كيميائي سوري ينال الجائزة الثانية لمسابقة الإبداع والابتكار التقني العربي

08-01-2012

كيميائي سوري ينال الجائزة الثانية لمسابقة الإبداع والابتكار التقني العربي

«لست ممن يشاركون في المسابقات العلمية والبحثية عادة، إلا أنه في اليوم الذي نشر فيه  تحقيقا موسعا عن ابتكاري طريقة لتعظيم الاستفادة من الخامات والثروات المعدِنيّة، قرأت في الصفحة نفسها خبرا عن «مسابقة الإبداع والابتكار التقني للشباب في الوطن العربي» تقيمها المنظمة العربية للتربية والثقافة والتعليم «الالكسو» التابعة للجامعة العربية، فبادرت وتقدمت إليها بورقتي البحثية التي نلت عنها براءة اختراع في سورية، ليتصلوا بي بعد مدة وأخبروني أنني فزت بالجائزة الثانية في المسابقة، قبل أن يرسلوا لي الأوراق والمتطلبات اللازمة للسفر إلى العاصمة التونسية حيث يتم تكريم الفائزين».
 
يسرد المهندس الكيميائي الدكتور مدين صافي قصة فوزه بجائزة أفضل اختراع في مجال البيئة، وبالجائزة الثانية في مجال الإبداع والابتكار التقني، ويملؤه إحساس عميق بأن مشكلة الاختراع في سورية تعود في قسمها الأكبر إلى مشكلات إدارية بحتة تقف عائقاً أمام تدفق الإبداع المستوطن في عقول السوريين.
صافي هو السوري الوحيد الذي تقدم لنيل جائزة «الألكسو» إضافة لسبعة عشر باحثا ومبدعا عربيا آخرين.
ويرى الدكتور صافي العضو «مدى الحياة» في جمعيتي الجيوكيميائيين التطبيقيين الهنديّة وجمعية الكيمياء والبيئة الدّوليّة، أن الخبرات السورية التي كرست لها الحكومة السورية سبل التحصيل العلمي والدراسات العليا خارج البلاد، تسجل في الأغلبية الساحقة نجاحا كبيراً في أبحاثها خارج سورية، إلا أن الاستفادة منها لدى عودتها إلى أرض الوطن تقف أمامه ترتيبات إدارية معقدة على الرغم من الحاجة إليها.
ويتخذ صافي الذي يعمل في المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية من تجربته الإدارية نموذجا، فعلى الرغم من أنه قدم اختراعا جدياً يعظم الجدوى الاقتصادية للفوسفات السوري عشرات الأضعاف، إلا أن مؤسسته لم تتعامل مع الموضوع بجدية، ولو يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تم حرمانه من أبسط حقوقه القانونية التي ينص عليها قانون العاملين الأساسي، وكأن مجرد الاعتراف به كمخترع يسبب مشكلة للإدارة، وهو ما يتكرر في العديد من المؤسسات.
وعلى الرغم من امتنانه العميق لوطنه الذي صنع منه باحثا، إلا أن الدكتور صافي لا يجد بدا من المقارنة بين تكريمه ماديا ومعنويا خارج حدود وطنه، وبين تجاهل أو حتى مجرد اختبار أبحاثه داخل مؤسسته التي يعمل بها، ويضيف: تقدمت بالبحثين إلى «الألكسو»، وعلى الرغم من أن تاريخ التقدُّم كان منتهياً، كما أن اللجان العلمية الدارسة لم تتمكن من فتح الملفات المرسلة إلكترونياً، إلا أن ذلك لم يمنعهم من الإصرار الاتصال مرة تلو الأخرى لإعادة إرسالها. لقد تعاملوا معي كباحث سوري يتوقعون منه الجدية، وكان ذلك».
وبين صافي أنه حظي باهتمام كبير من وسائل الإعلام العربية والأجنبية، كما تلقى عرضين لاستثمار اختراعه، الأول من شركةٍ خليجية وهو يعكف حالياً على دراسته كخيار أكثر قبولا، على حين الثاني من مستثمر تونسي تعرف إليه خلال لقاء نظمته له الجهات التونسية مع رجال أعمال تونسيين وهو محط دراسة، مشيراً إلى أن اللافت للنظر أن المستثمرين التونسيين يهتمون بالفائدة المادية لبلدهم ويفكرون باليد العاملة الوطنية التي يجب تشغيلها.
وحصل الباحث صافي على براءة اختراع وطنية «رقم 5664» في عام 2009 عن بحث علمي استطاع من خلاله الحصول على «الهيدروكسيل أباتيت والكالسيت والكوارتز من الفوسفات السوري ومخلفاته»، وله 21 منشوراً علمياً في المجلات الدوليّة المحكمة في مجالات «تغويز الهدر النباتي، وإغناء الفوسفات السوري، والإدارة البيئيّة لمصفاة نفط «سكيكدة» ومعمل إسمنت «سكيمات» الجزائريين، ومن ضمن الأبحاث التي نشرها «اكتشاف علمي في مجلة الاكتشافات المعدنية- كولورادو الأميركيّة».
وشارك صافي في أربعة عشر مؤتمراً دولياً؛ كان في اثنين منها عقدا في الهند ضيف شرف، كما ترأس قسم الهندسة الكيميائية في مؤتمر الكيمياء والبيئة الدولي الذي انعقد في ولاية «إندور» الهندية في 2005، على حين تم تكريم أبحاثه في مؤتمر «إغناء المعادن» في ولاية «تشناي»، و«معهد الهزات الأرضية» في «أندرا براديش» الهنديتين، كما حظي بتكريم جمعية الجيوكيميائيين التطبيقيين الهندية في معهد الزلازل والهزات الأرضية في «غووا» الهندية عن بحث تناول فيه «تعويم الفوسفات السوري».

استفادة مثلى من الفوسفات
وكنا تناولنا في مقال نشر منذ نحو الشهرين، أحد الأبحاث العلمية للدكتور صافي، التي توصل من خلاله إلى أن احتواء الخام الفوسفاتي السّوري على كميةٍ كبيرةٍ من أكسيد الكالسيوم والكلور يعوق استخدامه في صناعة حمض الفوسفور، ثم الأسمدة الفوسفاتية «وهي الصناعة الوحيدة القائمة على الفوسفات في بلدنا».
وتوصل صافي إلى أن مناجمنا الفوسفاتية في خنيفيس والشرقية تترك مئات الملايين من أطنان المخلّفات الناتجة عن المعالجة الفيزيائية منذ ما قبل تشغيل مصنع الغسيل في 2005، وباختراعه طريقةً كيميائية جديدة لتفكيك الفوسفات السوري بأنواعه المختلفة ومعالجة المخلفات عبر المعالجة بمواد كيميائية رخيصة نسبياً يتيح الحصول على مادّة «الهيدروكسيل أباتيت» الواسعة الاستخدام في الصّناعات الدّوائية، وهي مادة غالية الثمن جداً مقارنة بالفوسفات الرخيص جداً، كما حصل على منتجاتٍ ثانويّة مثل كربونات الكالسيوم البلوريّة «الكالسيت» الواسعة الاستخدام في الصّناعة الكيميائية، و«الكوارتز» الذي يمكن استخدامها في صناعات شتّى كالزجاج.
وابتكر الدكتور صافي جهازا مخبريا بسيطا يمكن استخدامه لتفكيك جميع أنواع الفلزات ومنها العينات الفوسفاتية، كما يمكن استخدامه لوضع تصورات حول الاستثمار الأمثل للمخلّفات الناتجة عن المناجم. ومع توصله إلى «هيدروكسيل أباتيت العالي النّقاوة»، يمكن الحديث عن سعره العالي جداً فيباع الطن منه بآلاف الدولارات، نظرا لاستعماله كبديلٍ للعظام، وفي جبر الكسور، وفي الصناعات الدوائية السنيّة، كما يستعمل في الكروماتوغرافيا السّائلة العالية الفعالية في تنقية البروتين.
أما المُنْتَجات الثانوية التي خلص إليها صافي بوساطة جهازه المبتكر فكانت «الكالسيت» الواسع الانتشار في الصناعة الكيميائية و«السيليكا عالية التبلوُر» التي تستخدم في صناعة الزُّجاج والسِّيراميك والخزف الصِّينيّ، كما يمكن استعمالها في مواد البناء، إضافة إلى صناعة المعجون، والمطّاط، على حين لها استخدامٌ واسعٌ في صناعة الغاز والنّفط تبعا لدورها في تكسير الصّخور ضمن آبار النفط والغاز.
وأجرى صافي أبحاثه في قسم البحث والتطوير في كل من «المركز الوطني للتنمية المعدنية» و«المعهد الهندي للتكنولوجيا الكيميائية» و«المعهد الوطني للبحوث الجيوفيزيائية» في مدينة حيدر أباد بالهند.
ويتوقع الدكتور صافي أن تسهم تقنيته وجهازه المبتكرين في تطور مستقبل صناعة الفوسفات على المستوى العالمي، تبعا للجدوى الاقتصادية المذهلة لمشروعه.
ويتمنى صافي أن يفتح الجهاز المصمم الباب أمام معالجة كيميائية للخامات السورية، بطريقة لم يسبق أن أجريت في مجالٍ «سمييه الهيدروميتالورجيا»، مبيناً أن استخدامه في الكمبرلايت «مخلفات مناجم الماس» يحقق أيضاً جدوى اقتصادية كبيرة أيضاً.
واعتبر صافى أن الجدوى الاقتصادية لهذا الاختراع هي محققة وتصل إلى عشرات أضعاف ما يتم الحصول عليه عند بيع الفوسفات الخام.

المصدر: الوطن

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...