ملف الاتحاد من أجل المتوسط والعراقيل الأمريكية للتوجهات الفرنسية

16-11-2008

ملف الاتحاد من أجل المتوسط والعراقيل الأمريكية للتوجهات الفرنسية

الجمل: قبل بضعة أشهر تزايدت التقارير والمعلومات حول عدم رضا إدارة بوش الجمهورية عن جهود الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي الساعية لإقامة تكتل الاتحاد من أجل المتوسط على خلفية تشدد إدارة بوش في الضغط على حلفائها الأوروبيين عبر نافذة علاقات عبر الأطلنطي لجهة ضرورة الالتزام بالتنسيق المسبق مع الإدارة الأمريكية قبل القيام بأي تحرك دولي أو إقليمي والآن بعد صعود الإدارة الديمقراطية بقيادة باراك أوباما تبرز التساؤلات الهامة الآتية: هل من فرصة جديدة أكبر أمام الرئيس الفرنسي لإعطاء الحيوية لمشروع الاتحاد من أجل المتوسط؟ وما هي حدود السقف المتاح لاستقلال هذه الفرصة؟
* مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط: إشكالية جمود الوضع الراهن:
أطلق الرئيس الفرنسي ساركوزي مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط التي هدفت إلى بناء تحالف واسع بين دول الاتحاد الأوروبي والدول الواقعة على الجانب الجنوبي من البحر المتوسط، وقد رافقت المبادرة الكثير من الشكوك التي حاولت أن تقلل من أهمية المبادرة منها أن هذه المبادرة هدفت إلى:
• تفادي أزمة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي عن طريق حصرها ضمن مظلة تحالف الاتحاد من أجل المتوسط.
• إدماج إسرائيل في البيئة الإقليمية الشرق أوسطية دون أن يترتب على ذلك إلزامها بالدخول في معاهدات السلام مع العرب.
برغم المحاذير الكثيرة التي صحبت المبادرة فإن انطلاقتها وما أعقبها من تحركات دبلوماسية فرنسية في منطقة الشرق الأوسط قد خلفت مجتمعة شعوراً قوياً بضرورة المضي قدماً في المشروع. حاولت إدارة بوش تجاهل ملف المبادرة وبرغم ذلك فقد كان واضحاً أنها تسعى لإجهاض المبادرة وبرزت أولى الدلائل على ذلك من خلال الآتي:
• تزايد شكوك حلفاء واشنطن في المنطقة وعلى وجه الخصوص تركيا التي اشترطت إعطاءها تأكيدات أوروبية بأن مشاركتها في المبادرة لن تؤثر على ملف انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي وقد حصلت على هذا التأكيد.
•  لجوء بعض حلفاء أمريكا في الاتحاد الأوروبي إلى عرقلة ترتيبات المبادرة على النحو الذي اضطرت معه باريس إلى تقديم المزيد من التأكيدات للاتحاد الأوروبي بأن المبادرة لن تؤثر على التزامات فرنسا تجاه الاتحاد الأوروبي.
تقول المعلومات بأن عدوى الخلافات الأوروبية – الأوروبية والأمريكية – الأوروبية قد انتقلت إلى داخل الأوساط الفرنسية وخلال الأشهر القليلة التي سبق إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية كانت الخلافات بين الأطراف الفرنسية قد دفعت الرئيس ساركوزي إلى تهدئة حماسته إزاء المبادرة وتقول المعلومات بأن الخلافات الفرنسية – الفرنسية تمثلت في الآتي:
• ما هو هدف باريس النهائي من مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط، طالما أن باريس مرتبطة بشكل وثيق بتكتل الاتحاد الأوروبي الذي يسعى وفق خطوات واضحة إلى إدماج القارة الأوروبية ضمن كيان جيو-سياسي موحد في نهاية الأمر؟
• إن الاتحاد الأوروبي الذي توجد ضمنه فرنسا وتلعب فيه دور القوة الكبرى، قد حدد علاقاته مع دول جنوب المتوسط على أساس اعتبارات عملية برشلونة وبالتالي ما هي جدوى الاتحاد من أجل المتوسط إذا كان لا يسعى لإقامة البديل لعملية برشلونة؟
• إن مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط ستتيح لبلدان جنوب المتوسط نافذة خلفية على الاتحاد الأوروبي دون أي التزام بمقررات عملية برشلونة وهو أمر سيضعف موقف الاتحاد الأوروبي القائم بالأساس على عملية برشلونة.
هذا، وتقول المعلومات بأن جان – بيير جوييه، الوزير الفرنسي للشؤون الأوروبية، صرح قائلاً بأن المقصود من مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط ليس إقامة "اتحاد متوسطي" على غرار الاتحاد الأوروبي، وإنما "اتحاد من أجل المتوسط" بحيث تكون مهمته ودوره الوظيفي الأساس هو تقديم الدعم لهياكل الاتحاد الأوروبي المؤسسية القائمة وتعزيز سياساته في المنطقة.
* الحساب الجيوبوليتيكي بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد من أجل المتوسط:
ينظر الأوروبيون إلى الاتحاد الأوروبي بأنه السبيل الوحيد المتاح أمامهم لمواجهة المستقبل هذا وإذا نظرنا للاتحاد الأوروبي لوجدنا أنه كيان مؤسسي إقليمي – دولي يقوم على ثلاثة دعائم يمكن استعراضها على النحو الآتي:
• الدعامة الأولى: مفهوم الجماعة الأوروبية: وتتضمن 16 بنداً لجهة تعزيز التعاون والتكامل الأوروبي في مجالات الأنشطة الزراعية والاقتصادية والتجارية وحركة السلع والأفراد وقضايا البيئة والسياسات لاجتماعية والعلمية وقضايا الهجرة والمعلوماتية.
• الدعامة الثانية: مفهوم سياسة الأمن الخارجية المشتركة: وتتضمن بندين، الأول يتضمن السياسة الخارجية وقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية والمعونات الخارجية، والثاني هو السياسة الأمنية الأوروبية الذي يتضمن أربعة جوانب: سياسة الأمن والدفاع الأوروبي، مجموعات القتال الأوروبية، الخطوط العامة لدليل هكنسلي الخاص باستخدام القوة، وعمليات حفظ السلام.
• الدعامة الثالثة: مفهوم التعاون الشرطي والقضائي في المسائل الإجرامية ويتضمن خمسة بنود: مكافحة تهريب المخدرات والأسلحة، مكافحة الإرهاب، تجارة البشر، الجريمة المنظمة، مكافحة الرشاوى والتزوير.
هذا، وتوجد حتى الآن تسعة اتفاقيات رئيسية هدفت إلى ترسيخ وتوطيد أركان المفاهيم الثلاثة التي شكلت دعامات التكامل الأوروبي الثلاثة المشار إليها، وهذه الاتفاقيات هي: بروكسل 1948م، باريس 1952م، روما 1958م، بروكسل 1967م، سيَّا (لوكسمبورج - هاغيو) 1987م، ماستريخت 1993م، أمستردام 1999م، نيس 2003م، إضافة إلى اتفاقية لشبونة التي تم إعدادها في عام 2007م ولكن لم تتم الموافقة النهائية على تطبيقها بسبب الخلافات الأوروبية – الأوروبية حول بنودها وجدواها.
يقول المعارضون لمبادرة الاتحاد من أجل المتوسط بأنها تهدد الاتحاد الأوروبي وذلك بسبب تقاطع أغراض وأهداف الاتحاد من أجل المتوسط مع أغراض وأهداف الاتحاد الأوروبي الجاري تفعيلها حالياً وفق الدعامات الثلاثة، وبالمقابل يحاول الفرنسيون التسويق لمبدأ أن الاتحاد من أجل المتوسط لن يتقاطع مع هذه الدعامات الثلاث وإنما سينحصر دوره الوظيفي في تقديم السند والدعم لها وسينحصر التعاون ضمن أطراف مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط في المجالات المنصوص عليها وتحديداً ملفات: مكافحة تهريب المخدرات والأسلحة، ومكافحة الإرهاب، والاتجار بالبشر والجريمة المنظمة والتزوير والرشاوى.
* نحو تفعيل دبلوماسي لمبادرة ساركوزي:
السلبيات التي صاحبت مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط تمثلت في العديد من الجوانب مثل عدم وضوح الأهداف النهائية وتفادي الدخول في اتفاقيات جماعية متعددة الأطراف إضافة إلى الاكتفاء بمجرد الحديث عن التعاون في القضايا ذات الصلة والعلاقة بملف الدعامة الثالثة لتكتل الاتحاد الأوروبي هي سلبيات تشير إلى الآتي:
• تزاد الضغوط الأمريكية الهادفة إلى عرقلة مشروع مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط.
• عدم إعطاء فرنسا القدرة على تعزيز وزنها الجيوبوليتيكي التقليدي في منطقة الشرق الأوسط.
• عدم إعطاء الاتحاد الأوروبي القدرة على التحرك بعيداً عن رقابة واشنطن.
• عدم إعطاء دبلوماسية باريس الفرصة على الانفكاك من قيود علاقات عبر الأطلنطي مع واشنطن لجهة منع تحول فرنسا من مجرد قوة كبرى إلى قوى عظمى منافسة لأمريكا.
وعلى هذه الخلفية يمكن القول بأن "المخاطر" التي كانت تواجه باريس على خط علاقات عبر الأطلنطي مع واشنطن قد زالت بزوال إدارة بوش والآن حانت الفرصة التي على باريس استغلاها خاصة وأن بريطانيا أدركت هذه الفرصة وبدأت تحاول الاستفادة من مزاياها لجهة تحقيق المنافع من جهة وعدم السماح لباريس بالانفراد بالشرق الأوسط من جهة أخرى. وبهذا الخصوص فإن لندن تحاول الآن تسجيل الضربة الدبلوماسية الاستباقية عن طريق إرسال وزير خارجيتها والذي أصبح على وشك الوصول إلى المنطقة.

 


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...