قانون حماية الخصوصية على الأنترنت

06-11-2006

قانون حماية الخصوصية على الأنترنت

اليوم حدث معي ما أيقظ في داخلي ذاك الشخص المتمرد على قبول المسلمات التي تفرض علينا تاريخياً في بلادنا كأفراد والتي نقبلها بحزن وأحياناً بغباء أو لاستحكام العادة فينا منذ الصغر وهي التخلي عن حقنا في إبقاء " معلوماتنا الشخصية" لنا.

لا أدري كم مرة اضطررت فيها لكتابة كامل حياتي وحياة أقربائي وأزواجهن أو زوجاتهم ابتداءً من جدي مرورا بإخوة زوج عمتي أو خالتي وأولادهم وزوجاتهم. في المدرسة، أثناء تسجيلي في الجامعة، لا أدري لما لكنني اعلم أنهم دائماً يتمكنون مني ويجبروني على الانصياع في إعطاء كامل المعلومات لأنهم يمسكون بخدمات أريدها أو مستقبل أتطلع إليه.

منذ فترة قصيرة جددت هويتي الشخصية، ولا أذكر أنني اضطررت أن اكتب أكثر مما هو مطلوب ملؤه للحصول على الهوية الشخصية، الاسم، الكنية، الأب، الأم، التولد ... إلى آخره وكانت استمارة حضارية جداً مختصرة قصيرة تدل على أن من يطلبها فعلاً يطلبها لهذا الهدف، لم يطلبوا مني معلومات عجيبة مثل ماهو عمل زوجتي ولا ما هو بريدي الالكتروني، وماهي بطاقات الائتمان التي أحمل وهل أنا مدين لأحد بمبلغ.

اليوم تمردت على مندوبي مصرف خاص جديد أتوا مبتسمين لتقديم خدمة توطين للرواتب، بدأ حوارهم اللطيف : "وقع هنا ، أيضاً هنا.. أين تسكن، الهاتف، الموبايل، البريد الالكتروني، اسم زوجتك، ماذا تعمل، ما هو اسم شركتها التي تعمل فيها، ماهو منصبها،كم هو دخلها، ماهي أملاكك، بطاقات ائتمانك، القروض التي حصلت عليها، هل سددتها..؟." قلت لهم: عفواً شباب لماذا تريدون كل هذه المعلومات عن زوجتي وعن ما أملك و عن ما لا أملك، يفترض أنني طلبت خدمة جداً بسيطة لا تحتاج منكم إلا لفتح حساب بسيط لا يحتاج إلى كل هذه المعلومات؟. ولسبب ما نطقت بالمحظور ... ثم هذه معلومات شخصية جداً ولا أريد أن أعطيها لأحد بدون سبب.

وبذكاء حاد التفتت إلي إحدى المندوبات وقالت لي: أستاذ إذا لم تكن تريد أن تجيب شفهياً على الأسئلة تستطيع كتابتها. معتقدةً أنني خجل أو حذر من الإفصاح عما لدي أمام الموجودين. فأجبتها: الموضوع ليس خجلاً، أنا لي الحق أن أعرف لماذا تريدون كل هذه المعلومات وأنا لم أطلب لا قرضاً ولا بطاقة ائتمان ولا خدمات سوى فتح حساب لي لأرسل إليه راتبي وراتب باقي الشباب في الشركة، ليقفز شاب متذاكٍ من مندوبي المصرف ويشير إلي بذكاء الحكمة والدراية: أستاذ هذا النموذج هو نموذج طلب موحد لتوطين الرواتب وللسلف والقروض وأنهاها بنظرة تشجيعية لي بأن استجيب لهذا العنوان وأقول له صدقت وأبدأ بإلقاء معلوماتي عليهم، لكن ما حصل أني سألت سؤالاً آخر مزعج: أخي أنا لم أطلب لا قرضاً ولا سلفه أعطني النموذج الخاص بالتوطين....!.

بعد صدمة دامت ثوان لجميع من كان في الغرفة أتت الإجابة: أستاذ هذا هو النموذج الموحد "الشامل" المعتمد لدينا ونظام الحاسب لدينا لن يقبل معلومات ناقصة ولأننا سنبني عليه دراستنا في تقديم السلف والقروض لك. قلت: أخي أنا لا أريد لا قروض ولاسلف الآن وعندما احتاجها سوف ألبي طلبكم أما الآن فأنا أرفض أن أعطيكم معلومات عني أكثر من اللازم.

وطبعاً مع الحجة الأكثر سخفاً في العالم وأكثرها إيلاماً كوني أحب عالم التقنيات أتتني الحجة: لا نستطيع تعديل برنامج الكمبيوتر لدينا ..!. هنا " فقعت معي" وقلت لهم " عمو" هذا مرفوض والبرمجيات قابلة لكل شيء وأنا أعتذر عن إعطائكم أي معلومات أكثر ما يتطلبه الإجراء الذي أطلبه، سحبت الأوراق شكرتهم رغم أنهم لعنوا الساعة التي اضطروا للتعامل معي.

أولاً تمتعت بحرية رفض إعطاء المعلومات لأني أستطيع هذه المرة أن ارفض وهذه ميزة لن أتمتع بها كثيراً في حال كنت مضطراً لخدمة حكومية أو خاصة تتطلب مني خلع كامل معلوماتي أمامهم وبكامل قواي العقلية.

ثانياً والأهم أنني مع إذعاني بتسليم معلوماتي لكل من هب ودب في الحكومة افترض جدلاً بأن الحكومة ستستخدم هذه المعلومات في قضاياً حكومية وهي سترعاها ولن تبيعها لأحد مثلاً أو تسربها، لكني لا استطيع أن أثق كثيراً بأي جهة خاصة " مني وجر" بأن لا تبيع معلوماتي لجهات أخرى، إعلانية، تسويقية، مصرفية، داخلية، خارجية، وقلقي هذا يأتي لسبب ولسبب وجيه أيضاً لأنه ببساطة لا يوجد لدينا تشريع يحمي معلوماتنا الخاصة من التداول ويحدد من يحق له ومن لا يحق له طلبها أو الاطلاع عليها وماهي حقوقي القانونية في حماية بياناتي الشخصية.

منذ أشهر شجعني صديق على الحصول على بطاقة مصرفية " من مصارف القطاع العام الله وكيلكم" لأنه عيب على واحد مثلي على حد قول صديقي أن لا أشجع الانتقال نحو استخدام النقد والدفع الالكتروني، وبالفعل ذهبت إلى أحد فروع ذاك المصرف العام وفوجئت بمدى جودة استقبال العاملين في قسم الفيزا "بطاقات الائتمان" ولسرعة ملئهم للاستمارة التي لم تكن تحوي أكثر من معلومات هويتي وهاتفي، بعد التوقيع قالوا لي أن البطاقة ستكون عندهم خلال أسبوع. استلمت البطاقة وقررت أن أجربها وأجرب مدى جودة الخدمة والتجهيزات... وهنا حدث ما صدمني. عندما نزلت إلى الصراف الآلي فوجئت بأنه معطل، أو خارج الخدمة، صعدت إلى الفرع وذهبت إلى الموظفة اللطيفة التي أصدرت لي البطاقة وقلت لها: صرافكم الآلي معطل ماذا أفعل إذا كنت بحاجة إلى المال؟. فوراً وبابتسامة لم نعهدها سابقاً في القطاع العام قالت: "يه" بسيطة تستطيع أن تسحب من عند الكاشيير "الصندوق"، توجهت إلى الكاشيير وقلت له: أريد أن اسحب من بطاقاتي من فضلك ؟، وبدون ابتسامة قال لي: هناك رسم لأنك تسحب من الكاشيير. قلت: بسيطة. مد يده متمتماً: هات البطاقة. أمامه جهاز صغير يستخدم لتحصيل الأموال من البطاقات الائتمانية مزود بأزرار حتى أدخل الرمز السري الخاص بي، جهزت نفسي لأن أدخل رمزي السري لأفاجئ به يقول: رمزك السري أستاذ؟. أجبت: عفواً، لماذا تريده أعطني الجهاز وأنا ادخله، هنا ضحك وضحك معه كل من كان ملتصقا بي على شباك الصندوق ممن يتابعون كل المعاملات والشيكات والدفعات التي تسبق دورهم، وأعاد الكرة: رمزك السري أستاذ!. الكبل تبع المكنة قصير وإذا بدك مصاري عطيني الرمز!. أمرك سيدي، هكذا أجبت، سحبت كل مافي البطاقة ورميتها في أحد الدروج لدي مع حزني على كل من فكر بالسرية المصرفية في بلادنا وكل من تصور أننا جاهزون للتقانة قبل أن نكون جاهزين لما هو أهم : احترام المعلومات، احترام حق الخصوصية الفردية، حقي الشخصي في المحافظة على معلوماتي ومقاضاة كل من يحاول أن يسرقها أو يستخدم ما هو متوفر منها أو يبيعها.

اليوم في سورية مئات الشركات والمصارف وشركات التسويق على الهاتف والبريد تتراكض للحصول على معلومات حول المستهلك السوري وطبائعه وما يرغب ومالا يرغب وكم هو دخله وأين ينفقه وأين يسكن، وهذا حقهم لبناء سياستهم التسويقية، ولكن أين هي حقوق المواطن في أن لا تستباح معلوماته بدون إذنه المسبق.

كلمة أخرى خطيرة في هذا المقال " إذن المواطن المسبق" في أدبياتنا هذا غير وارد، لكنه الآن يحتاج إلى إعادة تقديم وإعادة طرحه كثقافة توعوية للجمهور ولابد له من حامل وهذا الحامل لن يتصدى له إلا وزارة التقانة والاتصالات، كونها الجهة التي ستكون درعنا الأول في حماية معلوماتنا الموجودة في قواعد البيانات الحكومية وقواعد البيانات المصرفية.

كل ما أرجوه من وزيرنا"عمرو سالم" وزير التقانة والاتصالات أن لاينتظر لجانه ولا لجان وزارة أخرى للمبادرة لوضع تشريع واضح يثبت حقوق السوريين في عدم تداول الآخرين لمعلوماتهم حتى التي وافقوا هم على تقديمها لهدف معين، وأن يحمي معلومات السوريين من أن تصبح سلعة تباع وتشترى، كل ما نطلبه أن نتبنى نسخة مصر أو تونس أو السعودية أو كندا لقانون حماية البيانات والخصوصية ونطرحه ونلزم فيه الجميع ونوضح للشركات في القطاعين العام والخاص واجباتهم في حماية تلك المعلومات ونوضح أيضا عقوبات تسريبها أو عدم حمايتها.

لاتنتظر أحداً ياوزيرنا، اتكل على الله واطرح القانون، لأننا وأنت نعلم بأنه اللبنة الأولى لكل شيء، لكل شيء تقريباً.

ليصدر ومن ثم نعدله إن تطلب الأمر

وأنتم رجاءاً لا تتسرعوا في إعطاء معلوماتكم الشخصية ..... بلا سبب ولا تعهدات بحمايتها.

ولا تنسوا أن معلوماتكم مهما كانت خاصة بمجموعها تعبر عن سورية.

 

م.رشاد أنور كامل

المصدر: مجلة الرقميات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...