً من وزارة الثقافة ولا غبار عليه, لأن مسألة الجهل الفاضح والأمية البالغة في ما يخص التاريخ, أمران لم يعد بالإمكان السكوت عنهما, ونحن نرى التجاوزات تترجم على الأرض عبثاً وقحاً وسفيهاً بمدننا بزعم تطويرها, بنصب أبراج وأبنية هجينة مستوحاة مما لا ندري من أين!! تقحم بفجاجة على الساحات والأحياء القديمة. هل في انتقاد الفوضى والتخريب, اتهام للوزير ووزارته؟ النقد لا «يعرقل التطوير والتحديث», وربما كما قال أحد المحافظين لدى سؤاله عن تصميم غريب عجيب لإحدى الساحات في محافظته؛ إنما هو إبداء رأي للتصويب. ليس هناك من هو ضد الحداثة, بشرط ألا تأتي على الضد من الجمال والانسجام مع روح المكان والمجتمع.
مع ذلك نحن لسنا بمعرض الدفاع عما كتبته الدكتورة خوست, وإنما الدفاع عن حق الانتقاد, ومناقشة المطب الذي وقع به السيد الوزير بعدما عاب على خوست إطلاقها أحكام الجهل والأمية, في حين سمح لنفسه بإطلاق أحكام على الصحفيين الذين ينتقدون وزارته بالمبتدئين أو الفاشلين!! وبذلك لم يشذ عن بعض المسؤولين المصابين بداء الرهافة التحسسية المفرطة لمرض النقد العضال, من أي صحفي يتجرأ على مناصبهم, فتراهم يسارعون الى تقليبه وجهاً وقفا, لمعرفة من يدعمه, بحثاً عن وعما دفعه لإعلان رأيه كتابة, وإذا ما كان هذا الرأي رأيه أم لُقن إياه, انطلاقاً من قاعدة إذا عرف السبب بطل العجب, وطبعاً جميع الأسباب واردة ما خلا تعثر أدائهم أو اختلال سير إدارتهم, لأنها محصنة بسور شائك من الطبالين والزمارين, وإذا حدث خرق ما فهو لا يستحق الرد, هذا ما أقر به للأسف السيد الوزير بقوله «ولولا أن الكاتبة هي السيدة ناديا لما توقفت لحظة عند هذه الاتهامات». لذا فجميع الذين يكتبون لا وزن لهم بميزانه, وهو كلام أولى أن يصدر عن «قبضاي حارة» من أن يصدر عن مثقف في موقع المسؤولية, طالما أتحفنا بتحدثه عن قبول الرأي الآخر, إلا إذا كان كبعض المسؤولين لا يعتبر أن للصحفيين رأياً يستحق أن يسمع, وأن انتقادهم ليس إلا وشاية, أو €وهنا يستحق أن يُسمع€ مؤشر غضب ينذر بدنو أجل المنصب. وما كنا نظن أن السيد الوزير رياض نعسان آغا منهم, وهو المثقف والإعلامي والدبلوماسي, ما يجعل عتبنا عليه مضاعفاً, فإذا كان كوزير ثقافة وهو الأهم, لم يعطنا نموذجاً فاعلاً في تقبل الرأي المختلف والانتقاد القاسي, وتحمل السخرية المرة, فمن يقدمه؟
من طرف آخر, حتى لا يعتقد السيد الوزير أنه مظلوم من الاعلام, ينبغي الإشارة إلى عشرات المقالات €أنظر موقع وزارة الثقافة€ تدبج في مديح نشاطاته وبالجملة ,لا هم لها إلا التغطية على كبوات الجهاز الاداري وعثراته. ألا تشفع لمنتقد بين فينة وأخرى, تمرير مقالة تكشف الأخطاء, ولا نقول الخطايا لأننا ما زلنا تحت سقف التجرؤ على مقاربتها, أو حتى مقالة تفتعل صخباً ثقافياً يحرك مستنقعاً راكداً, من باب درء الحسد «بكسرة حسن».
وقبل هذا وذاك, لماذا يفرض على الصحفي نقل الخطابات البلاغية والخطب الحماسية والانجازات الضخمة, ولا يحق له المجاهرة برأيه, طالما أن كتاباته مهما بلغت درجة سميتها النقدية, فلن تصل إلى مرحلة الكيدية المريبة, والمفترض ألا تفسد للود قضية, خصوصا إذا نشرت في صحف الانترنت التي تعامل كإبنة زنا, غير معترف بها إلا في معرض التشهير والتحقير. وقد صدق السيد الوزير بقوله للدكتورة خوست «لو أننا أسأنا الأمانة لما انتظر قادتنا السياسيون مقالك كي يردعونا», متجاهلاً تماماً أن أول من يتنبه إلى هذه الأمور هم المثقفون بالذات, أليس هذا عملهم وواجبهم؟ أما من جهة الصحافة, ليطمئن, فلا قيمة لها في بلدنا, ونحن للأسف صادقون حينما نقول بأنها لا تؤثر في القرار, فهي كشراب الأعشاب, إن لم تنفع لا تضر.
على أن هناك وجهاً آخر للصحافة, يمثله زملاء أشاوس يعرفون من أين تؤكل الكتف والباط أيضاً, ارتاحوا لواقع راسخ, وراحوا يكسبون ميزات جمة من تعظيم السلام وتفخيم الكلام, وما تبقى من مساحة في الصحف عليه السلام, لتبقى الإنترنت الفسحة الأخيرة لـ«محور الشر» الصحفي الذي يخوض مواجهاته بصدر عار مع المسؤولين تحت طائلة الحجب, لكن ليس قبل أن «تفقع مرارة بعض المتضررين», بحسب تعبير أحد الوزراء لدى سؤاله عما أصاب موظف فضحت صحيفة الكترونية ملفات فساده, ويصح فيه قول الشاعر:
فاحمد الله قد رزقت هجاء
بعد طول الخمول نوه باسمك
أخيراً نرجو من السيد وزير الثقافة أن يكون حليماً مع الصحفيين, فليس كل منتقد هو مبتدئ أو فاشل, وحتى لو كان كذلك فمن حقه على الأقل كمواطن المشاركة في الشأن العام, فلا أحد يزايد على أحد في الوطنية, ولا في الليبرالية, ولا في تقبل الرأي, إذا كنا نحاول تأسيس حوار وطني بأقل قدر ممكن من النفاق والمرواغة.

الجمل بالاتفاق مع الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...