البادية السورية..صراع النفط والجغرافيا

04-07-2015

البادية السورية..صراع النفط والجغرافيا

تشكل البادية السورية مساحة صراع على الجغرافيا، لموقعها وسط البلاد، وامتدادها للبلدان المجاورة من جهة، وصراع على حقول النفط من جهة ثانية.
وجعل التنوع الحضاري والعشائري والثروات الباطنية في البادية، التي تمتد لتشمل حوالي نصف مساحة سوريا، من الحرب فوق رمالها وصخورها ذات وجوه متعددة.
وتتجاوز البادية الخطوط المستقيمة التي رسمتها حدود اتفاقية سايكس - بيكو، فهي تمتد على مساحة 518 ألف كيلومتر مربع، شاملة العراق وسوريا والأردن.عنصر من "داعش" يحطم تماثيل مسروقة من تدمر امس الاول (ا ف ب)
وتتوزع داخل حدود الدولة السورية على عدة محافظات، فهي تشكل القسم الشمالي الشرقي من محافظة درعا، وجنوب محافظة الحسكة، وضمن محافظة حمص تحد القسم الشرقي منها، وتشكل 76 في المئة من ريف دمشق. أما في حلب فهي تقع في الجهة الجنوبية الشرقية على حدود الرقة وحماه. وتشترك كل مناطق البادية في الحاجة لتنمية مجتمعاتها المحلية ومواردها البشرية واستثمار ثرواتها الباطنية والزراعية.
وتشكل البادية امتداداً حيوياً للعشائر المتواجدة في البلدان الثلاثة. وعلى الرغم من أن المجتمع البدوي يحاول التأقلم مع حدود الدولة، فإن عصبية القبيلة تبقى أقوى تأثيراً من الجغرافيا أو السلطة الحاكمة. فقبيلة طيء، التي تتواجد في محافظة الحسكة يصل امتدادها حتى شمال الموصل في العراق، وقبيلة شمّر يصل امتدادها تاريخياً إلى السعودية.
وتبدلت أوضاع العشائر في سوريا مع تطور الأزمة، فالبداية كانت مع محاولة المعارضة استقطابهم، مع إطلاق «التنسيقيات» تسمية «جمعة العشائر» في 10 حزيران العام 2011، والتي كان الهدف الأساسي فيها هو تحريك عشائر الجزيرة ودير الزور والرقة وريف حلب، فانقسمت العشائر بين موال ومعارض، وشكل قسم منها «مجلس عشائر سوريا» المعارض، وفي القسم الموالي شكلت مجالس عقدت اجتماعات في دمشق تأكيداً لولائها للدولة السورية.
الانقسام الإضافي للعشائر كان مع دخول المجموعات المسلحة، مثل «جبهة النصرة» و «داعش»، حيث بايعت عشيرة البوجامل الجبهة، وعشائر البكير أعلنت مبايعتها «داعش». وأدى هذا الانقسام إلى اقتتال عشائري، كما حدث في الريف الشرقي لمحافظة دير الزور، حين اقتحمت عشيرة البوجامل بيوت عشيرة البكير بتهمة إيواء عناصر تابعة إلى «داعش».
وأحد الأسباب التي انقسمت العشائر على أساسها هو محاولة السيطرة على حقول النفط للاستفادة منها، من خلال تأمين حمايتها من قبل رجال العشيرة وتسهيل بيعها إلى المجموعات المسلحة وتهريبها لدول الجوار، وهكذا سيطر «داعش» على حقل العمر النفطي الذي يضم مصنعاً للغاز ومحطة توليد كهرباء.
وكانت المواجهة الأكبر للتنظيم مع عشيرة الشعيطات التي كانت تسيطر على 21 بئراً نفطياً. فبعد سقوط الموصل بيد «داعش» أصبحت الطريق مفتوحة أمامه للسيطرة بشكل أكبر على ريف دير الزور، فتعرضت الشعيطات إلى هجوم دامٍ من التكفيريين.
والبادية السورية جزء من الحرب على طرق النفط وحقوله، ففي العام 2010، أعلنت وزارة النفط والمؤسسة العامة للنفط عن تطوير سبع مناطق لحقول نفطية تقع في محافظة الرقة عن طريق مراسلة الشركات العالمية بهدف زيادة الإنتاجية في تلك الحقول.
وتضم سوريا ثلاثة أحواض منتجة للثروات الباطنية، الأول هو الجزء السوري من حوض ما بين النهرين، الذي يمتد من جنوب شرقي تركيا حتى الخليج العربي. وتشكل حقول كرتشوك والسويدية والرميلان الجزء الشمالي الشرقي منه في سوريا، وقد بلغ الإنتاج اليومي لحقل السويدية 116 ألف برميل. والثاني هو حوض الفرات، ويقدر احتياطي النفط في هذا الحوض بحوالي 480 مليون متر مكعب من الغاز القابل للإنتاج. والحوض التدمري هو القسم الثالث ويشكل ربع مساحة سوريا، وهو أضخم حوض للغاز في سوريا.
وبهذا تشكل البادية الممر الأساسي لأنابيب تصدير النفط والغاز من مختلف البلدان الإقليمية، فخط أنابيب الغاز العربي المقترح إلى أوروبا يمر منها إضافة إلى لبنان ومصر، وخط أنابيب النفط من حقل كركوك في العراق إلى ميناء بانياس السوري، وضمن صراع على نفط كركوك تسعى حكومة الاحتلال الإسرائيلي إلى فتح خط من الموصل إلى ميناء حيفا عبر الأردن. كما أن سيطرة «داعش» على الجغرافيا بين الرمادي العراقية وتدمر السورية لتشكل سداً بوجه أي مشروع لنقل النفط بين إيران والعراق وسوريا، وهو ما يوضح الحرب المستمرة للسيطرة على حقل الشاعر في ريف حمص الشرقي الذي يشكل امتداداً للبادية.
هذا الصراع على البادية، انعكس مباشرة على المجتمع السوري، في مؤسساته وهويته، فاستهدفت المجموعات المسلحة الآثار السورية في تدمر في تدمير لأهم المواقع في البادية. كما أن الانقسام بين العشائر واقتتالها بين بعضها البعض أخرجها من تأقلمها مع بنية الدولة. وعلى صعيد النفط والغاز فقد أدى قطع طرق النقل والمواصلات إلى انخفاض كبير في تأمين المشتقات النفطية إلى المواطن السوري ما شكل أزمة في تأمينها للمنازل والمؤسسات، إضافة للعقوبات الاقتصادية التي فُرضت على الحكومة السورية فتراجع إنتاج النفط وخرجت الشركات، وجاء التكامل مع دور المجموعات المسلحة بتهريب النفط الخام وبيعه بأرخص الأسعار في السوق السوداء.

وسام عبد الله

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...