الأمية: مفارقة عربية موجعة

08-12-2006

الأمية: مفارقة عربية موجعة

المفارقة موجعة.نسبة الأميين في العالم العربي تعادل ضعف المتوسط العالمي للأمية, وعدد النساء بين الأميين العرب هو ضعف عدد الذكور. وفي عصر التكنولوجيا والمعلوماتية لا يزال عرب النفط وعرب الخدمات وعرب القواعد الاميركية, بعيدين عن مجتمع المعرفة, وغارقين في التخلف: مصر في المرتبة الاولى, يليها السودان والجزائر واليمن والمغرب, وفي المراتب الاولى من حيث نقص الأمية الامارات وقطر ثم البحرين والكويت. بعد مرور نصف قرن على انعقاد اول مؤتمر عربي كرّس إلزامية التعليم في البلدان العربية, تقول «الاليكسو» €المنظمة العربية للتربية والثقافة والتعليم€ ان المنطقة التي نحن منها تحتل بجدارة المرتبة ما قبل الاخيرة من حيث انتشار الجهل وتتساوى في هذا «الانجاز» مع افريقيا السوداء. هذا يعني باختصار ان الدول العربية, في معظمها, طورت طاقاتها في ميادين عدة, تجارية ومعمارية واستهلاكية, في حقبة ما بعد الاستقلالات, لكنها فشلت في الميدان الأهم اي خفض معدل الأمية الذي ما انفك يتزايد في البلدان ذات الكثافة السكانية العالية. وبلغة الرقم نقول ان هذا العدد كان 50 مليوناً قبل خمس وثلاثين سنة, وارتفع الى 61 مليوناً في مطلع التسعينيات, وفي العام 2000 وصل الى 66 مليوناً, وهو اليوم يتجاوز الـ70 مليوناً بينهم 17 مليوناً في مصر وحدها. «القارة العربية» تنافس هنا افريقيا شبه الصحراوية على الفقر والجهل والمرض, بعد اكثر من خمسة عقود على التحرر من الانتدابات والاحتلالات والوصايات الاجنبية. ومن الواضح ان الفقر المادي مرادف للفقر المعرفي لأن العلاقة عضوية ومباشرة بين الفقرين. تحت وطأة هذه الفضيحة لا يمكن ان نتحدث عن اي تطور او تنمية في العالم العربي. وحده التحدي التكنولوجي يشكل اليوم مقياس التقدم, والاستجابة له مستحيلة ما لم نتوصل الى القضاء على الأمية في اوساط الذكور والاناث معاً, في فاصل زمني معقول. وظواهر التطرف التي تشهدها مجتمعاتنا هي حصيلة البؤس التاريخي الذي نعيشه, اما المعرفة فهي المنطق الاساسي الى بلوغ الغايات الانسانية الكبرى المتمثلة في الحرية والعدالة والتقدم. والمعرفة بأبعادها المباشرة هي مفتاح التحديث والمعاصرة والريادة. في هذا السياق يقول تقرير «الاليكسو» الأخير «ان وضوح الاهداف والمقاصد في المجال السياسي, مرهون بقسط من المعرفة المساعدة على تصور محدد للتاريخ وللانسان, لهذا تطرح معضلة الاصلاح السياسي في مجتمعاتنا كثيراً من المشاكل المركبة والمعقدة, وتدعونا الى وضع سلم للاولويات لا يغفل عامل مواجهة الجهل الذي يبسط نفوذه على النساء والرجال, مولداً كثيراً من السلوكيات والظواهر المهددة للتوازن القائم في مجتمعاتنا. وتكشف كثير من ردود الفعل المنتشرة في مجتمعنا اليوم, التأثير الكبير الذي تمارسه الأمية على عقول شبابنا, فالتطرف والانقياد الأعمى «للشيوخ», الاموات منهم والاحياء, وتغييب العقل, وسيادة الوثوقية, كلها معطيات لا يمكن التخلص منها إلا بمزيد من نشر ألوية المعرفة في العالم العربي». في الاسبوع الماضي استوقفني مشهد الالعاب الآسيوية في الدوحة, وهو مشهد احتفالي يشارك فيه العالم كله, وأثار عندي اكثر من تساؤل. اول التساؤلات كان كيف يمكن ان يكون ربع السكان العرب جهلة ويكون العالم العربي قوياً؟ وكيف نبني اجمل الصروح الرياضية والثقافية, بأحدث التقنيات المعاصرة ونحن نختزن كل هذا التخلف؟ ثم كيف نحوّل الصحارى الى أبراج شاهقة وننسى اولوية اولوياتنا اي تحويل الانسان العربي الى انسان يعرف؟ نحن خزانات نفط عملاقة ومصارف ومستودع الكترونيات وحواسيب, لكن اطفالنا ونساءنا ورجالنا خارج حركة التاريخ. متى ننقلب على هذه المعادلة الكئيبة؟

فؤاد حبيقة

المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...