بيرو تهاجم.. وأمانبور أيضاً: البروباغندا العتيقة في حلّةٍ جديدة

11-09-2013

بيرو تهاجم.. وأمانبور أيضاً: البروباغندا العتيقة في حلّةٍ جديدة

«أهلاً بك أوباما أمام العدالة.. أنا القاضية جانين بيرو»، وتبدأ المحاكمة. محاكمة سيخضع لها الرئيس الأميركي باراك أوباما، وقد جلبه إليها قراره بالتدخل العسكري ضد النظام السوري. أما بيرو (62 عاماً) فهي قاضية متقاعدة من الخدمة العامة في ولاية وستشستر في نيويورك، وتدير برنامجاً على قناة «فوكس نيوز»، تضع فيها متهماً داخل قفص. لسوء حظ أوباما، بيرو تعارض قراره بشنّ ضربة على النظام الجانين بيرو تؤنّب أوباما سوري، وهي بحكم مهنتها السابقة تسوق قضيتها بقدرٍ عالٍ من الاحترافية، مضيفة إليها العدائية والسخرية المحبّذتين في صناعة العرض التلفزيوني. وفي المطالعة (*) التي امتدت لعشر دقائق، تنشط بيرو على أكثر من سياقٍ معادٍ لقرار التدخّل، منها ما يلتفت إلى أهل هذه المنطقة، ومنها ما يركّز على الداخل الأميركي والتعب من الحروب.. فتستهل كلامها مستغربةً اقتياده البلاد إلى «صراعٍ آخر من صراعات الشرق الأوسط»، لتختمه بأمرٍ توجهه إلى أوباما كي يعيد جائزة «نوبل السلام» إلى الجهة التي منحته إياها. هذا الفيديو انتشر كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد بدا لافتاً التبدّل الذي أصاب الموقف من قناة «فوكس نيوز» بين بعض اللبنانيين، إذ باتت رابطاً يُنقل بإعجاب بعدما كانت الشتيمة تصنع اسمها الأول.
في المقابل، خرجت كبيرة مراسلي «سي أن أن» كريستيان أمانبور (55 عاماً) على متابعيها عبر «تويتر» بتغريدة تبلغهم فيها: «سألتُ السفير السوري إلى الأمم المتحّدة بشّار الجعفري، في مقابلة نادرة معه: كيف تنام ليلاً؟». في المقابلة (**)، كان السؤال الأخير أطول من هذه الكلمات الثلاث: «كيف تنام ليلاً وأنت تدافع نظاماً، حكومةً، تسبّبت بسفك كل هذه الدماء؟». لم يتعامل الجعفري مع السؤال كتهجّم، وإنما تعامل معه بديبلوماسيّة عالية لا تخلو من التكدّر والقلق، وحكى عن أخطاء في الحكم شابت المراحل السابقة، ووعد بتغيير سيأتي به النظام نفسه، قبل أن يستعيد شعار حملة أوباما الانتخابية: «التغيير.. نعم، نقدر عليه» (Change, Yes We Can). بذلك، جعل الجعفري «النظام الذي يقدر» هو الجواب على سؤال «الشعب الذي يريد»، كبديل عن الضربة العسكرية موضوع النقاش.
برنامج القاضية بيرو حائزٌ على جائزة «إيمي» في ماضيه. وكريستيان أمانبور، ابنة الأب الإيراني والأم البريطانية، تكاد تكون أشهر صحافية تلفزيونية في العالم. الأولى أدّت دور المدّعية العامة ضد سياسة باراك أوباما على «فوكس نيوز»، والثانية أدّت دور المدّعية العامة ضد نظام بشّار الأسد على «سي أن أن». وبينما بيرو استخدمت الحجج والمعلومات لبناء مرافعة تشبه مقال الرأي، فإن أمانبور قدّمت المقابلة خاتمةً إياها بخروجٍ عن المشهور من أصول مهنة. بيرو أطبقت كصقرٍ على فريستها مجرّدةً إياه من دفاعاته، أما أمانبور فدسّت له السؤال كمن يجرّده من الحق بالرأي حتى. وإن بدت بيرو حاسمة لأنها تخاطب رئيسها الغائب عن الصورة، فقد بدت أمانبور عصبية لأن المقابلات لا يكتبها طرفٌ واحد، لها فيها شريك، هو هنا سفير «العدو».
وبذلك، أوضحت شبكتان إخباريتان تعتبران من أقوى شبكات البث العالمي، أن مسألة المسافة النقدية التي يأخذها الصحافي من خبره كدليلٍ على حرفيته قد باتت خطاباً من الماضي، بينما تُقاس العناصر الأدقّ توصيفاً للحرفية اليوم على سلم الجهد الذي يبذله الصحافي للدفاع عن قضيته، وتدعيمها بالأدلة الموثوقة، واستباق حجج الطرف الآخر. كأنها البروباغندا العتيقة، لكن في حلّةٍ جديدة.


سحر مندور

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...