التلفزيون السوري وأحداث إيران: الهدوء يسود طهران!

24-06-2009

التلفزيون السوري وأحداث إيران: الهدوء يسود طهران!

يكشف التعامل الإعلامي مع الأحداث الأخيرة التي شهدتها إيران، عن حقيقة أن الصمت السياسي العربي تجاه تلك الأحداث، والتعبير عن موقف واضح منها (باستثناء تصريحات رسمية معدودة)، كان يتخذ من وسائل الإعلام الممولة من الأنظمة السياسية نفسها، وسيلة للتعبير عما لا يريد السياسيون قوله بصراحة.. ووجهاً لوجه!
وتبعاً لطبيعة العلاقات التي تربط بعض الأنظمة العربية بإيران، يمكن أن نرى طبيعة تغطية أحداث هذه الاحتجاجات الإيرانية الشعبية على نتائج الانتخابات، فمن حالة الشماتة المستترة في الفضائية المصرية، إلى لغة التحريض الخفي في قناة (العربية) السعودية، إلى حالة التوازن المنضبط في قناة (الجزيرة) القطرية، إلى صورة الخطاب الإعلامي المتماهي مع الموقف الرسمي الإيراني في الفضائية السورية... يتشكل المشهد الإعلامي على خلفية الموقف السياسي، الذي يضبط هوى الفضائيات العربية وأهواءها!
العنصر الآخر الذي يحدد اتجاه التغطية الإعلامية للاحتجاجات الشعبية الإيرانية المتصاعدة، هو طبيعة الأنظمة السياسية وشكل علاقتها مع الديمقراطية كثقافة وكخطاب (ولا نقول كممارسة لأن كل الأنظمة العربية تتفق في الممارسة على نبذ الديمقراطية) ففي وسائل الإعلام التي تتبنى أنظمتها خطاباً يحترم ثقافة الديمقراطية في الظاهر على الأقل، يمكن أن نرى حديثاً فيه شيء من الاحترام للإرادة الشعبية فيما يجري، أما في الأنظمة التي يعكس إعلامها خطاباً متشدداً ومتخلفاً عن لغة الإعلام المعاصر، فلا نرى ولا نسمع إلا صيغ الازدراء للتظاهرات الشعبية، ولمبدأ الاحتجاج على النتائج الرسمية للانتخابات باعتباره عملا عدوانياً وتخريبياً ومستفزاً وينال من هيبة الدولة، وليس سلوكاً ديمقراطياً لا سمح الله، ونقرأ على السطور وما بينها، خطاباً غاضباً من هؤلاء الغوغائيين الذين نزلوا إلى الشارع بدون إذن أو موافقة أمنية، وهم يستحقون قص رؤوس بلا شك!
هذا الخطاب مثلاً نجده في صورته النموذجية في وسائل الإعلام السورية، ولا فرق بين أن تتابع التلفزيون الرسمي الإيراني، أو ترى نشرة الأخبار في الفضائية السورية... بل ربما كانت الفضائية السورية ملكية أكثر من الملك، وقد عبرت عن غضبها من الإصلاحيين، وتجاهلت كل الآراء المؤيدة لهم من بعض المرجعيات الدينية الإسلامية، ورفضت في صياغة الخبر، وفي رؤية الحدث، وفي الحوار حوله، وفي التعليق عليه، رفضت أن تراه كتعبير عن حالة احتجاج شعبية في أية حال من الأحوال... وقد تبنت الفضائية السورية بحماس شديد، ودون استفتاء أي وجهة نظر أخرى، تبنت نظرية أن هذه الاحتجاجات مدفوعة من الخارج.. وفي تقرير إخباري بثته في إحدى نشراتها، اعتبرت ما يجري في إيران، وسيلة استعمارية جديدة للنيل مما أسمته (دول الممانعة) ومحاولة إشعال الفتنة فيها، بعد أن فشلت كل سبل المواجهة معها!
ولعل أطرف ما في أداء الفضائية السورية تجاه أحداث إيران، أن نشرة الأخبار تعتم تماماً على وجهة النظر الإيرانية الأخرى.. فهي تحتفي بآراء المحافظين ووجهة نظر أجهزة الدولة الرسمية دون غيرها... بحيث لا يفهم المشاهد ما هي المشكلة وأين يكمن الاختلاف بين المحافظين والإصلاحيين، حتى يعرف لماذا حدث ما حدث... وقد تابعت نشرة أخبار الفضائية السورية منذ يومين، وكانت الاحتجاجات في أوجها، فسمعت المذيع يقول أن المرشح الخاسر حسين مير موسوي أصدر بياناً يدعو فيه أنصاره إلى ضبط النفس، فأصابني الذهول الشديد لأن الوقائع وحالة التصعيد لا تشي بذلك... وعندما عدت إلى قناة (الجزيرة) وجدت أن بيان موسوي يدعو أنصاره إلى مواصلة الاحتجاج وضبط النفس.. وقد حذفت أخبار الفضائية السورية عبارة (مواصلة الاحتجاج) فبدا المعنى مختلاً، وخارجاً عن سياق ما يجري على أرض الواقع!
هذا الأداء الإخباري الذي تتبعه الفضائية السورية، لا يخرج في الواقع عن سياق معالجاتها المتخلفة لكثير من الأمور والأحداث، وهو يؤكد أن الإعلام السوري مدافع خاسر عن أي قضية... فالخطاب المتشنج الذي يغيب وجهة النظر الأخرى، والذي يندفع لتكرار مقولات غوغائية بطريقة تفتقر للإقناع، وتجتر المعنى ذاته على مدى أيام وأيام، مهما تغيرت الوقائع على الأرض... والتأكيد المستمر على أن الهدوء يسود العاصمة الإيرانية، فيما صور الموبايل في المحطات الأخرى تقول غير ذلك... سوف يدفع أي مشاهد محب لإيران ومتضامن معها ضد محاولة الصيد في الماء العكر، أن يهجر الفضائية السورية بلا تردد أو إبطاء... أولا لأن الضجر سيأكله من التحليلات السياسية المتشابهة والمستنسخة والتي تدور في حلقة مفرغة وتقول فكرة واحدة، وثانياً لأنه ببساطة يريد أن يعرف ما يجري كي يأخذ موقفاً سليماً قائماً على العقل والمنطق، وليس على خطاب انفعالي تعبوي عفا عليه الزمن!
أفهم أن من الصعب على التلفزيون السوري أن يقف على الحياد المطلق في تغطية أحداث إيران، بسبب طبيعة العلاقات التاريخية التي تربط سورية بإيران، وبسبب أن التلفزيون السوري هو التلفزيون الرسمي المعبر عن موقف الدولة... هذا أمر لا نختلف عليه، لكنني لا أفهم لماذا يجب ألا نتعامل مع الحدث بموضوعية تشرح وجهات نظر الطرفين، وتتابع ما يجري بلغة الخبر لا بلغة التعبئة والمواقف المسبقة وموضوعات الإنشاء السياسي الخطابي!
وعلى أية حال لم يخن التلفزيون السوري في تغطيته لأحداث الاحتجاجات الشعبية الإيرانية هويته المعروفة التي عوّد مشاهديه عليها، من حيث تقديم معالجات مضجرة، تفتقر للشفافية والوضوح في عكس الصورة الكاملة، وتبقى خارج سياق التفاعل مع الحدث... وهو ما يشكل دافعاً مثالياً كي نهرب إلى محطات أخرى قد لا نتفق معها في الرؤية، لكنها تقدم لنا على أية حال نقلاً حيوياً متجدداً لما يجري، بحيث يشكل مادة معقولة للتواصل مع الحدث وفهمه.

مرض الفنانين: ميلودرامية الصورة وقلة وفاء الزملاء!
استضاف الإعلامي يسري الفخراني على قناة (الحياة) المصرية الخاصة، اثنين من الفنانين المصريين اللذين أقعدهما المرض والإهمال عن متابعة مشوارهما الفني... وهما (المنتصر بالله) و(محمد أبو الحسن) كما تابع عبر الهاتف، حفل عيد ميلاد الفنان جورج سيدهم، الذي يصارع المرض منذ أكثر من عقد من الزمن، توارى خلالها عن العمل الفني والأضواء، مثلما توارى عنه الكثير من أصدقاء الوسط الفني القدامى أيام المجد والصحة والعافية.
البرنامج رفع شعار: (مرض الفنانين... زوروني في السنة مرة) وقد كان يسري الفخراني واعياً للحالة المثيرة للشفقة التي ظهر فيها بعض الفنانين وقد نال المرض من ذاكرتهم وحضورهم وقدرتهم على الكلام، فأكد أكثر من مرة أن الهدف من هذه الاستضافة هو تكريمي.. نافياً عنهم صفة الاستجداء من وراء هذا الظهور. إلا أن معظم الاتصالات التي وردت من جمهور المشاهدين، وضعت هؤلاء الفنانين في دائرة الاستجداء شاؤوا أم أبوا، فقد ركزت الاتصالات المتضامنة على ضرورة إعادة هؤلاء إلى الحياة الفنية، وإعطائهم أدواراً شرفية، تضمن بقاءهم في دائرة الضوء، وتحميهم من الحاجة والعوز المادي.
طبعاً معظم المتصلين من الجمهور العادي البسيط، تحدث بحسن نية، ولم يكن هدفه بالتأكيد إحراج هؤلاء الفنانين، أو مس كراماتهم، فالجمهور العربي يتعاطف جداً مع فنانيه حين يدخلون دائرة المرض أو العجز الذي يقعدهم عن العمل، وهو يسفح جل مشاعره الطيبة لمواساة هذا الفنان، ليس بسبب حضوره في ذاكرته وحسب، بل لأن الناس تخشى من أن ترى في تلك النهاية، مصيراً مماثلاً على صعيد العجز والشيخوخة والحاجة إلى الرعاية!
لكن شتان بين هذه المشاعر الشعبية التي رأيناها في هذا البرنامج، أو نراها في حالات مماثلة، وبين مشاعر زملاء الوسط الفني التي تنضح قلة وفاء، وقلة اكتراث بالمصائر المأساوية التي يصل إليها بعض زملائهم الفنانين في هزيع العمر الأخير!
الفنانون النجوم في الأوساط الفنية العربية أنانيون بطبعهم، تسرقهم الشهرة والأضواء من جوهرهم الإنساني، يتعاملون مع زملائهم الفنانين الذين أكلهم المرض وأقعدتهم الشيخوخة باعتبارهم موضة من زمن مضى، ويتباكون عليهم في وسائل الإعلام حين تحين ساعة رحيلهم.. وهذا أمر ينطبق على الفنانين في الوسط الفني السوري، وحالة الفنان الكبير نهاد قلعي الذي قضى مع المرض أكثر من خمسة عشر عاماً لم يكن يزوره فيها سوى قلة، خير شاهد على بشاعة العلاقات الإنسانية في الوسط الفني.. الذي لا ينظر فيه النجوم إلى نهاياتهم في مرآة مصير من سبقوهم ولو فعلوا لكنا أمام مشهد أكثر إنسانية وتحضراً!

مسلسل الصخب الإعلامي المصري!
اتهام بعض صحف جنوب أفريقيا بأن بعض لاعبي المنتخب المصري تعرضوا للسرقة أثناء وجودهم هناك في بطولة رياضية لأنهم استقبلوا في غرفهم في الفندق (بنات ليل) هو الحدث الإعلامي الكبير الذي سينشغل به الإعلام المصري لمدة أسبوعين على الأقل... مؤتمرات صحافية، وسجالات في برامج حوارية، ومانشيتات صحف، وشائعات استقالة، وتهديدات باعتزال اللعب الدولي من نجوم محبوبين... وتأكيدات عن أن أفراد المنتخب المصري شباب عال العال.. (يصلون الفجر حاضر) ولا يضيعون فرضاً من الصلوات الخمس... وغضب للشرف والسمعة!
كسوري يشكو من إعلام يقتل أي خبطة صحافية في السياسة والفن والرياضة، ويحولها إلى خبر مقتضب في ذيل النشرة وأسفل الصفحة، أو تصريح لمصدر مسؤول فضل عدم الكشف عن اسمه... لا أحسد المصريين فقط على هذه الحيوية، بل أستغرب تلك الآلية الخارقة التي تجعل أي خبر صحافي صغير في صحيفة تصدر في جنوب أفريقيا مادة لحدث إعلامي يكبر ككرة الثلج، وينقذ القارئ والمشاهد والمستمع من ضجر الأحداث الرتيبة... بانتظار معركة إعلامية أخرى لا نعرف كيف تولد!

محمد منصور

المصدر: القدس العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...