من حق النخبة الحاكمة أن تكذب ومن واجب الرعية تصديقها

12-07-2006

من حق النخبة الحاكمة أن تكذب ومن واجب الرعية تصديقها

الجمل: نادراً ما كان أستاذ الفلسفة، البروفيسور ليوشتراوس مرشد المحافظين الجدد وهاديهم ، يتحدث بلسانه، بل كان دائم الحديث والكتابة بلسان من يعلق ويعقَّب على النصوص الكلاسيكية النظرية السياسية، وذلك بمزيد من التطرف وازدواجية الرأي، إزاء كل الموضوعات التي كان يقوم بتناولها.
قسّم ليوشتراوس تاريخ الفكر الفلسفي السياسي إلى معسكرين، الأول يتكون من القدماء، مثل أفلاطون، وسقراط.. ويمثل معسكر الحكمة والحقيقة الخالدة..
أما الثاني فيتكون من الفلاسفة الحديثين، بدءاً من هيجل، وجون لوك.. ومن تلاهم ويمثل معسكر الحقيقة النسبية المتبدلة وغير الثابتة..
وإزاء هذا الانقسام، أعلن ليوشتراوس، أن الحقيقة الفلسفية الخالدة توجد حصراً في الفلسفة الكلاسيكية القديمة، وبالتالي من يريد معرفتها، عليه قراءة الأعمال الكلاسيكية.. لأنه لا فلسفة بعد الفلسفة الكلاسيكية، وبذلك فقد أغلق ليوشتراوس الباب أمام المعرفة الجديدة.. معلناً بذلك نهاية الفلسفة.. وهي الفكرة التي أخذها فرانسيس فوكوياما – أحد أبرز المتأثرين بليوشتراوس وأسقطها في كتابه: نهاية التاريخ .. صاغ ليوشتراوس سياسة ترفض الحق الطبيعي.. وتنادي بالحق التاريخي، لجهة حق القوي بحكم الضعيف، وأن الحقيقة هي ما ينادي به القوي.. والخطأ هو ماينادي به الضعيف.. وغير ذلك من القيم المثيرة للجدل..
كذلك شدد ليوشتراوس على ضرورة النخبوية.. في كل شيء.. وأعطى النخبة.. حق الكذب والخداع من أجل السيطرة على الضعفاء.. وتوجيههم.. وإخفاء الحقائق عنهم.. خاصة عندما تكون الحقائق ذات تأثير خطير.. وأكبر من (قدرة الضعفاء على تحملها ..)، وأطلق على عمليات التضليل والخداع التي يقوم بها الأقوياء والنخبويون، تسمية الـ (كذب النبيل) ..
ركز شتراوس على ضرورة استعمال النخبة  (المعنى المخفي)، الذي يفضي للخداع، وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن الـ (خداع الاشتراوسي) ليس خداعاً وكفى، بل هو خداع يستند على القواعد والأسس المنهجية والفلسفية، لأن من يقومون به، ليسوا من عامة الناس، بل تقوم به علية القوم و النخب الاجتماعية، هذا، ويمكن أن نستعرض هذه الأسس على النحو الآتي:
القاعدة الأولى : وتتعلق بضرورة مراعاة تراتبية انقسام المجتمعات، والتي تتمثل على أساس اعتبارات أن النخبة القائدة تشكل كياناً قائماً بذاته، بينما تشكل الرعية المحكومة كياناً آخراً قائماً بذاته.. ومن ثم، فعلى أساس اعتبارات الحقوق والواجبات.. فإن من حق النخبة أن تكذب وتخدع.. من جهة، ومن الجهة الأخرى فإن واجب الرعية المحكومة أن تصدق كل ماتقوله النخبة..
القاعدة الثانية: وتتعلق بأن الليبرالية.. الحرية .. تمثل رد فعل عدمي، وقد ارتكب الغرب – كما يرى ليوشتراوس وأتباعه – غلطة كبرى عندما قام بفصل الدين عن الدولة، لأن ذلك قد ترتب عليه ممارسة الناس والجماهير للحرية.. بشكل أدى إلى بروز الحداثة والنسبية على النحو الذي أدى إلى العدمية.. ولكي يتم تصحيح ذلك، رأى ليوشتراوس وأتباعه بضرورة إعادة مكانة الدين إلى الدولة.. ولكن بحيث تكون الجماهير والرعية.. ملزمة بالقيم الدينية.. أما النخبة فيجب أن تكون غير ملزمة لا بالدين ولا بالأخلاق .. وفقط عليها مراعاة استخدام القيم الدينية والأخلاقية في خطابها.. العلني .. أمام الرعية من أجل (إقناعها) .. وجس ضبطها وتوجيهها..
القاعدة الثالثة : وتتعلق بضرورة مراعاة أن الطبيعة العدوانية المتأصلة في الكائنات الإنسانية والبشرية، من الممكن ضبطها بواسطة حكومة وطنية أو قومية نافذة القوة، وذلك لأن الإنسان خبيث وشرير بحسب طبيعته الجوهرية، وبالتالي لا بد أن يُحكم ويسيطر عليه.. عن طريق قوة الحكم والتي يمكن أن تتأسس فقط .. عندما يتحد الناس.. والذين لن يتحدوا .. أو يتوحدوا.. إلا ضد الناس الآخرين، لذلك لا بد من قيام النخبة باستخدام نظرية" خطر الآخرين".. هذا، وإذا لم يكن هناك" خطر الآخرين".. فإن على النخبة أن تقوم بـ (اختراع وصناعة) هذا الخطر.. وإيهام الرعية بوجوده.. وبضرورة مواجهته والقضاء عليه، لذلك فإن أفضل أسلوب للحكم الناجع يتمثل في نجاح النخبة الحاكمة في (عملية الخداع والتضليل).. من أجل شن الحرب الدائمة المستمرة المفتوحة.. وذلك على أساس أن السلام يكمن في الحرب.. وليس في السلام..
وعموماً نقول: إن أفضل تعبير وصياغة لفلسفة ليوشتراوس السياسية، جاءت على يد تلميذه الـ (يهودي الصهيوني) آلن بلوم، والذي كتب عن رحله جلفر إلى بلاد الأقزام قائلاً: عندما كان أحد الأقزام في النار. قام جلفر بـ (التبول) على المدينة كلها.. ليطفىء النار وينقذ القزم .. وقد أغضب ذلك التصرف الأقزام الآخرين وأثار حفيظتهم فعل الـ (التبول) الذي يطرح عدم الاحترام..
والمعنى واضح – فالفيلسوف اليهودي الصهيوني ليوشتراوس وتلاميذه .. يشيرون بوضوح إلى ضرورة أن يتعامل العالم بأخلاق.. واحترام .. مع النخبة الـ (سامية) .. والتي خلقها الرب (يهوه ) .. لكي تحكم العالم..


الجمل : قسم الترجمة والدراسات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...