الأدوية البيطرية صناعة تهمّ الإنسان أيضاً

15-12-2009

الأدوية البيطرية صناعة تهمّ الإنسان أيضاً

تمثل المستحضرات الطبية، ومراقبة نوعيتها، دوراً مهماً وأساسياً في تطوير قطاع الثروة الحيوانية لدى دول المنطقة، وذلك لانعكاسها على تأمين سلامة وصحة الثروة الحيوانية، التي تمدّ سكان المنطقة بالبروتين الصحي السليم، حيث تعمل معظم الدول حالياً على تنظيم تسهيل التبادلات التجارية للمستحضرات الطبية والبيولوجية، بما يتوافق مع المعايير الدولية، التي وضعتها المنظمة العالمية للصحة الحيوانية،

مع العلم بأنّ المنظمة العالمية، التي تضمّ في عضويتها 175 دولة، هي منظمة معتمدة دولياً لإرساء ووضع المعايير الصحية للأمراض الحيوانية والمشتركة والحيوانات المائية، ممّا يضمن سلامة الإنتاج الحيواني والمحافظة على الصحة العامة، وسلامة البيئة، وبحسب آخر الإحصاءات العالمية، فإنّ 60 % من الجراثيم المسببة للأمراض عند الإنسان هي من منشأ حيواني، و75 % من الأمراض الحيوانية الظاهرة حديثاً يمكن انتقالها إلى الإنسان، وبحسب الإحصاءات العالمية، فإنه في العام 2017 سوف يؤدي تأثير الفقر وانعدام العدالة الاجتماعية إلى ظهور أمراض جديدة عند الإنسان والحيوان. 
ومن هنا تبرز أهمية الأدوية البيطرية، التي من شأنها أن تسهم في الحدّ من الأمراض التي تصيب الحيوانات، وبالتالي انخفاض نسبة الأمراض، التي تنتقل من الحيوان إلى الإنسان، فكيف يبدو قطاع صناعة الأدوية البيطرية في سورية، وأين وصل هذا القطاع، من حيث تأمينه احتياجات السوق السورية، وما هي المشاكل التي يعاني منها ؟.
 - الجهات الحكومية في سورية اليوم ذهبت إلى الحديث عن تحسّن واضح في منظومة الطب البيطري، بالتزامن مع إعلانها اكتفاء السوق المحلية بالمستحضرات البيطرية، ورغم ذلك كانت هناك دعوة موجهة منذ أيام قليلة للتعاون مع إيران، التي تملك خبرات جيدة في هذا المجال، لإنشاء معمل للأدوية البيطرية في سورية، لسدّ حاجة السوق، ولكنّ وزير الزراعة، الدكتور عادل سفر، قال: «إنّ التطور الحاصل في قطاع الأدوية شهد تحسّناً كبيراً، انتقل فيه من مرحلة الاستيراد الكامل إلى مرحلة تغطية 80 % من احتياجات السوق المحلية، وتوفير نسبة لا بأس فيها من احتياجات السوق في الدول المجاورة، بالإضافة إلى التوسع الجاري في الصناعات الدوائية البيطرية أصبح لدينا نحو 45 مصنعاً للأدوية البيطرية موزعة في العديد من المحافظات، وتنتج نحو 2200 مستحضر دوائي، وتبذل هذه المعامل جهوداً كبيرة لمواكبة التطور العالمي والقوانين العالمية الناظمة للصناعات الدوائية البيطرية».
وأضاف الوزير: «تنتج وزارة الزراعة ما يزيد على 80 % من مجمل احتياجات الثروة الحيوانية من اللقاحات البيطرية الوقائية للحيوانات الكبيرة والدواجن».
 الدكتور باسل حاج حسين، (مشرف تسويق في شركة ايديكو للأدوية البيطرية)، يقول من جهته: «نعاني من مشكلة تراخيص الأدوية، وكثرة الإجراءات التي تأخذ وقتاً أكبر ممّا تستحق من قبل وزارة الصحة، والسبب غير معروف، وكذلك إدخال أيّ صنف دوائي جديد إلى السوق السوري، فالقوانين والأنظمة هنا لمصلحة المهنة، لكنّ المشكلة في التطبيق، وعدم المتابعة والتقصير، فالمواصفات المطلوبة هي مواصفات عالمية، ونحن نراعي شروط حماية الصحة الحيوانية وصحة الإنسان، مع التركيز على وجود لجنة مسؤولة تقيّم الأدوية عند إعطاء الترخيص لها».
الدكتور ماهر الساروجي (شركة الشرق الأوسط للصناعات الدوائية البيطرية)، قال: «بدأنا مؤخراً بالعمل وأخذ التراخيص، وبحسب الأنظمة النافذة، يجب أن تكون هناك شروط متوافرة في المنشأة والصناعة، ويجب أن تتطابقا مع المواصفات المحلية والعالمية وشروط التصنيع الجيدة، التي تتطور مع الوقت، وتواكب ما يحدث في الخارج، فمن أجل تصدير هذه الأدوية يجب أن يتوافر فيها  الحد الأدنى من الشروط المطابقة للمواصفات».
ويضيف الساروجي: «أمّا بالنسبة إلى الصعوبات، التي تواجه المعامل حالياً، فهي التي لا تطابق منتجاتها الشروط المطابقة للمواصفات، وتؤجل الجهات المعنية منح الترخيص لهذه المنشأة، إلى حين التزامها بالشروط، انطلاقاً من أهمية هذه الصناعة، التي دخلت مؤخراً مجال التنافس، ويجب أن يطبق الجميع الشروط نفسها».  
 - . القضية المهمة، التي شغلت أصحاب المعامل اليوم، نظام الـ GMP؛ أي أصول التصنيع الجيد، وتأكيد بعضهم أنّ هذه الشهادة لا يمكن تطبيقها في معاملنا، لما تتطلبه من شروط صارمة في التصنيع، ولكن ماذا كانت النتيجة؟، الدكتور أمين كوجان، أمين عام شركة الأمين للأدوية البيطرية، قال: «قامت  مديرية الدواء البيطري بمكافحة الغش والتهريب للأدوية البيطرية، التي تسبب ضرراً كبيراً للمنتجات الوطنية، كما نظمت جولات دورية لمكافحة بيع المواد الأولية المهربة والمزورة، وشهدت هذه الصناعة خلال السنوات الأربع أو الخمس الماضية تطوّراً ملحوظاً، وتحولت سورية من دولة مستوردة لجميع أنواع الأدوية إلى دولة مصدّرة لأكثر من 40 % من الإنتاج إلى الخارج، لكنّ المشكلة القائمة حالياً تتمثّل في شهادة GMP، التي صدرت مؤخرا كإحدى شروط التصنيع، والتي تعني أصول التصنيع الجيد، وهذه مواصفة عالمية، وتحتاج إلى قدرات هائلة، ومواصفات للمكان والنظافة والورقيات، وقليلة هي الشركات التي ستحصل على الشهادة.
الدكتور عماد شرف (شركة بايتيكس للأدوية البيطرية)، قال: «نعاني من مشكلة تصريف المنتج، لأنّ بعض المربين لا يريدون مادة مجهّزة بشكل كامل، بل يعتمدون على المواد الأولية، التي غالباً ما يُساء استخدامها، حيث تخلط المواد مع بعضها بشكل غير فني، وهذه مشكلة كبيرة».

الدكتور موفق  فنصا (معمل حلب للأدوية البيطرية)، قال: «50 % من إنتاج المعمل يصدّر إلى الخارج، لذا فالمنافسة المحلية قليلة، وشروط  GMP موجودة بحسب معايير وزارة الزراعة، لكنّ معايير منظمة الصحة العالمية لا يحققها أيّ معمل في سورية، ومنذ سنتين أصبحت مديرية الدواء البيطري تتفاعل مع المعامل بشكل جيّد، لكننا ـ كمصدرين ـ نحتاج إلى إجراء تحاليل في وزارة الزراعة السورية، ولا توجد دولة في العالم تجري تحاليل كهذه، علماً بأنّ الأدوية المستوردة لا تطلب وزارة الزراعة تحليلاً لموادها، ما يقلل أرباح هذه المعامل، ولا توجد مراكز بحوث في وزارة الزراعة لتجربة المربين للدواء المناسب، وهذا كلّه ينعكس على صحة الإنسان».
الدكتور غياث  دباغ، يقول: «إنّ المنتج عندما لا يطابق  جودة GMP يتوقّف، وهو ما يعطي الصدقية للشركة، ويكون المنتج موثوقاً بحسب المواصفات العالمية، وفي حال استخدام الدواء البيطري بطريقة عشوائية، وهو مقاومة البكتيريا للدواء، بحيث لا تظهر نتيجة الدواء، لأنّ البكتيريا مقاومة لهذا النوع من الدواء، وتؤدي إلى مشاكل سلبية جداً على الإنسان».

- تلك هي معاناة الأطباء البيطريين وأصحاب المعامل مع المستحضرات البيطرية، ولكن يبقى السؤال: ماذا سيضيف نظام الـ GMP الجديد إلى صناعة الأدوية البيطرية في سورية، وإلى عمل المعامل؟ وهل معاملنا مؤهلة لتطبيقه؟، يقول الدكتور دارم طباع، أستاذ الصحة الحيوانية في جامعة البعث: «إنّ نظام ممارسات التصنيع الجيد GMP يضمن إنتاج دواء جيّد وفق مواصفات عالمية وآمنة، وهو سيسهم في إدخال صناعة الأدوية البيطرية في مجال مراقبة الجودة، وبالتالي توسيع دائرة الاستخدام والمنافسة على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، أمّا من حيث تأهل معاملنا لتطبيقه؛ فهذا متفاوت من معمل إلى آخر، فهناك معامل ذات مواصفات دولية في سورية، وهناك معامل لاتستحق أن تكون مستودعات أو أقل من ذلك، ومن ثمّ مهمة الجهة الرقابية ليست سهلة».
 ومع كل ذلك تبقى صناعة الأدوية بحاجة إلى أولويات يجب على الجهات المعنية الأخذ بها أولاً ومن ثمّ المعامل، ويقول الطباع في هذا الإطار: «هناك نقاط مهمّة، أولاً ـ أن تخضع في إنتاجها وترخيصها إلى هيئة موحدة، مثل هيئة الغذاء والدواء FDA، التي تشرف على كلّ إنتاج وتسويق واستخدام وجودة الغذاء والدواء البشري والبيطري، بما يتلاءم، أولاً مع متطلبات حماية الصحة العامة وصحة البيئة، ويحقق الهدف منها في حماية صحة الحيوان، وثانياً ـ أن ترتبط صناعة الأدوية البيطرية بسياسة الدولة في البحث العلمي الهادف إلى تطوير ودراسة هذه الأدوية من الناحية المخبرية والسريرية في كليات الطب البيطري، وبإشراف لجنة علمية متخصّصة، ووفق بروتوكولات مدروسة ومراقبة، حرصاً على صدقية هذه الأبحاث، وثالثاً ـ مراقبة ثمالات (الأثر المتبقي) هذه الأدوية بالأغذية الحيوانية، وضبط عمليات التسويق والاستخدام بضوابط صارمة تحفظ صحة الإنسان وغذاءه وبيئته، ورابعاً ـ تطوير ودراسة الأدوية البديلة التي ليس لها آثار متبقية أو أضرار بيئية، وترشيد استخدام الأدوية المصنعة كيميائياً، وخامساً ـ احترام وتقدير مهنة الطبيب البيطري، وتوعية الناس ومربي الحيوان بمخاطر استخدام الأدوية البيطرية العشوائية، دون مراجعة الطبيب البيطري، والتشدد في معاقبة الأطباء البيطريين والمساعدين البيطريين، الذين يبيعون الأدوية البيطرية بسبب أو من دون سبب دون أيّ اكتراث بآثارها على صحة الانسان وغذائه وبيئته، وتحميلهم مسؤولية أخطائهم المادية والمعنوية.

- الإحصاءات العالمية تشير إلى أنّ 50 % هي الزيادة المتوقعة للطلب العالمي حتى العام 2020 على البروتينات الحيوانية، وسوف يتمّ ذلك بسبب ظهور طبقات اجتماعية متوسطة جديدة في البلدان النامية، وحاجات استهلاكية جديدة، ولكن ما تأثير الأدوية البيطرية على صحة الإنسان ما لم تستخدم بالشكل الصحيح؟، أجاب الدكتور دارم: «تختلف الأدوية البيطرية بحسب الغرض من استخدامها، فهناك الصادات الحيوية التي تستخدم لقتل الجراثيم، وهي تؤثر في مقاومة الجراثيم للصادات هذه عند الإنسان، وبالتالي لا يستجيب للعلاج عند إصابته بها، كما أنها تقتل الفلورا الطبيعية في الأمعاء، ومن ثمّ تخلق مشاكل هضمية كثيرة، أمّا مضادات الطفيليات، فلها آثار وخيمة على الإنسان، إذا لم تستخدم عند الحيوان بالشكل الصحيح، حيث يمكن أن تسبب الأورام والتشوهات الخلقية عند الأجنة، أمّا الهرمونات والمهدئات والمخدرات وغيرها من الزمر الدوائية العديدة، فلها أيضاً تأثيرات خطرة على صحة الانسان، إذا لم تستخدم بالشكل الصحيح، ويمكن القول إنّ إعطاء دواء خاطئ لإنسان قد يؤدي به إلى الموت، أما إعطاء دواء خاطئ لبقرة مثلاً، فقد يؤدي إلى مرض قرية أو عائلة بأكملها.

- ومع كلّ التحذيرات التي تطلقها المنظمة العالمية للصحة الحيوانية، إلا أنّه لا يزال هناك تخوّف واضح من الأدوية البيطرية في سورية، فهل هي آمنة الاستخدام، وغير مضرة بالبيئة؟، يقول الدكتور طباع: «تحاول مديرية الدواء البيطري التأكد من سلامة الأدوية البيطرية المصنعة في سورية، وهي جادة في ذلك، لكنّ الأثر البيئي لم يدرس بشكل جيّد، وأغلب دراسات تقييم الأثر البيئي لمعامل الأدوية لم تكن إلزامية عند ترخيص معظم المعامل، وعندما أصبحت إلزامية، فإنّ معظم الدراسات تمّت من قبل جهات غير متخصصة في هذا المجال، ومن ثمّ لم تجرِ بشكل منهجي». 

حسن العقلة

المصدر: بلدنا

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...