من الذي يستحق المحاكمة حقا؟

15-07-2016

من الذي يستحق المحاكمة حقا؟

الجمل ـ *إيريك مارغوليس ـ ترجمة رنده القاسم: اتصف تقرير لجنة تشيلكوت، الذي صدر هذا الأسبوع حول الدور البريطاني في غزو العراق عام 2003 ، بالأدب  و الحذر و كأنه حفلة شاي انكليزية. فما من اتهامات مباشرة أو  حديث عن جرائم حرب من قبل توني بلير الذي كان رئيسا للوزراء آنذاك ، أو عن مرشده الروحي الرئيس جورج دبليو بوش .

تقارير حكومات أو لجان كهذا التقرير، و كما أشار بذكاء  البرنامج المضحك "نعم يا رئيس الوزراء"، مصممة من أجل إخفاء الحقيقة  عوضا عن كشفها، و من أجل دفن الجرائم البشعة تحت جبال من الورق. و تحت جبال الكذب ، تكمن الكذبة الكبرى على طرفي الأطلسي و القائلة أن غزو و تدمير العراق كان نتيجة "معلومات  خاطئة" ، و عمل معسكرا بلير و بوش و وسائل الإعلام الأميركية و البريطانية على دفع هذا الخط السخيف.

و كاتب هذه السطور ، و الذي قام بتغطية أخبار العراق منذ عام 1976، كان أول من أكد بأن بغداد لا تملك ما يسمى أسلحة دمار شامل، و حتى إن فعلت، فهي لم تمتلك أية وسيلة لإطلاقها ، و لهذا السبب تم استبعادي  و صنفت في القائمة السوداء من قبل شبكات التلفزة  و الصحف الأميركية الرائدة.

لم أكن أحب صدام حسين القاسي، الذي هددني بوليسه السري بالشنق  بتهمة التجسس، و لكني لم أستطع تحمل بروبوغندا الحرب من قبل واشنطن و لندن و التي خدمتها وسائل الإعلام البريطانية و الأميركية الخانعة و الكاذبة. غزو العراق المخطط لم يكن يتعلق بالأسلحة النووية أو الديمقراطية، كما ادعى بوش. إذ كان يقرع طبول الحرب في واشنطن فئتان: المحافظون الجدد المؤيدون لإسرائيل و التواقون لرؤية تدمير عدو لإسرائيل، و مجموعة من رجال النفط و الإمبرياليين حول نائب الرئيس ديك تشيني الساعين لانتزاع احتياطي النفط العراقي الضخم في الوقت الذي كانوا يعتقدون أن نفطهم ينفذ. لقد هندسوا حرب العراق بنفس وقاحة و لا شرعية غزو هتلر لبولندا عام 1939.

البريطاني المتملق توني بلير وقف في صف المتحمسين للحرب على أمل أن تتمكن المملكة المتحدة من لم فتات الغزو و استعادة قوتها السياسية و الاقتصادية في العالمي العربي، و طالما كان بلير المفضل لدى المحافظين الجدد البريطانيين، و أضحى بلير ذو الكلام المنمق رجل الحرب المتفوق  على بوش المتلعثم، غير أن  قائد الحرب الحقيقي كان ديك تشيني.

و لم تكن هناك استخبارات خاطئة، و لكن وكالات استخبار استشرست  في كتابة روايات كاذبة تناسب سادتها السياسيين، و الكثير من التقارير المزيفة لفقت من قبل حلفائنا في الشرق الأوسط مثل إسرائيل و الكويت.

بعد تقرير تشيلكوت، رغم لطفه، أضحت سمعة بلير في الحضيض كما يجب أن تكون. فكيف سمح رجل ذكي و عالمي مثله أن يقاد من قبل بوش البليد المتبجح؟ رفض قادة أوروبا و كندا الانضمام للاعتداء الأنغلو أميركي، و تعرضت فرنسا لسخرية الجمهوريين بعد أن حذرت بوش من الكارثة التي سيوقعها.و لكن حكومتا بوش و بلير هما من تستحقان السخرية. إذ أسقط صدام حسين، الحليف السابق للولايات المتحدة، و تم إعدامه من غير محاكمة قانونية. و العراق الذي كان  أكثر الدول العربية تقدما دمر بالكامل،  و قتل أكثر من مليون عراقي رغم أن تقرير تشيلكوت تحدث عن موت مائة و خمسين ألف فقط. و كما توقع صدام حسين، أدى غزو بوش- بلير إلى فتح بوابة الجحيم التي خرجت منها القاعدة  و من ثم داعش.

وسائل الاعلام البريطانية و الأميركية،و التي يفترض أنها حصن الديمقراطية، أضحت أداة في بروبوغندا الحرب، و قام بلير بتطهير ال BBC لأنها لم تدعمه بشكل كامل في دفعه نحو الحرب، و حتى الآن لم تتعافى ال BBC.  و من المثير للانتباه أن أخبار تحقيق لجنة تشيلكوت كانت منشورة بشكل غير بارز ضمن عدد الخميس من صحيفة New York Times التي كانت مشاركا رئيسيا في الحرب كحال Wall Street Journal و Fox News و شبكات تلفزة كبرى. و لولا  تغاضيهم المخزي لما وقعت الحرب ضد العراق.

يتحمل بوش و بلير موت حوالي أربعة آلاف و خمسمائة جندي أميركي و تدمير العراق  و حرب كلفت مليار دولار وانتشار الفوضى في الشرق الأوسط و العنف الذي نلقي اللوم فيه خطأ على "الإرهاب" أو ما يسمى "الإسلام المتطرف".

يجب أن يحاسب الرجال و النساء المسؤولون عن هذه الكارثة الكبرى في زمننا ، و طالما أن بوش و بلير يتنقلان و يتحدثان بحرية ، فإننا لا نملك الحق بإلقاء المحاضرات على الدول الأخرى ، بما فيها روسيا و الصين، حول حكم الديمقراطية أو القانون. إذ يجب أن يمثل بوش و بلير أمام محكمة لاهاي.

*كاتب و صحفي أميركي
عن موقع Anti War

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...