لبنان على خلفية الصراع في سوريه

25-04-2015

لبنان على خلفية الصراع في سوريه

الجمل ـ * ستانيسلاف ايفانوف ـ ترجمة رنده القاسم:
رغم أن الوضع السياسي الداخلي في لبنان مستقر نسبيا، و لكن هناك احتمال بأن يسوء في المستقبل القريب إذا لم  يتم تفادي هذا الأمر. فتدخل قوى خارجية و الانقسام المستمر للمجتمع اللبناني حول الأحداث في الجارة سوريه ، حيث لا تزال تدور حرب أهلية مع تدخل خارجي قوي ( من قبل الولايات المتحدة و فرنسا و السعودية و قطر و الأردن و تركيا..الخ)، ربما يكون سببا في سوء الأوضاع.
و مع تأثرهم بحلفائهم الخارجيين، يزداد تورط اللبنانيين، رغما عن إرادتهم، في المواجهة المسلحة في سوريه، فمجموعة حزب الله المقاتلة و السياسية تعمل مع الرئيس بشار الأسد (ما بين 3000 إلى 5000 مقاتل مسلح و مدرب جيدا) ، و المجموعات السنية اللبنانية تدعم الجيش السوري الحر المعارض. و يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أن هناك الكثير من المجموعات الإسلامية المتطرفة في سوريه، و أكثرها قوة جبهة النصرة و الدولة الإسلامية في العراق و المشرق ، و قد أعلنت الأخيرة  مرارا و تكرارا خطتها غزو لبنان، بل و إنها ذكرت هذا البلد ضمن اسم مجموعتها. و في صيف 2014، و من المناطق المحتلة في سورية و العراق، أعلن قادة الدولة الإسلامية نواياهم توسيع حدود خلافتهم الإسلامية عن طريق ضم لبنان، حيث يلاحظ  اليوم ازدياد نشاطات ممثلي داعش في تجنيد مقاتلين من أجل داعش و جبهة النصرة.
ما هو الوضع السياسي الداخلي في لبنان اليوم؟
البلد ذو تعداد سكاني قليل، و لكنه يملك موقعا استراتيجيا و جغرافيا هاما في الشرق الأوسط، و هو مشهور بوجود عدد كبير من المجموعات الاجتماعية و العرقية و التي تملك عادة آراء سياسية متعارضة و متأثرة جدا بقوى خارجية (إيران، سوريه، السعودية، فرنسا..). و حتى الآن، تمكن اللبنانيون، و إن بصعوبة، من الاحتفاظ  بالحالة الداخلية الموضوعة و موازنة القوى السياسية، و كل هذا أصبح ممكنا بناء على المبادئ الشرعية للمحاصصة الطائفية  المتبعة خلال تعيين أشخاص لمواقع رئيسية في الجمهورية البرلمانية، حيث يرأس البرلمان مسلم شيعي (حاليا نبيه البري)، و رئيس الوزراء مسلم سني (تمام سلام). و للأسف منذ أيار 2014 و البرلمان غير قادر على اختيار رئيس جديد للدولة من المسيحيين المارونيين ، و حاليا تقوم الحكومة مؤقتا بمهامه.و تحدد المواقع في الحكومة بشكل أو بآخر وفقا لنفس النموذج. و المرشحون، الذين تمت تسميتهم خلال هذه الفترة من قبل أعضاء البرلمان، فشلوا في الحصول على الأغلبية المطلوبة خلال التصويت البرلماني.
و من الجدير ذكره، أنه مر وقت طويل لم تقم خلاله المجموعات الدينية الرئيسية في الدولة بتسمية مرشح واحد لمناصب أساسية في الدولة. فكل الطوائف الدينية مقسمة إلى أحزاب و مجموعات و حركات أصغر. و الأخيرة بدورها تنتمي إلى تكتلات سياسية متنافسة. يوجد تحالفان سياسيان رئيسيان باسمين متشابهين، تحالف 8 آذار و تحالف 14 آذار، و هما مستمران في الحوار بحثا عن مرشح مناسب للرئاسة.
تحالف 8 آذار يدعم السلطات السورية الحالية، و يرأسه فعليا قائد حزب الله السيد حسن نصر الله. و يشكل حزب أمل الشيعي برئاسة نبيه بري و مسيحيون من التيار الوطني الحر التابع لميشيل عون جزءا من هذا التحالف.
تحالف 14 آذار، يساعد المعارضة السورية، و يرأسه قائد حركة المستقبل السني سعد الحريري المدعوم من السعودية و فرنسا. و إلى جانب حزبه يوجد في التحالف أيضا عدد من المنظمات المسيحية، و معظمها موجهة من باريس.
و إضافة إلى التحالفين الذين يتقاتلان من أجل السلطة و النفوذ في الدولة، يوجد في الوسط الحزب الاشتراكي بقيادة وليد جنبلاط (درزي) و نجيب ميقاتي (سني).
يعتبر الجنرال ميشيل عون البالغ من العمر تسعة و سبعين عاما،  و هو قائد التيار الوطني الحر  و الحليف السياسي لمجموعة حزب الله الشيعية، المرشح الأساسي للرئاسة في لبنان، و ربما يصبح مرشح التسوية بالنسبة للقوى السياسية الرئيسية في الدولة.
كان  لوجود 1,5 مليون لاجئ سوري في مخيمات شمال لبنان و في وادي البقاع، بعضهم وصل إلى بيروت و مدن أخرى، أثر كبير في زعزعة الوضع بشكل عام في لبنان، إذ ازدادت معدلات جرائم الطرقات و البطالة، و تفاقمت الحالات الوبائية، و نشأ الاضطراب الاجتماعي. و بنفس الوقت ، لا تزال هناك ستة مخيمات لاجئين فلسطينيين في لبنان تضم نصف مليون، و تشهد هذه المخيمات نشاطات التطوع من أجل العديد من المجموعات الإسلامية المتطرفة.
و بالنسبة للسياسة الخارجية الرسمية للحكومة اللبنانية، تحاول بيروت التزام الحياد في الشؤون الإقليمية و الدولية. و بنفس الوقت، شجب مسؤولون لبنانيون محاولات السعودية و حلفائها التدخل في شؤون اليمن المحلية و حل الأزمة اليمنية الداخلية عن طريق التدخل العسكري. و علاوة على ذلك، تتخذ كل القوى السياسة اللبنانية موقفا جماعيا معاديا لإسرائيل. و أعلن الطرف اللبناني أن مزارع شبعا، المحتلة من قبل إسرائيل عام 1967، ملك لبنان و لهذا ينبغي على الجنود الإسرائيليين الانسحاب منها.
و صعود تأثير القوى الإسلامية المتطرفة في المنطقة و ما تشكله من تهديد، شجع القوى السياسية في لبنان على تخطي الخلافات الداخلية ، و البحث عن تسوية و تفاهم مشترك حول الشؤون السياسية الداخلية الأكثر إلحاحا ( مثل نزع سلاح حزب الله) . و اليوم، تضم  الوحدات المقاتلة في الحزب  أربعين ألف مقاتلا، و يوجد أربعون آخرون على استعداد للتعبئة في حال أضحت الأمور أسوأ  أو تصاعدت حدة الصراع. و حزب الله ، كحال كل المجموعات اللبنانية، لديه خدمات أمنية خاصة به.
و بناء على ما ذكر أعلاه، تنوي المؤسسة المحلية تعزيز القوة المركزية للدولة عن طريق خلق مجلس أمن قومي و التركيز أكثر على تحديث و تقوية الجيش اللبناني. و يفترض القسم ذو التفكير الوطني من المجتمع اللبناني أن صعود الأمن القومي المركزي، و وكالات لتعزيز الدفاع و القانون، و تحسين نشاطات التعاون فيما بينهم، بما فيها تعاون أوثق بين القوى الأمنية للأحزاب، ستكون بمثابة إجراءات وقائية يعول عليها في حال ازدياد سوء الأوضاع في لبنان و الدول المجاورة.
و بشكل عام، يمكن القول بأن لبنان اليوم يلعب دورا متناميا في إعاقة خطر المد الإسلامي الراديكالي و استقرار كل الوضع في الشرق الأوسط. و تدرك بيروت أن أي إسقاط عنيف لنظام الرئيس بشار الأسد في سورية لن يرمي في الفوضى و التخلف  بلده، الذي كان سابقا مزدهرا، فحسب، بل سيؤثر أيضا في الوضع اللبناني. و بنفس الوقت لا تزال القوى السياسية اللبنانية الرئيسية تواجه ضغوطات خارجية من دول تهدف لتحقيق أهدافها الخاصة في لبنان و المنطقة. هذه الضغوط هي ما سيثير شرارة أزمة سياسية داخلية و يرمي البلد في حرب أهلية جديدة.


*باحث  من "معهد الدراسات الشرقية في أكاديمية روسيا للعلوم"
عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونية

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...