«تريب».. قابيل وهابيل السوريان

27-02-2016

«تريب».. قابيل وهابيل السوريان

غياب وظيفة المخرج في عرض (تريب - Trip - مسرح القباني، دمشق، بين 20 - 28 شباط) عكس العديد من التمايزات في هذه التجربة التي قام بإعدادها كل من الممثلين مصطفى القر وريمي سرميني عن فيلم (Dream) للمخرج الكوري الجنوبي (كيم كي دوك) فالعرض جاء خلاصة ورشة عمل عليها الفريق هنا لتكون أقرب إلى مختبر مسرحي مفتوح؛ يستطيع فيه الممثل أن ينقل خبراته من حيّز النظرية إلى التطبيق.مصطفى القر وريمي سرميني في لقطة من المسرحية: ملابسات الشخصية
العرض الذي أنتجته (مديرية المسارح والموسيقى - نادي المسرح القومي) يروي قصة شابين؛ الأول يمشي في نومه والثاني يحلم فتسقط أحلامه على أفعال يقوم بها الأول أثناء سيره نائماً في شوارع المدينة؛ حاول الاقتباس عن السينما دون التعويض عن العمق الذي تعكسه الشاشة الكبيرة من مستويات نفسية وبصرية للشخصية، إذ اكتفى «تريب» هنا بسرده على الخشبة لملابسات كلتا الشخصيتين؛ معولاً على ثنائية الخروج والدخول لهما؛ فعبر تبادل دور الحالم والسائر في نومه شاهد الجمهور نقاشاً مطوّلاً بين شابين يعانيان من أمراض النوم، ليرتكب السائر في نومه جرائم ليلية أشبه بتلك التي كان يرتكبها (الدكتور جايكل) عندما تتقمّصه ليلاً شخصية (مستر هايد) في الفيلم المعروف.
اللافت في العرض كان اختزال فضاء الفرجة في مسرح القباني، حيث عمل (حسين تكريتي) على سينوغرافيا أغلقت فضاء الصالة نهائياً، مبقية الخشبة كفضاء موحّد لتواجد الجمهور والممثلين معاً؛ حيث تم إدخال المتفرجين إلى العرض عبر كالوس داخلي جرت العادة في مسرح القباني أن يكون مخصصاً لحركة الممثلين، لكنه في «تريب» صار ممراً لدخول الجمهور مباشرةً إلى فضاء اللعب، وفي هذا كانت المغامرة الأكثر جرأة من حيث دمج فضائَي الفرجة واللعب في فضاء واحد، لولا أن هذا الاقتصاد في الفضاء لم يكن لمصلحة اللعبة المسرحية؛ بل جاء مجانياً بالكامل، لكونه لم يوظف لمصلحة العرض، بل برز كتشاطر على جسم الفضاء وحشره، مستغنياً عن فضاء العلبة الإيطالية أو مسرح الإطار والذي كان سيساعد أكثر في إعداد فرجة مسرحية يكون فيها لإضاءة (نورما برنية) دور أكثر فاعلية؛ فيما لو تمّ استغلال الخشبة كاملة لمصلحة رسم ميزانسين أكثر انفراجاً وتحرراً من الميزانسين الأحادي الجانب الذي أظهر الممثلين في تكرار مملّ لدخولهما وخروجهما أكثر من مرة عبر باب واحد.
ربما كان من المفيد أن تتعدّد الأبواب بتعدد حالات الخروج والدخول، أو حتى كان من المجدي نسف (الباب) كجسم واقعي يفصل بين فضاءين؛ لكون العرض أصلاً قدّم نفسه على أنه يعالج منطقة عميقة في اللاشعور، ومساحة للغياب والحضور بين عالمَي الحلم والواقع، الأنا والذات؛ ليكون الإعتام المترافق مع موسيقى ومؤثرات (خالد بهنسي) بدوره إحالة خشنة لوعي الجمهور وانتباهه نحو التطور الدارمي والنفسي للشخصيتين.
هذا كله لم يلغِ الجهد الواضح لدى بطلَي العرض (القر) و(سرميني) اللذين حاولا جاهدَين تقديم عرض بلا مُخرج؛ وفي تحدّ لإبراز أدوات جديدة على مستوى اللعب على ما يشبه (غميضة) بين رجلين تقاسما مساحتَي الحلم واليقظة، في ملامسة خجولة لثنائية ستانسلافسكي الشهيرة (أنا الممثل الخالقة) و(أنا الشخصية)؛ محاكاة تركت الجريمة تنضج في الحلم لتتحقق في الواقع؛ تاركةً المجال لإنهاء العرض بقتل الحالم للمحلوم به.
المشهد الأخير من «تريب» ترك الأسئلة مفتوحة على أسئلة لطالما برع المخرج الكوري الجنوبي «كي دوك» في سَوْقها في أفلامه عن ربيع سيؤول والحقبة الدكتاتورية في بلاده التي امتدّت حتى مطلع التسعينيات من القرن الفائت؛ ليكون القتل هنا إحالة لقابيل وهابيل السوريين؛ فإن صحّت تلك الحكاية فهذا يعني أننا جميعاً أبناء القاتل!

سامر محمد اسماعيل

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...