(ليس سراباً) مرآة لمجتمع ولكنه حمل على أكتافه أكثر مما يحتمل

12-10-2008

(ليس سراباً) مرآة لمجتمع ولكنه حمل على أكتافه أكثر مما يحتمل

«لوين رايحين» عبارة تكررت على ألسنة شخصيات مسلسل «ليس سراباً» للكاتب فادي قوشقجي والمخرج المثنى صبح الذي عرض في رمضان، وسؤال من الصعب الإجابة عنه على ضوء ما يجري من حولنا وخاصة أن طبقات المجتمع العربي على وجه العموم قد تعرضت لخلخلة تحتاج إلى وقت طويل حتى تستقر، وبات واضحاً أن المجتمع العربي قد أصبح مجتمعاً مهيأ تماماً لزلازل قادمة. 
 أثناء متابعتي لندوة أقامها التلفزيون السوري في عطلة العيد حول الدراما السورية لفتني رأي أحد الزملاء، فهو يرى أنه ليس مطلوباً من الدراما أن تلعب دور المصلح أو المرشد وأعتقد أنه جانب الصواب، فالدور الأهم للدراما التلفزيونية على الأقل في الوقت الراهن هو دور الإصلاح والإرشاد والتوجيه بعد أن تعطلت تقريباً مؤسسات التربية على اختلاف تجلياتها، وهذا الدور المحوري للدراما حاول وبشكل واضح التصدي له والقيام به مسلسل «ليس سراباً» الذي قارب ولامس قضايا حساسة للغاية وجوهرية وتبدو للبعض ملحة، وقد حاول العمل أن يكون مرآة نرى أنفسنا من خلالها، ولكن إلى حد نجح وإلى أي حد يعاني المجتمع السوري من القضايا التي كانت موضوع المسلسل؟ هنا تتعدد الآراء والقرارات بين متشائم ومتفائل ومتشائل.
«ليس سراباً» تطرق إلى معضلة كبيرة وهي ما يسميه البعض جرائم الشرف أنا شخصياً أرى أن المجتمع السوري قد تجاوز هذه المسألة وما يجري من حوادث هنا وهناك لا تعدو كونها حالات فردية ولم تعد ظاهرة تقلق وإذا صح أن هناك نحو 300 حالة قتل بداعي الشرف فأعتقد أن هذا الرقم في طريقه للانخفاض وخاصة أن الأوهام قد زالت من الرؤوس ووصل النور إلى الكثير من العقول المعتمة ولا ننسى أن العلم والطب ووسائل الإعلام قد خفضت كثيراً من هذه الظاهرة بحيث بات من الملح إعادة النظر في المادة 548 من قانون العقوبات السوري التي تلتمس العذر لمن يرتكب جريمة الشرف إذا كانت متعلقة بالأصول والفروع وهذا العذر حق للرجل وليس حقاً للمرأة كما أن هذه المادة تناقض تعاليم الشريعة الإسلامية.
أعتقد أن سورية في طريقها للزوال عن خريطة الدول التي تعاني من هذه المسألة.
وأحسن «ليس سراباً» عندما تناول الجانب المعتم من «الإنترنت» على بعض الأفراد في المجتمع السوري من خلال شخصية امرأة متزوجة وأمّ تقع في هوى أحد الشبان عن طريق الشبكة العنكبوتية وأعتقد أن أغلبية المشاهدين لم تكن راضية عن أسلوب عرض المسألة حيث كان يمكن الاستغناء عن بعض المشاهد والإشارة هنا تكفي وأخشى أن الرسالة التي أرادها الكاتب والمخرج أن تصل بهذا الجانب وصلت بشكل معكوس.
ويحسب للعمل أنه اقترب وبشكل جدي هذه المرة من قضايا النشر وحرية الإعلام في سورية وهذه من القضايا الملحة جداً وكان يجب تعميق هذا الجانب ولكن يبدو أن الكاتب لم يكن ملماً بشكل واف بحالة الإعلام في سورية والوضع العام للصحفيين السوريين والصعوبات المادية والمعنوية التي تعوق عملهم، وتناول المسلسل في خطوطه الدرامية الكثيرة قضية التطرف الديني لدى بعض الشباب المسلم العائد من الخارج وتحديداً من الغرب، وأعتقد أن هذا الخط كان يحتاج إلى تعميق أكبر وتناول أوعى وخاصة أن المسألة باتت تؤرق وتقلق مع وجود أياد خفية وغير خفية ترمي بحطبها إلى أتون التطرف لغايات معروفة ومكشوفة وهي تدمير وتمزيق وتفخيخ الأمة من الداخل ومن خلال وقودها وهم الشباب. ونصل إلى القضية الأهم في هذا المسلسل وهي علاقة المسلم والمسيحي في المجتمع السوري ورغم أن المجتمع السوري مجتمع متصالح تماماً مع نفسه في هذا الجانب وليس هناك مطبات خطرة في طريق هذه العلاقة إلا أن الكاتب قد أجاد وخاصة مع إشارته الذكية إلى أن التطرف والتعصب الأعمى موجود لدى الجانبين كما أجاد في حياكة ثوب علاقة عاطفية تربط المسلم مع المسيحية وقدمه بشكل راق ومحترم وجذاب ومقنع وصادق.
واللافت أن مسلسل «ليس سراباً» يكاد يكون العمل الدرامي السوري الأول الذي يشير إلى فساد وانحراف بعض أساتذة الجامعات السورية وفي ذلك رسالة أرجو أن يكون لها متلق.
كما تناول المسلسل قضايا أخرى وهنا لابد من القول إن الكاتب فادي قوشقجي قد حمّل نصه أكثر مما يحتمل فكل قضية مر عليها تحتاج إلى مسلسل كامل كما أن النص غرق في تفاصيل التفاصيل وكان يجب الاعتناء أكثر بحوار الشخصيات لإيصال رسائل أقوى وأعمق.
وكان لافتاً الأداء المتميز والعفوي والصادق لإبطال المسلسل ومرت مشاهد غاية في السحر والإتقان وهذا يحسب لمخرجه المثنى صبح الذي قدم حلولاً ورؤى إخراجية جديدة ومختلفة في معالجة المسلسلات المعاصرة مع أن المسلسل لم يخلُ أحياناً من بطء الإيقاع.
والإشارة هنا لابد منها للأداء الرائع للفنانين عباس النوري وسلوم حداد وكاريس بشار وفاتن شاهين وحسن عويتي وخالد تاجا الذين لم يتركوا أي فاصل بينهم وبين الشخصيات التي أدوها.
«ليس سراباً» من المسلسلات السورية المتميزة التي قدمتها الدراما السورية في موسم 2008 رغم أنه حمل على أكتافه أكثر مما يحتمل.

محمد أمين

المصدر: الوطن السورية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...