التطورات السورية في ميزان المصالح الغربية

10-09-2011

التطورات السورية في ميزان المصالح الغربية

من "جمعة" إلى "جمعة" تختلف التسميات في سوريا، ولا يختلف المشهد الميداني على حدته.  غير أنّ يوم "جمعة الحماية الاجنبية"  تميّز بمشهد ميداني مختلف، بحيث لم تكشف وسائل الاعلام العربية والاجنبية، بما فيها الداعمة للمعارضة، عن اي تحرك ميداني لافت ما خلا بعض التظاهرات التي اجمعت هذه الوسائل على تراجعها عن الاسابيع  و"الجمعات السابقة"، الأمر الذي اعتبره مناصرو النظام تراجعا ملحوظا في وتيرة العنف، خصوصا في المحافظات والمدن التي اعاد الجيش السوري فرض سيطرته الكاملة عليها على غرار حماه التي شهدت يوما شبه عادي بحسب ما يؤكد مواطنون سوريون قادمون من هناك.
وفي موازاة هذا التحول الامني الطفيف،  يتغير المشهد السياسي مع الساعات وليس الايام، وبصورة مبدئية وحاسمة تؤسس إلى استشفاف مكامن المراحل المقبلة. فانكفاء موجة العنف ولو نسبيا لم يمنع المواقف السياسية الحامية التي تعبر بحسب مؤيدي النظام عن استياء العاملين على خط اسقاط النظام  العارم من عدم تحقيق الاهداف على الرغم من الدعم السياسي والمالي واللوجستي.
البارز الجديد هو استعار الحملة التركية على النظام السوري، بحيث جاء موقف انقره اقرب إلى التهديد المباشر منه إلى النصح او الانتقاد، وذلك في مقابل موقف روسي يؤكد على دعم موسكو للنظام السوري بكل تفاصيله، ومهما كانت الاعتبارات، بدليل ما اعلنته العاصمة الروسية عن وجود ارهابيين في صفوف المعارضة السورية، مع الاشارة إلى ان هذا الموقف المتقدم جاء في اعقاب لقاءات روسية ببعض المعارضة السورية، وفي توقيت يوحي بانه رد مباشر على المواقف الغربية من سوريا.
في هذا السياق، تعرب الدبلوماسية الاوروبية عن اعتقادها بان الموضوع السوري يتعلق بشكل مباشر بالاتصالات والمفاوضات السرية الجارية على قدم وساق بين واشنطن وطهران من جهة، والثانية وانقرة من جهة ثانية، وكل ما عدا ذلك من تصورات لا ياتي الا في سياق الضغط الاعلامي والكلامي لتحسين شروط التفاوض. فالولايات المتحدة تطالب بتنازلات ايرانية وسورية على مستوى العراق وافغانستان، خصوصا ان الوقت المتبقي للقوات الاميركية العاملة في العراق بات يحسب بالاشهر، وبالتالي فان واشنطن تريد من ايران وسوريا العمل على تسهيل بقاء عدة الاف من الجنود الاميركيين لادارة المصالح الاقتصادية والنفطية الاميركية بهدوء وبعيدا عن العنف المستشري في المنطقة العربية، وكذلك الامر فان تركيا تريد من الثنائية السورية الايرانية عدم تحريك الملف الكردي وتحويله إلى ورقة ضاغطة يمكن استعمالها لتقويض المصالح التركية العليا.
يبقى الحديث عن المصالح الروسية التي ترى فيها الدبلوماسية الاوروبية بيت القصيد الاقليمي، فموسكو تنظر إلى ابعد من مجرد وقف اطلاق نار في سوريا، انما إلى استعادة دورها في الشرق الاوسط، وهي لا ترى موطىء قدم لهذا الدور الا من خلال سوريا اولا، وعبر انشاء قاعدة عسكرية على المتوسط ثانيا ومثل هذا التصور لا يمكن ان يتحقق سوى عن طريق الثنائية السورية الايرانية.
واستنادا إلى تشابك المصالح وتشعبها وحساسيتها، يعرب الدبلوماسي عن خشيته من ان تتحول سوريا إلى صندوق بريد يستخدمه كبار اللاعبين خصوصا ان موقع دمشق الجغرافي والسياسي يشكل بيضة قبان في المعادلة الاقليمية المفترضة، وبالتالي فان الاسابيع القليلة المقبلة قد تحمل المزيد من علامات الاستفهام التي لن تجعل من صندوقة البريد اداة تفجير بل اداة ضغط ليس الا.

أنطوان الحايك

المصدر: النشرة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...