"حموكار" إعادة قراءة المكان بعد 5500 سنة: كل شيء في مكانه

05-02-2007

"حموكار" إعادة قراءة المكان بعد 5500 سنة: كل شيء في مكانه

“حوصرت المدينة وقُذفت بالقنابل فقُتل سكانها في المعركة ودفنوا تحت أنقاض منازلهم”. إذا أُعطي هذا الوصف من دون أي تحديد زمني للأحداث، لاعتقد البعض أن الأحداث جرت في الماضي القريب. ولكن الواقع يعاكس ذلك. إذ إن هذا وصفٌ لمعركة جرت قبل 550لقى اكتشفت لتتحدث عن أسرار الحياة اليومية في حموكار0 سنة، والقتل والدمار اللذان لحقا بمدينة حموكار أزالاها.
بقيت حقيقة ما جرى في هذا الموقع شمال سوريا بين نهري دجلة والفرات سراً خفياً مدفوناً تحت التراب الى أن كشفته أخيراً البعثة الأثرية السورية الأميركية من معهد دراسات الشرق الأوسط القديم في جامعة شيكاغو.
مدير البعثة من الجانب الأميركي كليمنس رايشل شرح “ان البقعة التي جرت فيها الحفريات هي منطقة حرب بامتياز. فالاكتشافات تقدّم البراهين الأولى على عملية اجتياح واسعة النطاق ضد شعوب حضارات ما بين النهرين”. وكان أعضاء الفريق الأثري قد عثروا داخل الجدران في الموقع على كمّ هائل من القنابل: أكثر من 1200 قطعة مصنّعة من الطين مختلفة الأشكال والأحجام كانت السبب الأساسي في تدمير أسوار المدينة لتي ترتفع عدة أمتار، ومن ثم دُمرت المباني. ويؤكد رايشل انه “من الواضح أن تلك المعركة لم تكن جزءاً من حرب عادية، إنما هي اجتياح استخدمت فيه كل العدة والعتاد. ويشبه هذا التكتيك ــ إن جاز التشبيه ــ الطريقة التي اتبعتها القيادة الأميركية في حربها على العراق، إذ أتت بجيش ضخم خاض المعارك بشكل سريع ومكثّف لفرض هيمنة كاملة على أرض العدو”. ولكن الأميركيين لم يكتشفوا هذا التكتيك الحربي، فقد استخدمه السومريون قبل الأميركيين بخمسة آلاف سنة.
يشرح رايشل قائلاً “كل شيء مدفون داخل المباني. الأشخاص مع ممتلكاتهم كما كانت مرتبة، وكأنما كانوا ينتظرون أن نأتي لنكشف حقيقة ما جرى. ومن وجهة نظر علم الآثار، يُثري اكتشاف القطع في مكانها بالمعلومات بشكل لا مثيل له. فالبيوت التي تكون عادة فارغة من محتوياتها هي الآن مليئة بما كان يُستعمل فيها. فأواني الطبخ في المطبخ، وغرف الصلاة تختلف بأغراضها عن غرف النوم والمكاتب”.
يُعثر عادة في الحفريات الأثرية على منازل أو مدن أو أي شيء وقد أُفرغ من محتوياته. فيُكشف عن الوحدات السكنية ويبدأ التكهّن بكيفية استعمالها. أما حموكار فقد خبّأت أسرار حياتها اليومية تحت الركام. ولا تنحصر أهمية هذه المدينة فقط بالحفريات الأثرية بل تشمل أيضاً المكتشفات. فهي تسمح لعلماء الآثار بإعادة النظر في كيفية تطور الحضارات وتكوين أولى المدن في العالم على ضفاف نهر دجلة. فقبل بضع سنوات كانت تعتبر منطقة جنوب العراق ــ ما يعرف بحضارة الوركاء ــ منشأ الحضارة المدنية، لكن تظهر الحفريات في حموكار اليوم أن هذه الحضارة امتدت شمالاً وأنشأت لنفسها مستوطنات للحصول على المواد الأولية التي تفتقر إليها كالحديد والمعادن والأحجار. وتطورت هذه المدن لتصبح هي مراكز قوى استراتيجية تنافس مدن الجنوب. ويبدو ان التنافس للاستيلاء على حاموكار هو ما أدى الى تدميرها. ويقول رايشل “عثرنا هذه السنة على كمية كبيرة من اللقى الفخارية التي كانت قد صنعت في مدينة الوركاء، ما يعني ان أهل هذه المدينة إن لم يكونوا هم من ألقى القنابل المدمرة على حموكار إلاّ أنهم بالطبع استفادوا من اندثارها. فلقد احتلوها مباشرة بعد تدميرها واستعملوها لفترة وجيزه من الزمن”. وأظهرت الحفريات أن حموكار كانت قد تحولت في الألف الرابع قبل الميلاد الى مدينة ضخمة يسكنها حوالى 25000 نسمة. فخلال التنقيبات عُثر على مبان سكانية كبيرة الحجم لا يمكن ان تكون قد استخدمت كمنازل بسيطة. فهناك مطبخ ضخم وضعت داخل جدرانه عشرات المضارس للحبوب، وألصق به فرن بحجم غرفة يمكن ان يقال انه “صناعي”. لأي هدف كانت تستعمل هذه المباني الضخمة وكيف كانت تنظم الحياة داخل أسوار حموكار، هذا ما سيحاول الفريق السوري ــ الأميركي الإجابة عنه في حفريات السنة المقبلة.

جوان فرشخ بجالي

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...