ليبيا واستحقاقات المنتصرين: النفط مقابل الحرية

21-10-2011

ليبيا واستحقاقات المنتصرين: النفط مقابل الحرية

Image
Oil

الجمل: دخلت مسيرة الصراع الليبي مرحلة جديدة، فقد نجحت قوات المعارضة الليبية المسلحة نهار الأمس في قتل الزعيم الليبي معمر القذافي داخل مدينة سرت الليبية بعد أسابيع من الحصار وفعاليات حرب الشوارع المرعبة، وقد تبارت الفضائيات عبر شاشاتها الملونة، وهي تقدم المشهد تلو الآخر لجثمان معمر القذافي، فهل حقيقة انتهى سيناريو الصراع الليبي، أم أن هذا السيناريو سوف يستمر لفترة أخرى قادمة، طالما أن مصير الجائزة الكبرى لم يتحدد بعد، وحالياً تقول التسريبات بأن الشركات النفطية الكبرى الأمريكية والفرنسية والبريطانية والإيطالية، ما تزال تنظر بقلق بالغ إزاء مصير هذه الجائزة، فمن يا ترى سوف يكون الأوفر حظاً. هل هم الفرنسيون والبريطانيون والإيطاليون. أم هم الأمريكيون الذين أمدت كل التسريبات بأنهم على موعد مع جولة صراع جديدة. من أجل الانفراد بالجائزة؟

* هدف الصراع الليبي الحقيقي: النفط.. أم الحرية؟
تحدث رموز المعارضة المسلحة الليبية كثيراً عن الحرية، مطالبين بضرورة بناء الدولة الليبرالية المدنية التعددية، وبالمقابل صمت البيت الأبيض الأمريكي، وقصر الإليزيه الفرنسي، وقصر بكنجهام البريطاني كثيراً إزاء مخزونات النفط الليبي، وفي هذا الخصوص تشير المعلومات النفطية الليبية إلى الآتي:
•    تبلغ مخزونات النفط حوالي 65 مليار برميل كحد أدنى.
•    يتميز النفط الليبي بالجودة النوعية.
•    تقع ليبيا على مرمى حجر من الأسواق الأوروبية الغربية.
وإضافة لذلك، تشير التحليلات إلى أن المزايا الاقتصادية ـ التجارية النفطية الليبية تتمثل في الآتي:
•    القيمة الجارية لمخزونات النفط الليبي الحالية تقدر كحد أدنى بقيمة 6.5 تريليون دولار.
•    تصدر ليبيا في الظروف العادية 1.8 مليون برميل، ويمكن بكل سهولة رفع الطاقة التصديرية لحوالي 10 مليون برميل في اليوم.
•    يمكن بكل سهولة نقل إمدادات النفط من الأراضي الليبية عن طريق تمديد خطوط الأنابيب عبر البحر الأبيض المتوسط إلى كل من فرنسا وإيطاليا وألمانيا. ومنها يتم نشر شبكات التوزيع إلى بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى وبالذات ألمانيا.
على خلفية فعاليات الحدث الاحتجاجي التونسي الذي أطاح بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، انطلقت فعاليات حوارية المعارضة الليبية مع أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن، وسارت الأمور بسرعة نحو صفقة النفط مقابل الحرية، وشهدنا بعد ذلك التطورات الأكثر دراماتيكية في التاريخ العربي المعاصر: أصبح زعماء الجماعة السلفية الليبية المسلحة للجهاد والقتال ومعهم عناصر القاعدة في المغرب العربي وتنظيم الجهاد المصري، يقومون بدور زعماء حركة التحرر الوطني الليبي، وأصبح قادة حلف الناتو الممثلين في رؤساء أمريكا وفرنسا وبريطانيا، يقومون بدور الداعمين للحرية وأصبح الجنرال راسموزين قائد حلف الناتو يقوم بدور المقاتل من أجل الحرية، تماماً كما كان يفعل جيفارا وكاسترو، وهوشي منه والجنرال جياب.

* سيناريو ما بعد مقتل الزعيم القذافي: صفقة النفط ـ الحرية إلى أين؟
تشير المعطيات الجارية في ملف الصراع الليبي، إلى أن مقتل الزعيم الليبي معمر القذافي، قد أدى عملياً إلى صعود المؤشرات الآتية:
•    تزايد احتمالات الخلافات السياسية بين أطراف التحالف الليبي المعارض الذي أطاح بنظام معمر القذافي، ومن أبرز الدلائل على ذلك، أن المجلس الانتقالي الليبي ظل عاجزاً تماماً طوال الأسابيع الماضية عن تشكيل الحكومة التي انتظرها الليبيين والعالم طويلاً، وذلك بسبب سيطرة الخلافات السياسية والمذهبية والقبلية على ملف تشكيل الحكومة.
•    تزايد احتمالات اشتعال المنافسات الإقصائية بين الأطراف الأوروبية، فالشركات النفطية البريطانية تريد الحصول على نصيب أكبر، في مواجهة الشركات النفطية الفرنسية الساعية من أجل تعزيز حصتها، وفي هذا الخصوص سوف يواجه الرئيس الفرنسي ساركوزي، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ضغوطاً متزايدة بواسطة اللوبيات النفطية الداخلية.
•    تزايد احتمالات اشتعال المنافسات الإقصائية الأمريكية ـ الأوروبية، وفي هذا الخصوص فقد بدت كبرى الشركات النفطية الأمريكية أكثر اهتماماً  بالضغط على الإدارة الأمريكية واتهامها بالتقصير والمسؤولية عن ضياع ثروة النفط الليبي وتركها لقمة سائغة للشركات النفطية الفرنسية والبريطانية، وحالياً تقول المعلومات بأن اللوبي النفطي الأمريكي يقوم بعمليات تنسيق واسعة النطاق مع جماعات اللوبي الإسرائيلي، بما يشدد الضغوط أكثر فأكثر على الإدارة الأمريكية والكونغرس الأمريكي وأيضاً الأجهزة الأمريكية، لجهة القيام بانتهاج الوسائل التي تدعم وضع مخزونات النفط الليبي في يد الشركات الأمريكية.
وإضافة إلى الصراع الأمريكي ـ الأوروبي، والبريطاني ـ الفرنسي حول النفط الليبي، بدأت فعاليات صراع جديدة، تتعلق بالسيطرة على ملفات مشروع إعادة تعمير ليبيا التي دمرتها غارات حلف الناتو، وبنادق ومدافع الثوار الليبيين، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
•    تحتاج ليبيا إلى إعادة إعمار شاملة، وتقول المعلومات بأن العديد من المنشآت الأوروبية الكبرى قد أعدت العدة لجهة الحصول عى حصص كبيرة في ليبيا، ولا يتعلق الأمر بمجرد إعادة بناء المنازل والبنايات والطرق والجسور. بل سوف يمتد إلى إعادة بناء كافة البنيات التحتية، إضافة إلى إعادة بناء قدرات الدولة الليبية نفسها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: إعادة بناء القوات المسلحة الليبية، وإعادة تسليحها بشكل جديد وكامل: الطائرات ـ الدبابات ـ المدرعات ـ الأسلحة الخفيفة والثقيلة ـ المنشآت ـ التدريب ـ القطع البحرية ـ الخبراء ـ الإدارات ـ منظومات الدفاع الجوي.. وهلم جراً.
•    تحتاج ليبيا إلى تغيير مذهبيتها الاقتصادية، بحيث يتم حصر الاقتصاد الليبي في مجال إنتاج وتصدير النفط والغاز، مقابل أن تعتمد ليبيا بالكامل على استيراد الغذاء والمعدات وحتى مياه الشرب والأدوية من الخارج. الأمر الذي يتيح للمنشآت التجارية الأوروبية الغربية فرض عمليات تبادل تجاري غير متكافئة مع ليبيا، بحيث تبيع هذه المنشآت لليبيا بأعلى الأسعار وتشتري النفط بأقل الأسعار.
•    القطاع المالي الليبي، سوف يشهد عملية قرصنة ونهب غير مسبوقة، وذلك لأن أموال النفط الليبي سوف يتم التعامل معها على غرار أموال النفط الخليجي، بحيث تصبح في يد المؤسسات المالية والمصرفية الغربية حصراً.
التطورات الجارية في الساحة السياسية الليبية، ما تزال تنطوي على قدر كبير من الغموض:
•    هل سيقوم المجلس الانتقالي الليبي بتشكيل الحكومة الجديدة أم لا؟ وفي هذا الخصوص تشير المعلومات إلى أن الإسلاميين الذين يسيطرون على التشكيلات العسكرية يريدونها حكومة إسلامية خالصة لوجه الله تعالى. والسياسيين المرتبطين بأمريكا وفرنسا وبريطانيا يريدونها ليبرالية علمانية مدنية، وزعماء العشائر والقبائل الليبية يريدونها قبلية عشائرية.
•    هل ستسعى أمريكا لجهة السماح لحلفائها الأوروبيين بالسيطرة على موارد الثروة الليبية البالغ قدرها 6.5 تريليون دولار أم لا؟ وفي هذا الخصوص تشير المعلومات إلى أن الأمريكيين مهتمون جداً بضرورة عدم السماح للأطراف الأوروبية بالاستحواذ على هذه الثروة، لأن ذلك معناه أن تنجح أوروبا في الخروج من الأزمة الخانقة، وتبقى أمريكا وحدها في مواجهة محرقة الأزمة الاقتصادية، وهو أمر سوف يؤدي بالضرورة إلى إضعاف أمريكا وصعود القوة الأوروبية.
تداعيات صفقة النفط مقابل الحرية سوف تمتد لفترة طويلة قادمة، وحالياً تقول بعض التحليلات بأن سيناريو اشتعال الحرب الأهلية الليبية سوف يجعل الغرب لا يحصل على النفط، ويجعل الليبيين لا يحصلون على الحرية، وتقول تحليلات أخرى بأن الأكثر احتمالاً هو أن يحصل الغرب على النفط، ويحرم الليبيين من الحصول على الحرية، طالما أنها سوف تقودهم بالضرورة لجهة القيام برفض النهب الغربي للثروة النفطية الليبية، وأياً كان شكل السيناريو فقد رحل  الزعيم معمر القذافي مقتولاً على أرض ليبيا ملتزماً بالإيفاء بالوعد الذي سبق أن قطعه على نفسه عندما قال: أنا لست حسني مبارك لكي أتنحى ولست زين العابدين بن علي لكي أغادر ليبيا، بل أنا معمر القذافي  قائد ثورة الفاتح من سبتمبر، سوف أقاتل حتى آخر طلقة، وحتى آخر قطرة من دمي، وبالأمس أكدت صور الفضائيات التلفزيونية وهي تنقل جثمان القذافي المسجى المغمض العينين بأن البدوي الليبي معمر القذافي قد فعلها، غير منقوصة وكاملة الدسم.

الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...