الأعضاء البشرية التبرع مشروط والاتجار بها خط أحمر

21-04-2010

الأعضاء البشرية التبرع مشروط والاتجار بها خط أحمر

د. الأحمد:لا جريمة منظمة والمرسوم رقم 3 وقائي... مفتي الجمهورية:نؤيد الانتفاع بالأعضاء عند الضرورة...الأب التلي:لا يتعارض مع الأخلاق والدين...عريضة:التشريعات تمنع البيع...أسعد:مركز الزرع

رغم ما تسعى إليه الدولة لتوفير متطلبات العناية بمرضى الفشل الكلوي من خلال تأمين عملية الغسل المجاني وإمكانية إجراء عملية الزراعة أيضاً مجاناً في مشافي الدولة المتخصصة والمتميزة، وتأمين الدواء للمريض مدى الحياة، لكنها في الوقت نفسه تقف عاجزة عن توفير الكلية المطلوب زراعتها لتصبح هذه مهمة المريض.‏‏

وهنا تحدث التجارة في كثير من الأحيان، وهي تبدأ غالباً بإعلان ينشر في الصحف عن الحاجة لمتبرع، لتبدأ الاتصالات التي تعرض المطلوب، بعد التحقق والتثبت والحفاظ على السرية التامة، وبعض المساومات التي تصل بالمبلغ المطلوب لما يفوق الـ750 ألف ليرة سورية للمتبرع (البائع) والوسيط والطبيب المعالج، مع إمكانية زيادة السعر حسب الحاجة والسرعة وزمرة الدم المطلوبة، حيث يرتفع سعر العضو كلما كان من زمرة نادرة مثل (ــــO+ O).‏‏

من هنا برزت ظاهرة الاتجار بالأعضاء البشرية، حيث تحولت القضية من نقل للأعضاء عن طريق التبرع، إلى تجارة غير قانونية لها بواعثها وأصولها وممارساتها.‏‏

موضوع الاتجار بالأعضاء البشرية، وعلى الرغم من أن سورية لا تشكل بلداً نشأ فيه هذا النوع من الجرائم، إلا أن المشرع السوري وبطريقة وقائية، عمل على إيجاد الأرضية التشريعية المناسبة التي من شأنها أن تجرم مثل هذه الأفعال بعقوبات قاسية.‏‏

- ولأن هناك مبدءاً قانونياً مهماً هو «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص» وتحسباً لأي نوع من الجرائم التي قد تقع مستقبلاً، فإن المشرع قد تصدى لهذا الأمر مسبقاً، فكان المرسوم التشريعي رقم 3 لعام 2010، ليتضمن قانوناً متميزاً، هو قانون مكافحة الاتجار بالأشخاص لمواكبة التطورات العالمية التي حدثت في هذا المجال وعلى النحو الذي من شأنه أن يعزز حقوق الإنسان وحرياته العامة في ظل عالم أصبحت تتنامى فيه الجريمة اليوم.‏‏

- اهتم المرسوم التشريعي رقم 3 بضحايا الاتجار بالأشخاص وخصوصاً الأطفال والنساء، وأعطى دوراً للمنظمات الحكومية الجمعيات والمؤسسات الأهلية وما هو بحكمها من التنظيمات الاجتماعية والإنسانية المرخصة أصولاً، كما أولى عناية خاصة لذوي الاحتياجات الخاصة وهم المعوقون ومن في حكمهم من ذوي الحاجات. إضافة إلى إحداث إدارة متخصصة بمكافحة الاتجار بالأشخاص في وزارة الداخلية، وأوجدت دور رعاية لضحايا الاتجار بالأشخاص لدى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وشكلت لجنة تضم جهات ثلاث، وزارة العدل والشؤون والداخلية.‏‏

كما حرم الاستخدام الجنسي للأطفال بأي شكل من أشكال الممارسة أو الإباحية، ويتعرض لعقوبة الحبس من 6 أشهر إلى سنتين كل من يعلم بارتكاب الجريمة ولا يبلغ عنها السلطات المعنية.‏‏

- ولم تكن وزارة الصحة بمنأى عن الاهتمام بشأن زراعة الأعضاء وتنظيم العمل بها، فقد جاء في القرار رقم 7616 مادة 1-أ التي تقضي بتشكيل مركز وطني سوري لزرع الأعضاء، ليكون هو السلطة المختصة برسم الخطط اللازمة لإجراء عمليات زرع الأعضاء في سورية، ومن مهامه إعداد السجل الوطني لمرضى القصور العضوي الانتهائي وللمتبرعين بالأعضاء وقوائم الانتظار لمرضى القصور العضوي في القطر، وذلك لكل نوع من أنواع الزرع (كلية، كبد...) والتنسيق والمتابعة لجميع حالات موت الدماغ المشخصة في المراكز المعتمدة من قبل وزارة الصحة لاستئصال الأعضاء من المتوفين دماغياً، وتوزيعها على مراكز زراعة الأعضاء حسب التعليمات والقواعد الناظمة، وشكلت من أجل ذلك لجان خاصة لإعطاء الموافقات الفنية للمتبرعين.‏‏

- أقر القانون رقم 30 الصادر عن رئيس الجمهورية وفي المادة 3 منه، أنه يجوز نقل الأعضاء أو الأحشاء أو جزء منها من ميت بغية حفظها أو غرسها لمريض بحاجة إليها وذلك في إحدى الحالتين:‏‏

- وصية المتوفى الخطية بإجراء ذلك، أو الموافقة الخطية لأحد أفراد أسرة المتوفى، شرط ألا يؤدي نقل الأعضاء إلى حدوث ما يسيء لكرامة جثة المتوفى.‏‏

ويعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة وبالغرامة من خمسين ألف إلى مئة ألف ليرة سورية كل من يقوم بالاتجار بنقل الأعضاء.‏‏

وعن أهمية المركز الوطني لزراعة الأعضاء تقول د. لينا أسعد، اختصاص تشريح مرضي: إن المركز أسس بإيعاز من وزير الصحة لتجربته الكبيرة في بنك العيون ونقل القرنية، وسيكون إلى جانب مهامه إحداث سجل وطني للمتبرعين وللآخذين، جانب توعوي تثقيفي، تعليمي، مع تهيئة الكوادر وتحديد الأماكن القادرة على زرع الأعضاء، وسيكون الاعتماد على الكوادر الموجودة في بلدنا، والتي لها خبرة وباع في هذا الشأن، ومن المهم أن نذكر أنه سيتم متابعة المتبرع والآخذ لمعرفة الوضع الصحي للطرفين معاً ومتابعة أي طارئ يمكن أن يستجد لديهما.‏‏

لكن هناك نقطة يجب التوقف عندها، وهي النقص في عدد الأعضاء وزيادة عدد المرضى، وبالتالي من المهم تفعيل مصادر أخرى للتبرع من أهمها (الموت الدماغي) والآخذ من المتوفين.‏‏

وتضيف د. أسعد نحن بصدد إنشاء آلية لتعويض المتبرع، تكون بعيدة قدر الإمكان عن السماسرة وذلك بمساعدة الدولة والمجتمع الأهلي من أجل ذلك، وتعميم ثقافة التبرع، وستكون هناك طريقة أكاديمية ومنهجية للتبرع بالأعضاء، إذاً المشروع وطني ومهم بامتياز، وللأطراف جميعاً.‏‏

د. أحمد بدر حسون المفتي العام للجمهورية، أيد الانتفاع بالأعضاء ما دامت الاستفادة دعت إليها ضرورة المستفيد لاستبقاء أصل الحياة، دون إلحاق ضرر بالمتبرع أما بعد وفاته فيجوز إذا أذن الميت بذلك قبل موته أو أذن ورثته، كل ذلك مشروط بألا يتم بواسطة البيع، فأعضاء الجسم ليست محلاً لعقود المعاوضات، أما إذا بذل المستفيد مالاً على سبيل الهبة والتبرع أو مكافأة وتكريماً ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة فلا بأس، وهذا لا ينطبق على دفع المال للعمل الطبي والتحضيرات في المشفى.‏‏

ماذا يحدث في حال مخالفة شروط النقل والغرس من ميت إلى حي تقول الأستاذ المحامية عبير طاهر عريضة: يحدث أحياناً ما يطلق عليه جريمة التشريح، التي تتم دون موافقة ذوي الشأن وأكثر ما يرتكب هذه الجريمة طلاب الكليات الطبية، فنصت المادة 466 من قانون العقوبات العام «يعاقب بالغرامة من مئة إلى مئتين وخمسين ليرة وبالحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين من أقدم لغرض علمي أو تعليمي ودون موافقة من له الحق على أخذ جثة أو تشريحها أو على استعمالها بأي وجه آخر».‏‏

وهنا جريمة انتهاك حرمة الموتى وحسب نص المادة 465 من قانون العقوبات العام فقد نصت على أن من سرق أو أتلف جثة كلها أو بعضها عوقب بالحبس من شهر إلى سنة وإذا حصلت السرقة بقصد إخفاء الموت أو الولادة فمن شهرين إلى سنة.‏‏

وأضافت عريضة لتقول لم تسمح التشريعات ببيع الأعضاء البشرية والدماء الإنسانية، لأن في ذلك مفاسد ومخاطر جسيمة، فالضحية الأولى هم الفقراء والمحتاجون، لأنهم سيجدون في بيع أعضائهم وجزء من دمائهم وسيلة لحل مشكلاتهم المادية، وهذا ما نراه في العديد من الدول الإفريقية، حيث تتجمع أعداد من الفقراء يعرضون أعضاءهم للبيع على سماسرة لديهم قوائم بالأغنياء ويعرضون أسعاراً متفاوتة.‏‏

انتشرت هذه الظاهرة بعد ظهور ما يسمى ببنوك الأعضاء، وقد آلم هذا الوضع الكثير من الأطباء الذين رفضوا هذا المبدأ وهذه التجارة وأسموها «التجارة القذرة».‏‏

وتضيف المحامية عبير: أولى المآسي هي إهدار كرامة الإنسان وامتهان آدميته وتحويله إلى سلعة قابلة للمزايدة، أضف إلى ذلك الوفيات الكثيرة لحالات عديدة، وإصابات بأمراض خطيرة وخصوصاً فيما يتعلق بزرع الكلى في البلاد التي تعاني اقتصادياً.‏‏

وتكوين شركات أو جماعات من الوسطاء تقوم بابتزاز الشخص الذي يبيع أحد أعضائه والآخر الذي يشتريه هذا جانب أما الجانب الأكثر خطورة، فهو ظهور عصابات عالمية للتجارة بالأعضاء البشرية تقوم بأعمال القتل والسطو والتهديد وتستخدم الأطفال المعوقين والقصّر والمصابين بتخلف عقلي كمصدر لسلب الأعضاء وأكبر دليل ما يفعله العدو الصهيوني، حيث يقوم بسرقة أعضاء الفلسطينيين بعد الحكم عليهم بالإعدام، ومن ثم إلقاء القبض على عصابة أميركية إسرائيلية تقوم بسرقة أعضاء البشر في هايتي بعد كارثة الزلزال التي حصلت هناك.‏‏

تقول الفقرة السابعة (ب) من القانون رقم 30 لعام 2003: «يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة وبالغرامة من خمسين ألفاً إلى مئة ألف ليرة سورية كل من يقوم بالاتجار بنقل الأعضاء»، وفي الفقرة (أ) «يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبالغرامة من خمسة آلاف إلى عشرة آلاف ليرة سورية كل من يخالف أحكام هذا القانون».‏‏

وتتمنى المحامية عريضة أن تكون العقوبات أشد وأقسى لتكون رادعة لكل من تسول له نفسه القيام بهذا العمل الإجرامي، ولكل من يخالف شروط عملية النقل والغرس بحالاتها جميعاً.‏‏

يقول الأب يوحنا التلي بهذا الشأن أيضاً: إن أعضاء الإنسان هي شيء يخصه لذاته، وليس لمن يشاء ولمن يريد، وقد ورد في الكتاب المقدس: (ألستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل الروح القدسي الذي منكم، الذي هو من الله وأنكم لستم لأنفسكم فمجدوا الله في أجسادكم).‏‏

ويضيف الأب التلي إنه يحق للإنسان أن يقدم عضواً بشرياً بملء حريته بصورة هبة وتبرع، فالعطاء هو أفضل من الأخذ والإنسان المعطي هو إنسان يحب ويشعر مع الآخر، وهذا لا يتعارض مع الأخلاق والدين لدرجة أن بطريركية الروم الأرثوذكس سمحت من الناحية القانونية أن يكون هنالك مثل هذا العطاء الحر.‏‏

ويؤكد د. أحمد خليفاوي مدير بنك العيون، على أهمية نشر ثقافة التبرع، على الأصعدة جميعها، لإيصال الفكرة إلى الشرائح المختلفة، عن طريق المدارس والجامعات وتوضيح أهمية التبرع سواء من الناحية الإنسانية أم العلمية أم الشرعية إضافة إلى استثمار المراكز الثقافية في نشر هذه الثقافة ولا يمكن تجاهل دور رجال الدين عن طريق الخطب والعظات.‏‏

وبدوره د. ثائر حيدر مدرس الطب النفسي في كلية الطب بجامعة دمشق قال: إن الحديث عن التبرع بالأعضاء ما زال دون المستوى المطلوب نظراً للجهل التام بتفاصيله وغياب هكذا موضوع، في حين أن الكثير من الدول تشجع مواطنيها على التبرع بأعضائهم بعد مماتهم، ما يتيح للشباب المصابين بأمراض مميتة فرصة حياة جديدة.‏‏

وما يهمنا من ناحية الطب النفسي بالنسبة للتبرع بالأعضاء أمران أساسيان:‏‏

الأول والأهم هو أن يكون الشخص الذي سيعطي أحد أعضائه وهو لا يزال على قيد الحياة سليماً معافى تماماً من الناحية النفسية وعارفاً بما سيقوم به، ومن هنا جاءت ضرورة وإلزامية إجراء استشارة نفسية لكل من يريد التبرع بكليته، فالمصاب بتخلف عقلي أو مرض ذهاني كالفصام أو الاكتئاب الشديد أو الهوس، يكون ناقص الأهلية من ناحية المحاكمة العقلية المنطقية أو البصيرة، ولا يفهم ببساطة معنى إعطاء أحد أعضائه لشخص آخر وبالتالي نرفض في هذه الحالات إعطاء موافقة نفسية للعمل الجراحي.‏‏

والأمر الثاني أن الشخص المستقبل للعضو المزروع، قد يصاب ببعض الاضطرابات النفسية كالاكتئاب أو القلق أو أعراض ذهانية لديه، أو مشاعر من الذنب أن حياته كانت على حساب شخص آخر، آخذ العضو من جسمه أو إنكار للعضو المزروع واعتباره غير منتم لجسده وغيرها.. ويساهم في إحداث هذه الأعراض النفسية أحياناً إعطاء مثبطات المناعة بعد الجراحة (حتى لا يرفض الجسد العضو المزروع) ولفترات طويلة.‏‏

ونفى د. نجم معاون وزير العدل وجود جريمة منظمة في سورية، مؤكداً أننا بلد عبور بالنسبة لجرائم الاتجار بالأشخاص ولكن مع ذلك اتخذنا كل الاحتياطات اللازمة للوقاية من هذه الجريمة في حال وقوعها، وكل من يعلم بواقعة من هذا القبيل عليه أن يخبر بها السلطات المختصة مباشرة وإلا عرض نفسه للمساءلة القانونية، وحقيقة إننا لا نستطيع أن نبني الأمور على مجرد تصورات أو فرضيات أو اشاعات أو كلمة تقال هنا وهناك.‏‏

محمد عكروش وفاتن دعبول

المصدر: الثورة
 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...