موسكو تتحدث بلغة واشنطن

25-11-2014

موسكو تتحدث بلغة واشنطن

الجمل ـ * فينيان كانينغهام- ترجمة: رندة القاسم:

هل بلغت روسيا أقصى حدود تسامحها الدبلوماسي مع الولايات المتحدة و حلفائها في الناتو؟ فالإعلان حول بدء موسكو نشر قاذفات طويلة المدى في خليج المكسيك (فناء الولايات المتحدة الخلفي) يفترض ذلك.
تبدو الحركة و كأنها زيادة متهورة لمستوى التوترات بين خصمي الحرب الباردة القديمين. و قاذفات Tupolev الروسية الإستراتيجية المعنية ذات قدرة نووية، و كما كان  متوقعا فإن قرار خفر البحار الكاريبيه أثار ردودا  صارمة من قبل واشنطن محذرة المكسيك من المخاطر.
غير أن النقطة الأولى الواجب ملاحظتها تكمن في أن روسيا لا تقوم بعمل غير قانوني، فهي تملك الحق الشرعي بإطلاق طائراتها الحربية في أي مجال جوي دولي تختاره، كما تفعل كل الدول، من أجل القيام بمناورات عسكريه. و حتى المسؤولين في واشنطن اعترفوا على مضض بحق روسيا في القيام بذلك. و نقلت صحيفة The Christian Science Monitor  عن المتحدث باسم البنتاغون الكولونيل ستيف وارين قوله: "روسيا تملك حق الطيران في المجال الجوي الدولي".
و لكن يمكننا الوثوق بأن الصقور في واشنطن يستشيطون غضبا على ما يعتبروه "صفاقة" بوتين بإصداره أوامر لطائرات حربية ضمن مسافة قريبة من الولايات المتحدة. و بالنسبة ل "حزبي الحرب الأميركيين" الجمهوري و الديمقراطي فان موقف روسيا الأخير يؤكد اتهاماتهم بأن بوتين يحاول استعراض عضلات الحقبة السوفييتية. أو كما قال القائد الأميركي في الناتو الجنرال فيليب بريدلوف : "روسيا تبعث إلينا برسالة مفادها أنها قوة كبرى".
انها عنجهية واشنطن النموذجية في فهم الوضع. فهو ليس محاولة من قبل بوتين لأن يكون استفزازيا أو متباهيا بطموحاته التوسعية. فروسيا ببساطه  تذيق الولايات المتحدة من الكأس ذاته و باللغة التي يفهمها متعجرفو واشنطن المولعون بالحرب. فمنذ سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991 ، و حلف الناتو العسكري بقيادة الولايات المتحدة يقوم بحملة قاسية لتطويق روسيا. و في تحد كامل لاتفاقيات ملزمه، مثل "القانون المؤسس" بين الناتو وروسيا عام 1997، تجاوز التحالف العسكري الأميركي الحدود الروسية بطائرات و سفن حربية و صواريخ و جنود. إنها واشنطن من تشكل خطرا توسعيا لا روسيا.
و ما حدث بداية العام من زعزعة لاستقرار أوكرانيا الجمهورية السوفييتية السابقة من أجل تنصيب نظام معاد لروسيا، يقتل السكان الروس في شرق الدولة رغم وقف إطلاق النار المزعوم، اعتبر من قبل موسكو تجاوزا للخط الأحمر.
و أرسلت واشنطن مساعدات عسكرية للنظام في كييف لزيادة تدريب الألوية النازية الجديدة التي تورطت في جرائم ضد الإنسانية بحق سكان دونيتسك و لوهانسك لأنهم رفضوا ببساطه الاعتراف بعملية تغيير النظام غير الشرعية في بلدهم. و ذكرت آخر التقارير الواردة بأن نظام كييف يحضر لتصعيد هجومه العسكري على المناطق الشرقية في انتهاك لوقف إطلاق النار الموقع في الخامس من أيلول. و قبل أكثر من أسبوع، قامت قواته عمدا بقصف مدرسة في دونيتسك ما أدى إلى وفاة طالبين مراهقين. و ما هذا سوى الحدث الأخير في سلسلة طويلة من جرائم ارتكبت من قبل النظام المدعوم من الغرب منذ بدء اعتدائه في نيسان الماضي.
الاعتداء كان بعد أيام من زيارة مدير الCIA "جون برينان" السريه لكييف و لقاءاته المغلقة مع قيادة النظام بما فيها ما يسمى رئيس الوزراء أرسينييه ياتسينيوك الذي أشار الى السكان الناطقين باللغة الروسية في الشرق ب "أشباه آدميين" يجب "تطهيرهم". و بعد حوالي سبعة أشهر من إرهاب الدولة المدعوم من الغرب على يد قوات كييف، قتل أكثر من أربعة آلاف شخص و بلغ عدد اللاجئين مليون.
و مع ذلك في مواجهة هذا الاعتداء، تستمر واشنطن و حلفاؤها الأوربيون في الناتو بقلب الحقائق رأسا على عقب و اتهام روسيا بإذكاء نار الصراع، منتقلين إلى فرض عقوبات تجاريه.
و بمساعدة متذللة من قبل وسائل الإعلام الغربية ، قامت واشنطن و أتباعها الأوربيون و النظام الدمية في كييف بلا خجل بتلفيق القصص عن القوات العسكرية الروسية الغازية لأوكرانيا. و مرارا و تكرارا تعرض صور لفرق الجيش  دون توثيق الزمان و المكان، و إنما بناء على مزاعم الناتو المتعلقة بانتهاك روسيا للسيادة الأوكرانية.
و كرر المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية إنكار موسكو لإرسالها أي جنود أو معدات حربية إلى أوكرانيا الشرقية. و قال عن ادعاءات الناتو الأخيرة :"عوضا عن منح الحقائق، فان كل ما يملكون  تقديمه هو اتهامات لا أساس لها. و كان من الأفضل توجيه السؤال الى  المسؤولين الغربيين الذين أطلقوا هذه التصريحات من أجل إثارة التوترات و تبرير أعمالهم".
المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسيه كان أكثر فظاظة و قال : "لقد توقفنا عن منح الاهتمام للتصريحات التي لا أساس لها من الصحة من قبل آمر الناتو الأعلى في أوروبا الجنرال فيليب بريدلوف حول رؤيته للقوافل العسكرية الروسية الغازية لأوكرانيا".
يبدو أن موسكو أخيرا ضاقت ذرعا من التعامل مع الأميركيين الحمقى و أتباعهم الأوربيين عبر الحوار الدبلوماسي الطبيعي. و ربما التقى بوتين سريعا بأوباما في قمة التعاون الاقتصادي المتعلقة بآسيه و المحيط الهادي و خلال لقاء مجموعة العشرين في أوستراليا، و لكن قيل بأن القائد الروسي لم يتلق اتصالا هاتفيا من نظيره في البيت الأبيض.
عندما تكون في مواجهة متنمر مغرور و غير منطقي، فان اللغة الوحيدة التي يفهمها هي القوة.  و روسيا محقة في وضع طائرات حربية قريبا من المجال الجوي الأميركي، فأصلا قامت الطائرات الأميركية بالشيء ذاته نحو روسيا منذ سنوات. و فقط الدول المغروره من تعتقد أن بامكانها القيام بذلك دون تبعات، و ما من تفكير دبلوماسي قادر على السيطره على وحش متعجرف كهذا.
بكلمة أخرى، الخيار الطائش هو أن تستمر بالدبلوماسية العقيمة و تتفادى تبادل استعراض القوى مع واشنطن و أتباعها ، فأنت لا تشجع المتنمر ، بل عليك أن تواجهه و تدفعه للخلف.


*صحفي ايرلندي و موسيقي و مؤلف أغاني ، عمل لسنوات لصالح مؤسسات اعلامية اخباريه بما فيها Mirror, Irish Times, Independent ، يعمل حاليا في افريقيا الشرقية كصحفي حر و يؤلف كتاب بعنوان "البحرين و الربيع العربي" بناءا على تجربته في الخليج العربي.
عن موقع Press TV

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...