أبراج، حظ، فلك، توقعات، وأشياء أخرى

19-01-2012

أبراج، حظ، فلك، توقعات، وأشياء أخرى

«ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ويؤتي الحكمة من يشاء»، « قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ» صدق الله العظيم.
 
كثيرون هم الذين يعتقدون أن علوم الفلك والتنجيم هي علوم محدثة أو حرم العمل بها سابقاً في حين إن معظم علماء العرب المسلمين قد عملوا بهذه العلوم وأخذوا بها وكانوا المرجع للكثيرين من أبناء زمانهم الذين كانوا يقصدونهم حيث درسوا النجوم ومواقع الكواكب وتبايناتها وتعديلاتها وحركاتها ومطالع البروج لا بل كان لهم مؤلفاتهم التي لا تعد ولا تحصى، فصنعوا الأسطرلابات وعدلوا عليها واهتموا بالمواليد لحظة ولادتهم بل اختاروا لهم الأسماء التي تتناسب مع طالعهم لكي يتمتعوا بمستقبل أكثر إشراقاً، وليس الخوارزمي والكندي وابن الهيثم وابن سينا والدينوري وغيرهم الكثير إلا صفحات مضيئة في تاريخ الفلك العربي.
وإذا كان اللغط في التمييز بين علمي الفلك والتنجيم قد بقي حتى القرن الثامن عشر فإن هذه العلوم موجودة منذ زمن الكلدانيين والمصريين واليونانيين، وصحيح أن علم الفلك يختلف عن علم التنجيم ولكنه في الأساس يعتمد على المبدأ نفسه من حيث النظرة إلى الكواكب التي تجوب سماء كوننا ولعل محاولة الكثيرين ومنذ القدم رسم خريطة للبروج خير دليل على تكوين نظرة خاصة للكون لا بل إن تقسيم العناصر وتوزيعها وإعطاء كواكب محددة قيمتها دون غيرها خير دليل لما يحتوي عليه هذا العلم من قوة فاعلة نستطيع من خلالها أن نقول إن علم الفلك والتنجيم هو علم قائم بحد ذاته ونستطيع الاعتماد عليه في العديد من الأمور الحياتية.
وإذا كان العديدون قد تطرقوا لعلماء الفلك والتنجيم ولما يحملونه من علوم من مبدأ الحلال والحرام فإنني لست هنا بطور الحديث عن علماء الفلك الذين أثبتوا أنهم يمتلكون ملكة أو هبة لا تتوافر لدى الكثيرين منا، من حيث مقدرتهم تشكيل حبل الخلاص للبعض في الكثير من القضايا والمعضلات التي تعترضهم في حياتهم اليومية «وهذا ما أثبتوه» في الكثير من المرات سواء شئنا أم أبينا، وإنما لتسليط الضوء على أناس باتت برامج الفلكيين التي تبثها معظم شاشاتنا العربية وإذاعاتنا شغلهم الشاغل. وإذا كنا نعتقد بأن هذه الظاهرة «التعلق بالأبراج» حكراً على شريحة معينة من المجتمع سابقاً فإنها اليوم باتت تطول الكبير والصغير على حد سواء، وهذا ما تلاحظه لدى استماعك للإذاعات التي تقدم هذا النوع من البرامج بدءاً من عمر الثالثة عشرة وانتهاء بالستين.

نماذج لا بد من الوقوف عندها
روعة فتاة لم تتجاوز السادسة عشرة من العمر همها الأكبر هو حصولها على الشهادة الثانوية التي لطالما حلمت بها.
جمانة تجاوزت الخامسة والثلاثين من العمر تبحث عن فارس الأحلام الذي طال انتظاره وخصوصاً أنها باتت تحس بأن الزمان قد سبقها وأن فرصة العثور على «هذا الفارس» قد تضاءلت كثيراً.
وحنان ربة الأسرة التي أثقلت هموم الحياة كاهلها تريد دائماً التعرف إلى ما ستصير الأمور إليه مع بناتها الخمس اللواتي لا يزلن ماكثات على صدرها في البيت نفسه حتى الآن.
محمد الذي أنهى تحصيله العلمي منذ ما يزيد على السنوات الخمس يعمل سائقاً لسرفيس جوبر على أمل الغد الأفضل لفرصة عمل تليق بتحصيله العلمي.
وأم أيمن التي يعاني زوجها مرضاً تريد قطع الشك باليقين من خلال محاولتها التعرف فيما إذا كان زوجها سيغادر الحياة. جميع هؤلاء أناس يهتمون ويتابعون الفلك والحظ التوقعات لأنهم يرون في هذا الطريق «خيط أمل» قد تكون الظروف التي تحيط بهم حرمتهم إياه بشكل أو بآخر، كما يقولون.

لم لا
لم لا، تجيب لينا لدى سؤالها إذا ما كانت تؤمن بتوقعات الأبراج، أذكر أنني في عام 2006 قد اتصلت بإحدى القنوات للسؤال عن برجي وأنا التي لم أكن حينها ملمة بهذه الأمور، أذكر جيداً ما قالته لي عالمة الفلك، وأقسم لك بأن ما قالته حدث معي بالضبط وبعد المدة نفسها التي أخبرتني بها، حتى إنها حدثتني عن جميع صفات زوجي وعما يجب أن أتحاشى عمله أمامه، وقد تزوجته ونحن نتوافق مع بعضنا البعض ورزقنا بولدين، ومن وقتها حتى الآن أشتري كتابها الذي تصدره حتى لو كلفني كل ما بحوزتي من نقود.

غادرته لغير رجعة
هل حقاً يطبق الناس نصائح علماء الفلك؟ وهل بات عالم الفلك يمتلك من الاحترام ما عجز الوالدان عنه في المنزل؟ وفيما لو طلب عالم فلك ما من أي شخص قصده أن يبتعد عن شخص ما هل يستمع لنصيحته دونما تردد؟ وهل يدير الظهر لمحبوب لطالما تعلق به؟ هدى الفتاة التي أحبت من القلب لطالما مارس حبيبها عليها أساليب القمع تقول: اتصلت بإحدى الإذاعات السورية ولدى سؤالي عن التوافق أتاني الجواب سريعاً، ابتعدي عنه فهو ظالم لك وهو لا يستحقك فأنت أفضل منه بكثير ولدى تعبيري عن الاستهجان لما أسمع شرحت لي العالمة الفلكية صفاته كاملة، ولكن ما يدهشني أنني لم أستمع لكلام والدتي ولا لأختي التي تكبرني على حين إنني استمعت لكلام من لم أقابله يوماً ودونما تردد، المفارقة أنني نسيته بعد أقل من شهرين وتعرفت على شاب آخر الذي أصبح زوجي فيما بعد فنصيحته لي بمغادرته كانت بمكانها.

وجهة نظر خاصة
تقول سها: إن الرؤى وتأويلها حقيقة أثبتها القرآن والسنة، والوقت نفسه يقول علماء الدين: إن هناك طرقاً لفك السحر منها ما هو شرعي نستقيه من النبي صلى الله عليه وسلم ومن السلف الصالح، ومنها ما هو غير شرعي كفك السحر بالسحر، فإذا كانت هذه البرامج تستخدم الطريقة الشرعية فلا بأس بذلك، أما إذا كانت تستخدم الطرق غير الشرعية فهذا لا يجوز كما قرره أهل العلم، إذاً هذا يعني أن علماء الفلك أو المنجمين يمارسون طرقاً سوية فهم لا يمارسون السحر ولا الشعوذة وإنما يكتفون بإسداء بعض النصح لنا لا أكثر ولا أقل وسواء أردنا الإصغاء إليهم أم لا فهذا أمر يعود إلينا، فلم هذا التحامل على علماء الفلك أو التنجيم؟ أليس علم الفلك علماً متميزاً أودعه الله تعالى في الأرض لنستنير به كبشر ونلبي متطلباتنا اليومية؟

تركيبة ثقافية نفسية
يقول لؤي وهو خريج علم نفس وصاحب مكتبة في منطقة الحلبوني: الإنسان ميال بطبعه لمعرفة خبايا المستقبل، ولعل هموم ومشاكل الحياة اليومية تدفع الكثيرين لشراء مستقبلهم لسنة ميلادية بمبلغ لا يتعدى ألفي ليرة سورية، وإذا كانت مثل هذه الحالات تشكل نوعاً من التسلية لدى البعض فإنها تشكل لدى الفئة الكبيرة من المجتمع الركيزة الأساسية لتسيير أمور حياتهم اليومية، فمع بداية كل عام نشهد إقبالاً كثيفاً من زبائننا الذين يحجز معظمهم نسخه من كتاب ما لعالم فلك ما بالاسم، فلكل عالم فلك من يؤمن به دونما غيره ومن كان يخجل سابقاً من إعلان تعلقه بمثل هذه الأمور بات اليوم له أمراً لا يخجل من البوح فيه، ومن وجهة نظري يجب ألا نربط كل شيء بالدين لأنني شخصياً أطالع هذه الكتب وسواء كنت مؤمناً بها أم لا فأنا أحترم أشخاصاً أسوق لهم كتبهم وإلا لما عرضت لهم الكتب ويضيف ضاحكاً، كما أن زوجتي في المنزل تحصل على نسخ عالمة فلك سورية وأخرى لبنانية تستمع لنصائحهما بحذر للحرص على سير حياتنا معاً بشكل أكثر مثالية.

اقتصاد وسياسة
هل حقاً بتنا غير ضالعين بأساليب حياتنا اليومية أم لعلها قلة الثقة بالنفس أو حتى قلة إيماننا بذاتنا ؟ ففي غمرة الأحداث التي يمر بها العالم يبدو أن الظروف السياسية والاقتصادية في مجتمعنا العربي تلعب دوراً كبيراً في جعل شرائح المجتمع تنحو نحو علماء الفلك، فالبعض يريد معرفة مستقبل الأزمة التي تمر بها البلاد والبعض الآخر تواق لمعرفة إذا ما كان هناك أي جدوى اقتصادية للمشروع الذي يريد أن يفتتحه قريباً، يقول محمد: بطبيعة الحال من عادتي ألا أحتفل بعيد رأس السنة ولكن صدقي أو لا فإنني لم أستطع النوم عشية رأس السنة لما سمعته من توقعات رهيبة مورست علي كفرد من هذا المجتمع وبقيت أيام عدة بعدها أنام مع هاجس الدمار الذي بشرني به «الحايك» ولكنني سرعان ما ارتحت بعد أن تنقلت لتوقعات فلكيين آخرين وبعدها أصبحت أكثر ارتياحاً لأنني سرعان ما استنتجت أن بعض الدول الغربية منها والعربية تحاول أن تبث الرعب وخيبة الأمل في نفوس الشعب السوري من خلال استقدام بعض الأشخاص تحت مسمى فلكيين يبشروننا بتفكك بلدنا وتهالكه؟

الجانب المقابل لنا
الغريب في الأمر أننا لسنا الوحيدين نحن الذين نعيش في المجتمعات الشرقية التي وصفت بالتقليدية من نؤمن ونعتنق هذا النوع من العلوم فالمجتمعات الغربية المتتالية التي تعتبر متقدمة علمياً منذ القدم وحتى الآن آمنت ولا تزال تؤمن بها ولعل خير دليل على ذلك أن علوم التنجيم والفلك في تلك المجتمعات كانت تدرس في القرون الوسطى في جامعاتها، ولطالما اعتاد الغرب بدءاً برؤسائه وانتهاء بأدنى مواطنيه درجة باعتمادهم على العرافات اللاتي يكشفن الطالع بورق الشدة حيث إن توماس جيفرسون وهو أحد رؤساء الولايات المتحدة السابقين كان واضعاً لخريطة البروج الخاصة التي سميت باسمه، ولم يكن محفز جورج دبليو بوش في إعلانه حربه المقدسة على العراق الشقيق سوى عرافته التي بشرته بنصر مبين كما أن العديد من الأفلام الغربية تعتمد على فكرة العرافة المبشرة بالنصر وهي الأساس في فكرة كتابة سيناريوهات تلك الأفلام ولعل فيلم «ميتركس» الحائز الأوسكار واحد من تلك الأفلام التي تتحدث عن الموضوع نفسه حين جاءت لتبشر بالعثور على الـ«مختار»؟
أبراج، توافق الحبيبين، برجك الصيني، برجك الغربي، حلال، حرام، أهتم، لا أهتم، ومهما يكن يبق علم الفلك العلم المميز ويبق الفلكيون بتميزهم عنا الأشخاص الذين يزرعون فينا بعضاً من بقايا أمل ضائع أو استعصى استحضاره علينا وسواء كان ذلك «الأمل» زائفاً أم حقيقياً فإن ذلك الأمل يبقى عماداً أساسياً من إيماننا بهذا العلم وبإيماننا بأن هناك أشخاصاً يسيرون بيننا يمتلكون ما لا نمتلك، قدرات تتعدى كونها ملكة الحاسة السادسة أو التنبؤ بالمستقبل ليصح تسميتها الـ«هبة» نعم هبة منحها الله لمن أحب وأراد، «هبة» تم تحصيلها من المتابعة الجادة بهذا العلم لسنوات طويلة لم يتم من خلالها تحصيل هذه الـ«هبة» عن عبث، «هبة» أتت من تعب وجهد ذاتي، تلك هي حكمته وهذه هي مشيئته.
نهايةً ولقول الحق لم يستطع الكثيرون من التمييز حقيقة بين علم الفلك وعلم التنجيم، كما أن هناك العديد ممن التقينا معهم أعربوا عن استماعهم لبرامج الفلك التي تعرض على الشاشات والإذاعات السورية وفي الوقت نفسه أعربوا أنهم يتابعونها من باب التسلية.

لمى طباخة

المصدر: الوطن

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...