نقمة شعبية ورسمية سعودية على LBC اللبنانية

12-08-2009

نقمة شعبية ورسمية سعودية على LBC اللبنانية

أثار برنامج (أحمر بالخط العريض) الذي يقدمه مالك مكتبي على قناة (إل. بي. سي) اللبنانية، هزة عنيفة في المجتمع السعودي، بسبب إحدى الحلقات المثيرة التي عرضت مؤخراً وشكلت صدمة حقيقية للمجتمع السعودي.
الحلقة عرضت نموذجاً لشاب ثلاثيني سعودي من مدينة جدة... تخصص في إغواء الفتيات واستدراجهن بخطوات تكتيكية معقدة تنتهي باغتصابهن في الفراش.
الشاب المذكور كان يتحدث بالتفاصيل الدقيقة عن كيفية اختيار ضحاياه والتواصل مع المعجبات به وبأسلوبه، بدءاً من استدراجهن من الأسواق والمولات بأساليب تخترق حواجز الفصل الاجتماعي بين الجنسين ... وصولا إلى الذهاب بهن إلى شقته الخاصة، وانتهاء بكيفية إثارتهن تمهيداً لممارسة الجنس معهن... وقد اعترف الشاب إياه بأنه كان يستخدم قطرة مهيّجة تنقل الفتاة من حالة إلى أخرى، ولم يتورع في حديثه الذي تجاوز الخط الأحمر العريض بالتأكيد عن الإسهاب في أدق التفاصيل كاستخدام الواقي الذكري... ووصف علاقته بغرفة نومه التي تشكل عالمه الأثير المحبب، ومحور حياته الحافلة بالمغامرات!
اللافت في الموضوع أن هذا الشاب المهووس أفصح عن هويته بلا أي حرج، فظهر سافر الوجه وباسمه الحقيقي، وسمح لطاقم مكتب إل. بي. سي في جدة، بالتصوير في شقته وغرفة نومه.. كما اعترف أنه متزوج ولديه أربعة أولاد... الأمر الذي شكل تحدياً سافراً للأعراف الدينية والاجتماعية في المجتمع السعودي، في حين لم تجد القناة حرجاً من الإفصاح عن هويته وتعريضه للمساءلة القانونية!
ولم يكد ينتهي عرض الحلقة المذكورة على قناة (إل. بي. سي) حتى بادرت السلطات السعودية إلى القبض على نجم الفضائح هذا... ثم تفاعل الأمر أكثر، بعد بث الحلقة على موقع (اليوتيوب) ووضعها في متناول من يود استعادة مشاهدتها في أي وقت، فقدم أكثر من مائتي سعودي ادعاء ضده، وطالبوا بالقصاص منه، لأنه عرّض بشرف الفتيات السعوديات وأساء إلى سمعة المجتمع... وتفاعل الأمر أكثر من ذلك... حين أصدرت وزارة الإعلام السعودية قراراً بإغلاق مكتب إل. بي. سي في جدة... وقد ظهر أحد المسؤولين الإعلاميين الكبار ليعلن القرار بنفسه!
لكن مثقفين وإعلاميين سعوديين التقيتهم أثناء زيارتي الأخيرة إلى مدينة جدة سخروا من القرار، واعتبروا الخطوة ناقصة... فماذا عن مكتب إل بي سي في الرياض؟! لماذا يبقى مفتوحاً؟! وهل مكتب القناة في الرياض لا يلتزم بسياستها (الفاسدة المفسدة) -كما أسموها- كما يفعل مكتبها في جدة؟!
تساؤلات كانت تعكس حجم النقمة الشعبية على القناة... وهو أمر لم ألمسه في المجتمع السعودي من قبل، إزاء أي قرار منع أو مصادرة كانت تتخذه السلطات... وكانت الأوساط الاجتماعية لا تتفق عليه دائماً.. لكن في هذه الحالة بدا المجتمع والمثقفون أكثر تشدداً من الإجراءات العقابية الرسمية... وثمة من طالب المعلنين السعوديين بمقاطعة القناة وعدم الإعلان فيها، إن كانوا يحترمون شرف المجتمع الذي ينتمون إليه!
وفيما يتردد أن قناة (إل. بي. سي) تدرس تقديم اعتذار من الشعب السعودي بسبب (أحمر بالخط العريض) فإن النقمة الشعبية ضد القناة آخذة في التصاعد... ويتساءل إعلامي سعودي بارز بمرارة: ما هي القيمة من تحويل زان ومنتهك للأعراض إلى نجم حلقة تلفزيونية ومادة للنقاش؟!
لماذا نحول سلوكه الشائن الذي يستدعي الملاحقة الجنائية إلى مغــامرات مثيرة وجذابة في برنامج تلفزيوني لن يجد بالتأكيد الوقت لتقــــــــديم رسالة اجتماعية صارمة لمشاهديه، بقدر ما سينساق وراء تفاصــيل القصص والحكايات المثيرة التي ليس من ورائها سوى رعاة إعلانيين يغدقون الأموال، بقدر ما يغدق المشاهدون من الاهتمام والمتابعة للبرنامج؟!
التساؤل يبدو محقاً... وإن كان ثمة من يرفع صوته محتجاً ومدافعاً عن حرية التعبير... لكن بالمقابل يجب أن نتذكر ونحن نعلن احترامنا لحرية التعبير بالتأكيد عدة اعتبارات أولها أن حرية التعبير هذه قادت ضيف البرنامج إلى الملاحقة الجنائية والقضائية... وهذا أمر كان سيحدث معه في أي دولة أخرى يعترف فيها شاب بكامل قواه العقلية بأنه اغتصب فتيات وغرر بهن، وليس في السعودية فقط... وثانيها: أن ما وراء حرية التعبير هذه برنامج يبحث عن الموضوعات المثيرة بمفهوم الإعلام التلفزيوني الذي يحقق صخباً وإثارة ويكشف فضيحة... وبالطبع فمن حق البرنامج أن يكون هذا توجهه، مع اعترافنا باتزان ومهارة مالك مكتبي في التقديم وإدارة الحوارات والنقاش... لكن من حق الآخرين أن يعلنوا تضررهم من هذه الإثارة حين يتعلق الأمر بالمساس بأعراضهن... ويجب أن نفهم هنا أن المجتمع السعودي هو مجتمع محافظ له مرجعيات بيئية واجتماعية خاصة، ومن الصعب أن نعالج مشكلات هذا المجتمع الذي نعترف أنه يعاني من ظواهر الكبت والتشدد، عبر برامج تعتمد مفهوم الإثارة والفضيحة الإعلامية، التي قد تحمل من التشهير أكثر ما تحمل من التنوير.
أما أسوأ ما في الأمر فهو أن قناة (إل. بي. سي) لا تهتم بمشكلات وقضايا المجتمع السعودي إيماناً منها بمفهوم الوحدة العربية، وضرورة التواصل الحقيقي مع شعوب المنطقة، وأهمية التعبير عن هموم وآمال وآلام المجتمع العربي الواسع... بل هي تهتم به طمعاً بإعلانات السوق السعودي، وتسعى لاسترضائه حتى عبر مجاملته بعرض المسلسلات السعودية الرديئة أحياناً، من أجل دعم حصتها من سوق الإعلان والحصول على مزيد من المال لا أكثر ولا أقل.
ومن المؤسف أخيراً لو أن شعباً عربياً فقيراً آخر قد تعرض لمثل هذا الموقف مع (إل. بي. سي) أو سواها من القنوات اللبنانية التي تفهم الإعلام من منظار الصراع على الكعكة الإعلانية الخليجية، فإن أحداً لن يفكر بالاعتذار منه، ولن يدرس كيفية تقديم هذا الاعتذار... وفيما إذا كان سيقدم بشكل مباشر أم غير مباشر؛ لأنه ليس وراءه معلنون كبار يهددون بمقاطعة القناة، أو موارد مالية تقطع عنها، أو رصيد دعم متنوع من الاتصالات ورسائل الإس إم إس المترفة ومشاركات المشاهدين يُحجب عن خزائن برامجها ومسابقاتها... ولكانت هذه القناة أصدرت بياناً متشدداً وحاد اللهجة دافعت فيه عن حرية التعبير، وعن حقها في أن تتناول كل القضايا... وبالأحمر والخط العريض أيضاً!

قرارات حماس: فن تشويه الصورة!

نفهم أو لا نفهم طبيعة المشكلات التي تحكم علاقة فتح بحماس اليوم، ونتذكر أو لا نتذكر السجل الطويل للاتهامات المتبادلة التي تراشقتها الحركتان الشقيقتان في السنوات الأخيرة عبر وسائل الإعلام المختلفة... لكن هذا كله لم يجعلني أحترم قرار حركة حماس بمنع أعضاء فتح في قطاع غزة من مغادرة القطاع للمشاركة في مؤتمر فتح الأخير في بيت لحم، وقد شعرت بالأسف العميق من أن تشوه حركة مقاومة نبيلة للمحتل من صورتها بهذه الدرجة التي لم تكتف فيها بإصدار قرار المنع... بل قامت بمصادرة هواتف أعضاء حركة فتح في غزة كي لا يشاركوا في التصويت والانتخاب!
لا تُصدر قرارات المنع والمصادرة على هذه الشاكلة إلا الأنظمة الديكتاتورية التي لا تهمها صورتها... والتي تخاف من تواصل الناس فيما بينهم ومن قيم الحوار التي يمكن أن تجمع فئة أو حزباً خارج إطار السيطرة المباشرة لها... وفي هذا السياق فإن حماس قد انتمت بقراراتها الانتقامية هذه، إلى تراث هذه الأنظمة وإلى سلوكياتها القمعية... وأعتقد أن معتقلي حماس في سجون السلطة الفلسطينية يستحقون أسلوباً أفضل لمحاولة فك أسرهم من هذا الأسلوب الذي يضر بقضيتهم، كما يضر بصورة حماس التي بدت أبعد ما يكون عن روح التسامي عن الضغائن!

أزمة إيران في 'العربية': العرض المتواصل!

حتى بعد تنصيب محمود أحمدي نجاد رئيساً لإيران، واعتراف أوباما به رئيساً منتخباً من دون أن يفكر بتهنئته... ما زالت قناة (العربية) ماضية في تبني عنوان (أزمة الرئاسة الإيرانية) والتعاطي معها باعتبارها خبراً رئيسياَ لا يتقاعد، ومستجدات حبلى بالجديد الذي لا ينسحب إلى الظل.
هذا الولع من (العربية) بالحدث الإيراني، لا يبدو منطلقاً من كونه (حدثا) فقط، بل هو يعطي انطباعاً بأنه (أمنية) أو (حاجة) فـ (العربية) تتمنى أن تطول الأزمة الإيرانية، وأن تكون لها ذيول ونتائج دراماتيكية تغير من صورة الخليج وتهدئ من مخاوفه وهو يعيش تحت رحمة مشروع نووي إيراني طموح.
إن تغطية (العربية) لأزمة الرئاسة الإيرانية هي صورة للإعلام المسكون بهواجس سياسية حادة وثقيلة الوطأة، تجعله يندفع وراء الاهتمام بالأحداث حسب علاقتها بتلك الهواجس، وليس بناء على حضورها في سجل الأحداث!

محمد منصور

المصدر: القدس العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...