القاهرة ودبلوماسية الوكالة في أزمة غزة

05-01-2009

القاهرة ودبلوماسية الوكالة في أزمة غزة

الجمل: نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية والأمريكية تصريحات وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط التي حمل فيها حركة حماس المسؤولية عن اندلاع المواجهة العسكرية الإسرائيلية – الفلسطينية الدائرة حالياً في قطاع غزة، وبعد اندلاع المواجهة طالبت القاهرة حركة حماس بضرورة القبول والموافقة فوراً على شروط الهدنة الإسرائيلية، فما هي حقيقة التصريحات المصرية؟ وما هو الدور الذي تحاول القاهرة القيام به؟ وهل تستطيع القاهرة فعلاً القيام بدور في المنطقة؟
* الدور الإقليمي المصري: بين فقدان المصداقية..  ومعطيات نظرية المؤامرة:
ترتبط مصر بحدود مع الأراضي الفلسطينية وتحديداً عبر الشريط الحدودي مع قطاع غزة البالغ طوله 11 كيلومتراً فقط لا غير. وبرغم أن اتفاقية كامب ديفيد قد أخرجت مصر عملياً ونظرياً من دائرة الصراع العربي – الإسرائيلي فإن القاهرة ما تزال تحاول إبقاء نفسها ضمن هذه الدائرة وعلى ما يبدو أن السبب في ذلك يتمثل في جانبين:
• رغبة محور تل أبيب – واشنطن باستخدام دبلوماسية القاهرة في تمرير لبعض الأجندة الخاصة باستخدام سيناريو دبلوماسية القاهرة طالما أن القاهرة مستعدة للتفاهم وتبني مواقف وأجندة هذا المحور بما يتيح لها القيام بدور البروكسي الذي يقوم بتقديم خدمات دبلوماسية "الوكالة" في المنطقة مقابل المعونات وتدفقات المساعدات الأمريكية لها.
• رغبة مصر في الظهور بمظهر القوة الإقليمية الكبرى بما يتيح لزعمائها الوجاهة وبريق النفوذ الإقليمي.
وبالتدقيق في هذين الجانبين نلاحظ برغم تناقضهما الواضح مع المعطيات والحقائق والتي أكدت عليها ثوابت اتفاقية كامب ديفيد، بأنه يوجد خيط رفيع يربط كلا الجانبين، طالما أن محور تل أبيب – واشنطن يريد من القاهرة القيام بدور والقاهرة غير قادرة على إدراك أن حقائق التاريخ والجغرافيا الجديدة التي تشكلت معطياتها لا تسمح لها بأي دور مستقل خارج دائرة السقف السياسي المحدد إسرائيلياً بشكل مسبق.
* أزمة غزة: القاهرة و"دبلوماسية الوكالة":
عندما قاربت الهدنة على الانتهاء تقدمت القاهرة بمقترحات تهدف إلى إقناع حماس بقبول قائمة من البنود تمثل في حقيقتها البنود التي ظلت تطرحها وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، وحاولت القاهرة إقناع حماس بضرورة إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جيلعاد شاليط، وعندما لم تستجب حماس لجأت القاهرة، تماماً كما ظلت تفعل تل أبيب، إلى استخدام تكتيك إغلاق معبر رفح، للضغط على حماس بنفس سيناريوهات الضغط الإسرائيلية المتمثلة بإغلاق المعابر. وبكلمات أخرى، وجد الفلسطينيون الغزاويون أنفسهم في مواجهة:
• خيار الثواب الإسرائيلي بفتح المعابر والعقاب بإغلاقها.
• خيار الثواب المصري بفتح معبر رفح والعقاب بإغلاقه.
رفض حركة حماس للشروط المصرية لم يكن من قبيل العناد وإنما لأنها بالأساس قائمة شروط إسرائيلية معروفة سلفاً، تحدث عنها حتى الإسرائيليون وتطرق لها مراراً وتكراراً خبراء اللوبي الإسرائيلي والتابعين لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
* بعد إعادة احتلال غزة: كيف ستكافئ تل أبيب القاهرة؟
عندما تتقدم القوات الإسرائيلية وتحتل منطقة الشريط الحدودي الممتد بطول 11 كيلومتراً من معبر فيلادلفيا حتى ساحل البحر المتوسط، تكون كل المنطقة الواصلة بين مصر وقطاع غزة بما فيها معبر رفح في يد الإسرائيليين وبهذه العملية ستكون إسرائيل قد أصبحت في الوسط تماماً بين أراضي قطاع غزة والأراضي المصرية. وسيؤدي هذا الوضع ميدانياً إلى المزيد من التعقيدات الجديدة التي سيتمثل أبرزها في:
• قيام القوات الإسرائيلية بضبط الحركة بين القطاع والأراضي المصرية.
• عدم استطاعة القاهرة التواصل مع الفلسطينيين إلا بعد أخذ الإذن الإسرائيلي.
• عدم استطاعة القاهرة استخدام سياسية الترغيب والترهيب مع سكان القطاع عن طريق التلويح الدائم بفتح أو غلق معبر رفح.
• قيام إسرائيل بضبط الدور المصري في ملف غزة.
هذا، وبعد كل ذلك، ستحاول إسرائيل مستقوية بالولايات المتحدة الأمريكية طرح المزيد من المطالب والمواصفات والمشروطيات الجديدة لما هو مطلوب من القاهرة القيام به. وعلى الأغلب أن تتمثل هذه المطالب بالآتي:
• ترحيل سكان رفح المصرية من مكان إلى آخر أبعد بحوالي 10 إلى 20 كيلومتراً من مكانها الحالي المجاور لمعبر رفح.
• ترحيل البدو المصريين من شبه جزيرة سيناء.
• تقليل قوات الأمن المصرية الموجودة في المنطقة طالما أن وجودها بالأساس كان استثناءً وافقت عليه تل أبيب للحصول على المساعدة الأمنية المصرية.
• تحويل الوساطة الدبلوماسية مع الفلسطينيين بالاعتماد على دبلوماسية خط عمان – رام اله بدلاً عن خط القاهرة – غزة طالما أن القاهرة لم يعد لها وجود مباشر بجوار غزة.
على هذه الخلفية يمكن القول أن احتلال القوات الإسرائيلية لشريط حدود مصر مع القطاع سيؤدي إلى أن "يطير" المعبر من نفوذ القاهرة، وستطير كذلك كل المزايا الدبلوماسية التي كانت القاهرة تجنيها من إدارة الملف الفلسطيني ولن يستطيع بعد الآن وزير الخارجية المصري "أبو الغيط" أن يفْلَح ويحرث في قطاع غزة كما كان في الماضي خاصة وأنه يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية في تحريض تل أبيب لجهة القيام بالعملية العسكرية وذلك بما ألحق ضرراً بالغاً بأجندة السياسة الخارجية المصرية وبدور مصر "الشكلي" الإقليمي في المنطقة!!


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...