من تاريخ الحركة العمالية والنقابية في سوريا

18-10-2006

من تاريخ الحركة العمالية والنقابية في سوريا

يُقدّم النقابي المعروف «عودة قسيس» في كتابه «من تاريخ الحركة العمالية والنقابية السورية.. سنوات الحرب العالمية الثانية وبداية سنوات الاستقلال 1939- 1948»، الصادر في طبعته الأولى عن دار العلم في 431 صفحةً، وثيقةً هامة من وثائق نضال الحركة العمالية والنقابية السورية في مرحلة من أصعب مراحل نضال الشعب العربي السوري من أجل الاستقلال، والتقدم ومواجهة تداعيات احتلال فلسطين، مرحلة صعبة اكتسبت فيها الطبقة العاملة ونقاباتها واتحاداتها أغنى تجاربها رغم مرارة الفقر، ووطأة الاستغلال الرأسمالي وبشاعة الاقطاع وسطوة الحكومات البرجوازية، اذ خاضت أصعب المعارك الوطنية والطبقية مؤزرةً بدعم قوى التقدم والحرية، وقد غلبت قضايا الوطن على قضاياها وغدت فصيلاً هاماً من فصائل حركة التحرر الوطني في مواجهة المستعمرين الفرنسيين ثم المحتلين الصهاينة.
لقد قادت النقابات العمالية السورية نضال العمال من أجل حقهم في التنظيم والحرية النقابية، وعملت على إصدار قانون عمل جديد يضمن حقوقها في العمل، ومن أجل ثماني ساعات عمل، وأجور عادلة وتوفير رغيف الخبز بأسعار مناسبة وقامت باضطرابات واسعة شملت مختلف الصناعات والمهن لتحسين الأجور ووقف التسريح التعسفي وحق الإجازة مدفوعة الأجر، وتعويضات نهاية الخدمة والمعالجة الطبية والسكن والنقل وحماية الأطفال وعدم تشغيل النساء بأعمال غير ملائمة، وحماية الاقتصاد الوطني ومواجهة الشركات ذات الامتياز، وإقامة علاقات نقابية عربية ودولية وغيرها من النضالات.. إنها تجربة نقابية عريقة وثقّها الكاتب بشكل يومي وعبرمعاناة مقترنة بالظروف السياسية.
في الباب الأول من الكتاب يرصد الباحث حال سورية عشية بدء الحرب العالمية الثانية 1939، وفي الفصل الأول الذي جاء بعنوان «سورية تحت الانتداب الفرنسي».. يتحدث الكاتب عن النضال الوطني التحرري، الذي بذلت خلاله الجماهير في سورية كل غالٍ ورخيص من أجل الاستقلال والتحرر من السيطرة الامبريالية والاحتلال الفرنسي المباشر.
والفصل الثاني من الكتاب.. جاء بعنوان «سورية والحرب العالمية الثانية» بيّن وضع سورية تحت سيطرة حكومة فيشي الفرنسية، حين كان الجوع والمرض والبطالة وارتفاع الأسعار يستشري بين العمال والفلاحين الصغار.. وعمّت البلاد المظاهرات مطالبةً بالاستقلال وبتوفير فرص العيش، ووسط تلك الظروف اُغتيل د. عبد الرحمن الشهبندر 1940، الذي كان من أبرز المناضلين الوطنيين من أجل الحرية والاستقلال.
وفي هذه المرحلة ولدت قوى وأحزاب سياسية جديدة فتشكّلت حركة البعث العربي الاشتراكي، وكان للحزب الشيوعي السوري الذي أُسس في عشرينيات القرن العشرين دور هام في هذه النضالات.
وقد واجهت هذه الأحزاب تحديات كبيرة في نضالها، وفي تنافسها مع الكتلة الوطنية الممثلة للرأسمالية والاقطاع وغيرها من الأحزاب السورية المحافظة والرجعية التي استأثرت بالسلطة طويلاً.
أما الطبقة العاملة السورية فقد عملت في ظروف صعبة دون حماية تُذكر.. وبقيت منخرطة بأرباب العمل في تنظيم نقابي «نقابات الحرف والمهن»، التي حددها قانون الحرف العثماني، وقد التصقت بعض قياداتها النقابية بالكتلة الوطنية وببعض الأحزاب السياسية التي تشكّلت في ثلاثينيات القرن العشرين.
وقد استخدمت الطبقة العاملة سلاح الاضراب والاعتصام والاحتجاج في مواجهة الرأسمالية السورية، ووضعت السلطة في موقف حرج تجاه القضايا المطلبية، وبقيت مساندة العمال والنقابيين للكتلة منحصرة بتأييد مطلب الاستقلال، ومساندة الجهود الوطنية من أجل تحقيق هذا الاستقلال الناجز دون ارتباط سورية بأية اتفاقيات مع مستعمريها، ومع ظهور القوى والأحزاب السياسية التقدمية الجديدة، ونهوض الحركة الجماهيرية، تعزز أكثر فأكثر كفاح الطبقة العاملة ونقاباتها واتحاداتها، وبدأ تحولها نحو الأفكار القومية والاشتراكية وأحزابها.
ويؤكد الكاتب بأن هذا التحوّل.. كان قد بدأ بين صفوف المثقفين والطلبة والمعلمين والفلاحين وبعض صغار الكسبة أيضاً، وأن تأسيس الاتحاد العام لنقابات العمال في سورية في 18 آذار 1938 كان حدثاً بارزاً في تاريخ الطبقة العاملة والحركة النقابية العمالية السورية، وتطوراً نوعياً في مسيرتها الطويلة، تطوراً عمّق مفاهيم النقابية الطبقية والسياسية وجسد وعي الطبقة العاملة لدورها ومصالحها، وأسس للانطلاقة المستقبلية التي أثبتت فيها الحركة النقابية وجودها كفصيل طبقي ووطني حليف لقوى التقدم والحرية والعدالة الاجتماعية والاشتراكية، وقد أعطى تأييد العمال والنقابيين للأفكار القومية والاشتراكية فرصةَ امتداد هذه الأفكار في أوسع قطاعات الشعب، مما قوّى هذه الأحزاب ومكّنها من لعب دور وطني هام ساهم في تصعيد النضال من أجل الاستقلال والأحداث والتطورات اللاحقة.
وفي الفصل الثالث الذي جاء تحت عنوان «الاستقلال- وعد مشروط» بيّن فيها الكاتب كيف تم رفض المعاهدات مع المستعمرين، والنضال الوطني الذي رافق ذلك.
أما الفصل الرابع الذي جاء تحت عنوان «الاصرار على الاستقلال» قدّم فيه الباحث لمحة عن مجزرة البرلمان السوري في 29 أيار 1945 عندما طوقت المصفحات الفرنسية البرلمان، وبدأت بقصفه، وأعلن وزير الداخلية مقتل 600 شخص وجرح 500 وفقدان 120 دركياً، الأمر الذي أدى الى ردود فعل سلبية داخلية وخارجية انعكست على السياسة الفرنسية في سورية ولبنان، وتمكّن الشعب السوري من انتزاع الاستقلال، وخرجت فرنسا في 17 نيسان 1946.
أما الباب الثاني من الكتاب فقد كان بعنوان: «نضال الحركة العمالية والنقابية السورية» قدم فيه الكاتب شرحاً موثقاً ومتسلسلاً لتاريخ نضال الحركة العمالية والنقابية السورية قُبيل الحرب العالمية الثانية ونضالها في سنوات الحرب العالمية الثانية، مبيّناً صعوبة الظروف المحيطة بها ووقوفها في مواجهة الظروف المعاشية المتفاقمة حتى وصل الى انعقاد المؤتمر الخامس للاتحاد العام لنقابات العمال وتجدد النضالات عام 1945.
وجاء الباب الثالث بعنوان «النضالات الوطنية والعمالية في سورية ما بعد الحرب العالمية الثانية» والذي يتحدث الكاتب في الفصل الأول منه عن عام الاستقلال في 17 نيسان 1946، وعن المؤامرة الاستعمارية التي استهدفت عروبة فلسطين محاولةً انكار حق العربي القومي فيها، مشيراً الى أن حزب البعث العربي أصدر بياناً «دعا فيه شعب سورية العربي الى اضراب شامل»، وكان ذلك فاتحةَ عهد الكفاح من أجل فلسطين، وفي 3 تموز 1946 كان حزب البعث العربي قد أصدر جريدته الخاصة «البعث» التي أخذت على عاتقها إبراز سياسة الحزب في الاهتمام بالقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الوطنية والقومية والدولية، وكان الوضع العربي في أمس الحاجة الى وسيلة إعلامية، لها رسالتها الواضحة فأخذت الصحف الملتزمة قومياً تدعو الى مساندة نضال العرب ضد الاستعمار في مختلف البلدان العربية وخاصةً في الجزائر والمغرب العربي.
وجاء في الفصل الثاني بعنوان «انعقاد المؤتمر السادس للاتحاد العام لنقابات العمال» تحدث فيه عن أول مؤتمر لنقابات العمال بعد الاستقلال، وعن البرلمان ومشروع قانون العمل السوري.
وتحدث في الفصل الثالث عن قانون العمل 279 تاريخ 11/6/1946 شارحاً مضمونه وميزاته، والذي اعتبر إصداره في السنة الأولى للاستقلال نصراً للطبقة العاملة والحركة النقابية، رغم المآخذ عليه ورغم إهماله لبعض المطالب العمالية.
وجاء الفصل الرابع بعنوان «مواصلة النضال في إطار قانون جديد وظروف جديدة صعبة».. أشار فيه الكاتب الى تحفظ أرباب العمل على القانون الجديد، لافتاً الى تشكيل محكمة عسكرية لمحاكمة العمال في حلب، وعن تشكيل لجان تحديد الأجور تحت ضغط المطالب العمالية، راصداً نضال الطبقة العاملة من أجل ايجاد العمل والخبز والاجور وثماني ساعات عمل، ومبرزاً احتجاج أرباب العمل على قانون العمل مرةً ثانية ومطالبته بوقف العمل به وإلغائه، ومشيراً الى مواجهة الاتحادات العمالية لأرباب العمل، والى المثقفين مع العمال في معركتهم.
وتطرق الكاتب في الفصل الخامس الذي حمل عنوان العمل النقابي والتضامن العربي والدولي، الى التضامن من الطبقة العاملة العربية ونقاباتها، والى الحركة الجماهيرية، والقضية الفلسطينية، والعمل مع الحركة النقابية العمالية، وتحدث عن منظمة العمل الدولية ومحاولة النقابات السورية المشاركة في مؤتمر منظمة العمل الدولية.
وفي الباب الرابع الذي جاء بعنوان «سورية بعد الاستقلال 1947» يشير المؤلف الى بداية مرحلة جديدة تحمل تحديات جديدة، شارحاً الحالة الاقتصادية والعمالية والنقابية متطرقاً.. الى المؤتمر التأسيسي لحزب البعث العربي الاشتراكي عام 1947، والى التحديات الاقتصادية والديمقراطية التي واجهت الحكومة.
ثم كتب عن معركة الانتخابات النيابية عام 1947 وطموح قادة العمال.. وموقف الاحزاب والقوى السياسية من قضية الانتخابات.
وفي الفصل الثالث يحدد المؤلف الظواهر الجديدة في مسار الحركة النقابية متحدثاً عن تنظيم العمل والتحالفات، مشيراً الى دور الاحزاب المتنورة التي غزت النقابات في تأجيج العمل النقابي، وعن الانتخابات والنشاطات العربية والدولية والنقابات.
ويرصد في الفصل الرابع المطالب العمالية والنقابية الاقتصادية، وتزايدها، والمنحى الذي أخذته هذه المطالب.
وحمل الباب الخامس عنوان «عام النكبة 1948» وفيه يرصد الباحث قسيس  تراكم الاحداث حول سورية وتصاعدها، مبيناً الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في سورية واستمرار نضال العمال في سبيل نيل حقوقهم الاقتصادية والنقابية، وعن النضال النقابي من أجل تقاضي أجر الاجازة السنوية، والحدود الدنيا للاجور، وعن تجديد الحركة النقابية السورية، ويعرض للمؤتمر السابع للاتحاد العام لنقابات العمال، ويوضح الدوافع التي تقف وراء عقده والظروف التي جاء فيها والنقاشات التي حفل بها، كما يتحدث عن الأوضاع السياسية في تلك المرحلة والنضال النقابي الذي تواصل فيها، و يشير في هذا الفصل الى تخطي الأحكام العرفية والعودة الى إحياء انعقاد المؤتمر العام السابع للاتحاد العام لنقابات العمال.
من الواضح في هذا الكتاب ان الباحث عودة قسيس قد نقب وبحث بصبر وتأنٍ من أجل الحصول على المعلومة الصحيحة والدقيقة لتوثيق نضال الحركة العمالية والنقابية السورية مغطياً الخلفية الاجتماعية والاحداث السياسية والتطورات الاقتصادية، التي أحاطت بتطور الحركة النقابية، مدعماً بالتواريخ والأرقام الدقيقة وملحقاً بملاحق هامة أغنت البحث.
إن كتاب «من تاريخ الحركة العمالية والنقابية السورية سنوات الحرب العالمية الثانية.. وبداية سنوات الاستقلال 1939- 1948» يُشكّل إضافةً مهمة للمكتبة العربية ومرجعاً هاماً للباحثين.

ريم سعد

المصدر: البعث

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...