المعضلة الإسرائيلية تجاه التعامل مع دمشق بعد الأحداث الأخيرة

20-04-2011

المعضلة الإسرائيلية تجاه التعامل مع دمشق بعد الأحداث الأخيرة

الجمل: توترت التحليلات الساعية لجهة رصد وتفسير وفهم الحدث السوري، وعلى خلفية تطورات الأحداث والوقائع المتعلقة بالتوترات السورية الأخيرة، نشرت دورية فورين أفيرس الأمريكية ورقة بحثية حملت عنوان "معضلة إسرائيل في دمشق: وجهة نظر أورشليم": فما هي حقيقة معضلة إسرائيل التي افترضت الورقة بأنها في دمشق؟
سعت ورقة معضلة إسرائيل في دمشق إلى توضيح المنطق الإسرائيلي إزاء التوترات السورية الأخيرة، وفي هذا الخصوص نشير إلى النقاط الأساسية الواردة في الورقة على النحو الآتي:
•    خلال شهر كانون الثاني (يناير) 2011م الماضي، وعلى خلفية تصاعد الاحتجاجات السياسية المصرية أكدت دمشق، بأن الأوضاع مستقرة في سوريا.
•    بحلول يوم 19 آذار (مارس) 2011م، بدأت الاحتجاجات السورية في الظهور، في مدينتي درعا واللاذقية، ثم انتقلت بعد ذلك إلى بعض المناطق الأخرى.
•    من الواضح أن الاحتجاجات السورية كانت بفعل تداعيات تأثير الاحتجاجات التونسية والمصرية، وفي سوريا، تركزت المطالبات باتجاه ضرورة إلغاء حالة الطوارئ السائدة منذ عام 1963م، والتي ظلت: تمنع المعارضة ـ تفرض الرقابة على الإعلام ـ تسمح بالرقابة واعتقال الأفراد.تامار رابينوفيتش
•    أدت المواجهات التي حدثت إلى مقتل 100 شخص سوري.
•    عند بداية الاحتجاجات تعاملت دمشق معها بهدوء وصمت، وبعد بضعة أيام أعلنت دمشق بأن سوريا أصبحت مستهدفة بمخطط خارجي كبير يهدف إلى زعزعة سوريا كبلد، وفرض الأجندة الإسرائيلية عليها، وسوف يستمر أعداء سوريا في محاولاتهم الرامية لذلك. وبكلمات أخرى، فقد حملت دمشق المسؤولية على عاتق تل أبيب وواشنطن.
•    خلال فترة الاحتجاجات السورية، ظلت تل أبيب أكثر حيرة إزاء كيفية التعامل مع الاحتمالات المستقبلية إزاء تصاعد الاحتجاجات السورية.
•    الحيرة الإسرائيلية كانت بسبب التداعيات المحتملة على المعطيات التي ظلت جارية على خط سوريا ـ إسرائيل، والتي ظلت طوال الحقب الماضية، ضمن بعدين:
ـ مسار السعي لجهة تحقيق التسوية السياسية، وقد بدأ هذا المسار في عام 1991م بمؤتمر مدريد الذي كان برعاية إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، وضم كل من: سوريا ـ الأردن ـ لبنان ـ فلسطين ـ إسرائيل، وقد تم عقد هذا المؤتمر على خلفية حرب الخليج الأولى (التي أخرجت القوات العراقية من الكويت) واستمر خلال فترة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحق رابين حتى منتصف حقبة تسعينات القرن الماضي.
ـ مسار التأثيرات الجارية بفعل أهمية مكانة سوريا في المنطقة، وعلى وجه الخصوص إدراك تل أبيب المتزايد بأنها لن تكون في مأمن من تداعيات هذه التأثيرات.
هذا، وإضافة لهذه النقاط، فقد سعت الورقة إلى رصد التطورات التاريخية المعاصرة التي حدثت في المواقف السياسية السورية والإسرائيلية، ويمكن تلخيص هذه النقاط على النحو الآتي:
•    برزت على خلفية مؤتمر مدريد عملية سلام شرق أوسطية تفرعت إلى مسارين، هما:
ـ المسار السوري: وينظر إليه الخبراء الإسرائيليين على أنه الأسهل والأكثر وضوحاً، وذلك لأن سوريا تفاوض ككيان واحد متماسك. ولها هدف محدد واضح هو: الانسحاب الإسرائيلي من الجولان.
ـ المسار الفلسطيني: وينظر إليه الخبراء الإسرائيليون على أنه الأكثر تعقيداً والأصعب وذلك لأن الفلسطينيين ليسوا كياناً واحداً متماسكاً، ولهم مطالب متعددة، ينظر إليها الإسرائيليون باعتبارها تمثل خطراً على وجود وبقاء إسرائيل.
•    تزايدت الشكوك داخل وخارج إسرائيل إزاء مدى مصداقية النظام السياسي الإسرائيلي في احتواء فعاليات وتداعيات عملية السلام الشرق أوسطية ومسارها المزدوج، وفي هذا الخصوص فقد ظلت كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، تتعامل بشكل مرحلي مع عملية السلام الشرق أوسطية، بحيث تسعى إلى تقويض المسار الفلسطيني تحت مبررات تنشيط فعاليات المسار السوري، ثم تسعى إلى تقويض المسار السوري تحت مبررات تنشيط المسار الفلسطيني.
•    خلال النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي، وصل المسار السوري ـ الإسرائيلي إلى توافق على الانسحاب من الجولان مقابل السلام، وبحلول عام 2000م، انهارت المفاوضات تماماً، عندما قدم الرئيس الأمريكي في اجتماع جنيف العرض الذي قدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك، ورفضته دمشق.
•    توفي الرئيس السوري حافظ الأسد، تاركاً وراءه الحقائق والمعطيات الآتية:
ـ دولة قوية، كانت في الماضي مضطربة بفعل حالات عدم الاستقرار المتواترة والانقلابات العسكرية.
ـ صعود دمشق كلاعب إقليمي يرتبط بتحالفات وثيقة مع الاتحاد السوفييتي.
ـ النفوذ السوري على لبنان بما أدى إلى درء مخاطر استمرار الحرب الأهلية اللبنانية ومنعها من الانتشار.
ـ تداعيات أحداث منطقة حماة التي أدت إلى لجم واستقرار الأوضاع السياسية الداخلية.
•    جاء الرئيس بشار الأسد إلى السلطة، وأصبح يواجه إشكاليتين، هما:
ـ بالنسبة لمجال السياسة الخارجية: أن يتخلى عن روابط دمشق مع طهران وحلفاءها الفلسطينيين واللبنانيين مقابل أن يحظى بالتقارب مع واشنطن على أمل أن يؤدي ذلك إلى دفع مسار المفاوضات مع إسرائيل.. أم أن يتمسك بحقوق سوريا ويرفض التخلي عن حلفاء دمشق؟
ـ بالنسبة لمجال السياسة الداخلية: كيفية الموازنة بين حسابات الفرص التي يمكن أن تخلقها الإصلاحات، وحسابات المخاطر التي تنشأ بفعل التهديدات، وبكلمات أخرى: قبل القيام بأي خطوة إصلاحية لا بد من التدقيق في التداعيات الإيجابية التي يمكن أن تترتب عليها، والتداعيات السلبية التي يمكن أن تحدث بسببها.
•    واجهت دمشق لعبة دبلوماسية إقليمية ـ دولية مزدوجة، فقد ظلت دمشق تواجه الضغوط بضرورة التخلي عن لبنان. طالما أن وجودها في لبنان سوف يضر بالمصالح الأمريكية والغربية. وبضرورة التدخل في العراق طالما أن ذلك سوف يكون لصالح إفادة المصالح الأمريكية والغربية.
•    أخطر التوترات السورية ـ الأمريكية حدثت خلال فترة إدارة جورج بوش الابن الجمهورية السابقة، وعلى خلفية هذه التوترات لم تنجح محاولات واشنطن لجهة المساومة مع دمشق.
•    تنظر إسرائيل إلى تحالف دمشق ـ طهران ـ المقاومة اللبنانية ـ المقاومة الفلسطينية على أساس اعتبارات أنه التحالف الذي ألحق الأضرار الفادحة بالمصالح الأمريكية ـ الإسرائيلية في الشرق الأوسط. ورداً على ذلك سعت أمريكا وإسرائيل إلى محاولات فرض الضغوط على هذا التحالف، وفي نفس الوقت السعي لبناء تحالف شرق أوسطي مضاد له ضم كل من القاهرة ـ الرياض ـ عمان ـ إضافة إلى بعض الأطراف الأخرى.
•    أكدت دمشق طوال الفترة الممتدة من لحظة صعود الرئيس بشار الأسد وحتى الآن، بأنها مستعدة لخيار السلام، ومستعدة أيضاً لخيار الحرب.
•    تغيرت عبر الزمن التوازنات الإدراكية الإسرائيلية إزاء سوريا، وتحديداً بواسطة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية والتي أكدت بوضوح بأن التوصل إلى صفقة سلام إسرائيلية ـ سورية، سوف يمثل خطوة حاسمة في عملية احتواء وتقليل الخطر الإيراني ضد إسرائيل، إضافة إلى ضبط التوازنات اللبنانية وتبديد قتامة المشهد السياسي اللبناني.
•    تباينت مساعي الحكومات الإسرائيلية إزاء مسار السلام مع سوريا، وفي هذا الخصوص:
ـ اعتمد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون مبدأ الأولوية للمفاوضات مع الفلسطينيين ورفض المفاوضات مع دمشق، وقد وجد هذا المبدأ القبول والرضا بواسطة إدارة الرئيس بوش الابن الجمهورية السابقة.
ـ سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت إلى تغيير الموقف بحيث تقوم تل أبيب بوقف مسار السلام الفلسطيني وفي نفس الوقت فتح مسار المفاوضات مع دمشق، ولكنه وجد الرفض والعراقيل بواسطة واشنطن، والتي بدت أكثر تمسكاً بالإرث الشاروني الرافض للتعامل مع دمشق.
•    نجحت دمشق في استثمار صعود حزب العدالة والتنمية التركي، في تحقيق العديد من الأهداف، والتي منها:
ـ كسر مخطط العزل الدبلوماسي الذي سعت واشنطن لفرضه على دمشق.
ـ إضعاف العلاقات التركية ـ الإسرائيلية بما أدى إلى إبعاد أنقرا عن تل أبيب.
ـ توتير العلاقات التركية ـ الأمريكية.
•    تأثير العامل السوري على أنقرا، أدى إلى تأثير العامل التركي على تل أبيب، بما أدى بدوره إلى قبول إسرائيل بالعرض التركي الخاص بالدخول في جولة محادثات غير مباشرة برعاية تركيا مع سوريا.
•    أدت عملية الرصاص المسكوب التي نفذتها إسرائيل ضد قطاع غزة إلى انهيار الوساطة التركية. وإلى توتير العلاقات التركية ـ الإسرائيلية.
•    صعود إدارة أمريكية جديدة، ترتب عليه حدوث تغييرات في توجهات واشنطن إزاء دمشق، بحيث إذا كانت توجهات إدارة بوش الجمهورية السابقة تراهن على عدم التعامل مع دمشق. فإن توجهات إدارة أوباما الديموقراطية الحالية تراهن على التعامل مع دمشق.
نلاحظ هنا أن الورقة البحثية قد سعت إلى تخصيص جزء كبير لجهة استعراض التطورات السياسية الجارية في سوريا وفي إسرائيل، ومدى العلاقات الارتباطية التي ظلت تبرز على خلفية تواتر التغييرات الجارية في دمشق وتل أبيب وواشنطن وأنقرا.

* الاستنتاج النهائي للورقة البحثية

تقول خاتمة الورقة البحثية، بأن وجهة النظر الإسرائيلية إزاء الحدث السوري الاحتجاجي الأخير، هي وجهة نظر يجب إدراكها على خلفية الارتدادات والانعكاسات المترتبة على ذلك:
•    يعتقد الزعماء الإسرائيليين بأن الاحتجاجات السورية والاحتجاجات الإيرانية قد أضعفتا قدرات ومواقف دمشق وطهران.
•    يوجد اعتقاد واسع في أوساط الزعماء الإسرائيليين وأيضاً في أوساط العديد من الزعماء الشرق أوسطيين الآخرين بأن استمرار الاضطرابات والتوترات في سوريا من الصعب جداً أن يؤدي إلى تحقيق استقرار وأمن المنطقة.
وفي نهاية الورقة تشير الاستنتاجات إلى أن المطلوب حالياً من إسرائيل هو أن تسعى تل أبيب إلى رصد ومتابعة التطورات الجارية في سوريا، على أمل أن تؤدي إلى إضعاف قدرات دمشق، بما يتيح لإسرائيل القدرة لجهة فرض النفوذ على الشأن السوري.
نشير إلى أن كاتب الورقة البحثية هو الإسرائيلي تامار رابينوفيتش، الذي تولى سابقاً: منصب السفير الإسرائيلي في أمريكا ـ منصب كبير المفاوضين الإسرائيليين في المفاوضات الإسرائيلية مع سوريا خلال الفترة من عام 1993م إلى عام 1996م، وله كتاب يحمل عنوان (وجهة نظر من دمشق) نشرته دار فالنتين ميتشل عام 2008م. ويعمل حالياً كباحث غير مقيم في مؤسسة بروكينغز الأمريكية.
يعتبر تامار رابينوفيتش من أبرز الخبراء الإسرائيليين الموافقين على مبدأ إعطاء الأولوية لمسار المفاوضات مع سوريا، وبالتالي، فهو الأقرب إلى مذهبية تيار العمل الإسرائيلي، ومذهبية جناح اللوبي الإسرائيلي المرتبط بالحزب الديموقراطي الأمريكي. وفي هذا الخصوص نلاحظ أنه ظل يتولى منصب السفير الأمريكي خلال فترة إدارة كلنتون الديموقراطية، ولكنه لم يستمر في المنصب بعد عام 1996م، وذلك بسبب صعود حكومة الليكود بقيادة نتانياهو في إسرائيل، والتي دخلت في العديد من الخلافات مع واشنطن آنذاك.
برغم محاولات الورقة إبراز بعض التوصيفات الدقيقة، فإن توصيفات هذه الورقة البحثية تضمنت قدراً كبيراً من "الخبث الناعم". والذي أسفر مطلاً بوضوح من خلال الجملة الأخيرة التي طالبت إسرائيل بالرصد والمراقبة على أمل أن تؤدي التوترات إلى إضعاف سوريا، بما سوف يتيح لإسرائيل بالضرورة فرض السيطرة على دمشق، وبالتالي بقية الشرق الأوسط.


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...