كيـف نخـوض حـرب الأفكـار علـى شبكـة الإنترنـت؟

21-01-2009

كيـف نخـوض حـرب الأفكـار علـى شبكـة الإنترنـت؟

شهدت أيام الحرب الإسرائيلية حركة نشطة للدعوة إلى التضامن مع أهل غزة وكشف جرائم الصهيونية، وإحدى أهم أدوات هذه الحركة كانت شبكة الانترنت. تم إرسال عدد كبير من الرسائل عبر البريد الالكتروني، يعرض معظمها لعدد من صور العدوان الإسرائيلي مرفقة مع رجاء بتمرير الرسالة إلى أكبر عدد ممكن من مستخدمي الشبكة. هذا النوع من الترويج الإعلامي يجتذب عادة شعوب البلدان العربية والإسلامية، أولئك الذين لا يحتاجون إلى كثير من النقاشات الأيدلوجية للحديث عن إرهاب الدولة الذي تمارسه »إسرائيل«، وبالتالي تبدو مهمة فضح إرهاب إسرائيل مسلما بها بين الجمهور العربي، لكن التحدي يكمن في اقناع الآخر الغربي بوجهة النظر العربية. من الصور الساخرة التي أعيد تداولها أثناء العدوان على غزة.
سرعان ما يكتشف المتتبع لمضمون الرسائل الالكترونية بأنها كثيراً ما تتبع رؤية قائمة على الأيدلوجية وليس على وقائع العالم وفهمه، وإذا ما عرفنا أن شبكة الانترنت متاحة أمام كل شخص ليقدم وجهة نظره في أي موضوع من المواضيع، وأنه لا يمكن أن تكون كل وجهات النظر صحيحة، فهل سألنا أنفسنا ما هي الأسباب التي نقدمها نحن وتجعل وجهة نظرنا الأكثر إقناعاً بصحتها لمستخدمي الشبكة حول العالم؟
حتى الساعة، لا يبدو أننا نأخذ الأمر على محمل الجد، وربما لا نعي فك رموزه كاملة، وهذا ما يبدو على الأقل في مضمون الرسائل الالكترونية التي تصلنا في هذا السياق، رغم أنها رسائل تستحق تقدير أصحابها. من بين الرسائل الممررة الكترونياً، يتوقف المرء عند واحدة تحت عنوان »مشروع مترجم بلغات العالم لكي يدرك العالم الخارجي معاناة أهل غزة«، بدا المشروع، في الشكل، الأقرب إلى فهم طريقة العالم الغربي في التعاطي، إذ تضمنت الرسالة، بالإضافة إلى صور الموت العبثي والدمار في غزة، تعليقات بأكثر من لغة عالمية، قال مرسلوها إنها »منتقاه لتكون متوافقة مع جميع الثقافات«، أما مقدمة الرسالة المترجمة فجاءت كالتالي: »عزيزي، هذه صور للهجوم الذي يقوم به الجيش الإسرائيلي على المدنيين في غزة، شاهدت الصور وأزعجتني جدا لما فيها من إهانه لحقوق الإنسان من قتل وتعذيب للأطفال والمدنيين و لم أكن أعلم أن الأمور تسير في غزة بهذه الصورة، فأرسلتها لك لتعرف أنت أيضا ما يحدث«. أبدت مقدمة الرسالة على هذه النحو تفهماً لمرجعيات القارئ الثقافية المتعددة، فاختارت مفرداتها الإنسانية دون أن تبدي موقفاً مسبقاً من العدو الصهيوني، وكأنها تريد أن تقول للقارئ تعال لنرى معاً وننتهي معاً إلى موقف مما يحدث، وهذا نضوج في مضمون الرسالة الالكترونية السابقة.
إلا أن معدي الرسالة انتهوا إلى خلاف ذلك، فلم يتركوا للقارئ أن يقرر وجهة نظره بل قرروا عنه عندما ذيلوا رسالتهم بخطوات عملية بدت كما لو أنها صدى لرأي مسبق. الرسالة التي غلب عليها الصور وقعت في خطأ ثان فادح، حين تضمنت صورة لصبي مبتورة رجله، يعرف المتابع انها قديمة ومأخوذة في العراق وليس في غزة.. فوجود صورة قديمة من شأنه أن يحيل كل الصور إلى شبهة »الفبركة« وهو الأمر الذي سيجهض شيئاً ثميناً من أهداف الرسالة.
لنعد ترتيب الأوراق مجدداً: مع تقديرنا لأهمية الرسالة السابقة وكل ما يشبهها، علينا الانتباه إلى أنه لنخوض حرب الأفكار هذه على شبكة الانترنت بشكل فعال، علينا أن نمتلك قدرة أكبر على البقاء مع متصفح الانترنت، والحفاظ على مصداقيتنا، وهو الأمر الذي يتطلب أن نكون أكثر فهماً لطبيعته، ولعدم ترك ثغرات فيها يسهل النفاذ منها إلى اتهامات جاهزة.
في قراءة موضوعية لما تبثه فضائيات العالم يوميا من صور لآثار الدمار الذي تخلفه آلة الحرب الإسرائيلية، ولا سيما صور الضحايا المدنيين، ستفقد صور ضحايا الحرب جزءاً من زخم تأثيرها، فتداول الصور هو مجرد إعادة إنتاج لصور نراها على شاشة الفضائيات، وبالتالي صار من المجدي أن نبحث عن أدوات جديدة لحرب الأفكار التي نخوضها مع العدو، وتمرير الرسائل هذه ليس أضعف الإيمان الذي نمارسه على شبكة الانترنت فحسب، بل هو أقله فعالية أيضاً. ربما تبدأ بداية الحل مع التفكير بكيفية تسخير التكنولوجيا التي تتيحها شبكة الانترنت، والتي تضع أمامنا كثيراً من الخيارات التي لا تحتاج إلا لقليل من الحنكة والكثير من التنظيم لتحقيق الهدف، ولعل أبسط مثال، وبالطبع هو نموذج وليس الحل الوحيد على الاطلاق، يكمن في تصميم ألعاب الكترونية تنقل صورة عن حياة الفلسطينيين الحقيقية وأسباب قتالهم.. ويكفي أن نذكر أن كل الدراسات التي أجريت على أشخاص يقضون وقتاً طويلاً في اللعب على شاشة الكومبيوتر، ترى بأن هذه الألعاب »أصبحت جزءاً من العالم الذي يعيشون فيه فمصير شخصياتهم بات متصلا اتصالا عاطفيا بمصيرهم الخاص ككائنات بشرية«.. وفي ذلك مثال على قدرة التكنولوجيا على تجييش الناس وإقناعهم بعدالة قضيتنا دون الدخول بجدل أيدلوجيا وثقلها.
وعندما نبدأ بمشروع يوحّد المجموعات على »فايس بوك« وغيرها من المواقع، ويقوم بتنسيق المواقف وتأسيس قوى ضغط وغيرها من الخطوات، فسنكون قد بدأنا العمل على السكة الصحيحة فعلاً.

ماهر منصور

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...