سوريه... ليست حربا أهليه و لم تكن

09-01-2016

سوريه... ليست حربا أهليه و لم تكن

الجمل ـ * أولسون غانار ـ ترجمة رنده القاسم:
المقاتلون أجانب و الأسلحة أجنبية و  الأجنده أجنبية...و مع قتال القوات السورية من أجل السيطرة ثانية على بلدهم واستعادة النظام ضمن حدودها، تستمر كذبة "الحرب الأهلية السورية"...
بلا شك هناك سوريون يعارضون الحكومة  السورية، بل و حتى سوريون حملوا السلاح ضد الحكومة و بالتالي ضد الشعب السوري..و لكن منذ البداية (بل في الحقيقة قبل البداية) كانت هذه الحرب تقاد من الخارج. و تسميتها ب "حرب أهلية" أمر مغلوط تماما كوصف أولئك الذين يرفعون السلاح "معارضة".. إنها ليست "حربا أهلية" ، و أولئك الذين يقاتلون الحكومة السورية ليسوا "معارضة"...
و أولئك الذين يسمونها حربا أهلية و يسمون الإرهابيين الذين يقاتلون الدولة السورية "معارضة" يأملون بأن جمهورهم لن يطوف بعيدا عن كذبهم بحثا عن المعنى الكامل لهذا الصراع.
متى بدأ كل هذا؟ انه السؤال المشروع... لقد شهدت الحرب الباردة صراعا متأرجحا بين الشرق و الغرب، بين الولايات المتحدة و أوروبا (الناتو) و بين الاتحاد السوفييتي و الصين النامية. و لكن الحرب الباردة ذاتها كانت ببساطة استمرارا لصراع جيوسياسي استمر لقرون بين عدة مراكز قوى على الأرض. و كانت المراكز الرئيسية تضم في أوروبا باريس و لندن و برلين و بالطبع موسكو، و في القرنين الماضيين واشنطن...و في هذا السياق، يمكن أن نرى أن ما يصور على أنه صراع محلي ينطبق على شكل صراع جيوسياسي أكبر بكثير بين هذه المراكز الرئيسية ذات المصالح الخاصة . و الصراع السوري لا يختلف عن ذلك.
حافظت سورية على روابط قوية مع الإتحاد السوفييتي طوال الحرب الباردة. و حتى مع سقوط الإتحاد السوفييتي بقيت سورية مرتبطة بروسيا. إنها تستخدم أسلحة و تكتيكات روسية . و تملك روابط اقتصادية و إستراتيجية و سياسية مع روسيا و تتبادلان مصالح مشتركة بما فيها انتشار نظام عالمي متعدد الأقطاب يؤكد على أولوية السيادة الوطنية.
و لهذا السبب منذ عقود و مراكز القوى الغربية تسعى إلى جر سورية خارج هذا المدار (إلى جانب دول أخرى كثيرة). و مع سقوط الإمبراطورية العثمانية، وقع الشرق الأوسط الممزق تحت سيطرة أوروبا الاستعمارية قبل أن تكتسحه  الانتفاضات الوطنية الساعية إلى الاستقلال..و أولئك الذين كانوا يتوقون إلى قطع الروابط الاستعمارية سعوا وراء دعم الإتحاد السوفييتي، بينما سعى التواقون للوصول إلى السلطة بأي ثمن وراء الدعم الغربي.
صراع 2011 لم يكن سوريا في البداية ... الأخوان المسلمون، من خلقتهم و زرعتهم الإمبراطورية البريطانية منذ سقوط العثمانيين ، لاقوا الدعم أواخر السبعينات و بداية الثمانينات في محاولة فاشلة لإسقاط الرئيس السوري حافظ الأسد ، والد الرئيس الحالي بشار الأسد...و المقاتلون المسلحون الذين شاركوا في الصراع تبعثروا نتيجة إجراءات صارمة اتخذت على أثره، مع قيام أعضاء كثر من الأخوان المسلمين بتشكيل مبادرة سعودية أميركية جديدة اسمها القاعدة. و منذ ذلك الحين  حتى يومنا هذا عمل كل من الأخوان المسلمين و القاعدة على عرقلة مصير الشرق الأوسط المستقل .
و في هذا السياق ، نرى بوضوح أن الصراع السوري الأحدث جزء من صراع أكبر و هو ليس بأي شكل حربا أهلية خلقت من الفراغ و تم رسم  المصالح الخارجية بعد بدايتها فقط .. فالأخوان المسلمون و القاعدة كانوا موجودين و يتحملون المسؤولية منذ دخول العالم عام 2011. و مع نهاية 2011  قامت جبهة النصرة (فرع القاعدة السورية) على امتداد البلاد بعمليات على مستوى يقزم ما يسمى المجموعات المتمردة، و لم يكونوا ناجحين بسبب المصادر و الدعم اللذين لاقوهما ضمن الحدود السورية، بل بسبب المصادر و الدعم الهائلين المتدفقين من خارجها...
و علنا قامت السعودية بتمويل و تسليح و توفير الدعم السياسي للكثير من الميليشيات العاملة في سوريه منذ البداية... و في الواقع، مؤخرا كان الكثير من هذه الجماعات، بما فيها حلفاء للقاعدة ذاتها، حاضرين في الرياض لكي يناقشوا مع راعيهم السعودي مستقبل مغامرتهم المشتركة.
إلى جانب النصرة  توجد الدولة الإسلامية ، و قد صورت من قبل الإعلام الغربي ،كحال الصراع السوري نفسه، على أنها  خلقت من فراغ. و تم إخفاء مصدر قوتها العسكرية و السياسية من قبل المجتمع الاستخباراتي الغربي الذي كان يعلم المصدر بطريقة أو بأخرى... بدأت تظهر الإشارات مع زيادة روسيا لتدخلها في الصراع، و عندما بدأت الطائرات الحربية الروسية ضرب القوات العسكرية المتحركة من و إلى الأراضي التركية، و المتعلقة بالدولة الإسلامية، تم حل اللغز أخيرا. فالدولة الإسلامية، مثل كل الميليشيات الأخرى العاملة في سوريه، كانت المتلقية لمخزون وافر لا ينتهي من الأسلحة و المعدات و المال و المقاتلين المتسللين من كل أنحاء العالم.
الصراع السوري كان وليد منظمات خلقت على يد مراكز المصالح الأجنبية قبل عقود و التي لم تكن تقاتل لأجل مستقبل الشعب السوري ، و لكن من أجل سوريه التي تتناسب مع  النظام الخارجي العالمي الذي خلق هذه المنظمات. و قد تمت تغذية الصراع بسيل من الأسلحة و المال و الدعم بل و حتى المقاتلين الذين لم يخرجوا من بين الشعب السوري، و لكن من كل مراكز هذه المصالح الأجنبية الخاصة في الرياض و أنقره و لندن و باريس و بروكسل و واشنطن..
إذا كان الصراع السوري قد خلق على يد المصالح الأجنبية التي تدعم مجموعات مقاتلة كانت تستخدمها منذ عقود كأداة لتنفيذ سياسة خارجية(داخل و خارج سوريه) أدت إلى ما هو بشكل جوهري غزو بالوكالة، لا حرب أهلية، فكيف إذن يمكن التوصل إلى تسوية؟ الى من يجب أن تتحدث الحكومة السورية من أجل التوصل إلى هذه التسوية؟هل عليها التحدث إلى  مسؤولي النصرة و الجبهة الإسلامية الذين يسطرون بوضوح على الميليشيات التي تحارب بدمشق؟ أم أن عليها التحدث إلى أولئك الذين يشكلون العنصر الأساسي في إدامة هذا الصراع، الرياض و أنقره و لندن و باريس و بروكسل و واشنطن، و كلهم متورطين في دعم حتى أكثر المجموعات المقاتلة تطرفا؟
إذا وجدت دمشق نفسها تتحدث مع القادة السياسيين في تلك العواصم الأجنبية، هل سيكون هذا تسوية ل "حرب أهلية" أم  لحرب تخوضها ضد هذه القوى الأجنبية؟ على المسرح العالمي ، من الواضح أن هذه العواصم الأجنبية تتحدث بالكامل لصالح الميليشيات ، و ليس من المفاجئ أن هذه الميليشيات تريد بالضبط ما تريده هذه العواصم الأجنبية.
و الحديث بصدق عن نوع الصراع الذي تخوضه سوريه هو أول خطوة نحو إيجاد  حل حقيقي لإنهائه.و يستمر الغرب بالتأكيد على أنه "حرب أهلية" ما يسمح له بالاستمرار في محاولة التأثير على نتائج هذا الصراع و الوضع السياسي الذي ستكون عليه سوريه بعد انتهائه. و بالإعلان أن الحكومة السورية قد خسرت كل شرعيتها، يقوم الغرب على تقوية ساعده في هذا السياق.
محاولات تجريد الحكومة من شرعيتها ،بناء على  حقيقة أنها تقف في وجه مجموعات مسلحة حشدت ضدها من قبل محور المصالح الأجنبية ، تشكل سابقة خطيرة جدا و غير مقبولة. و من غير المفاجئ  أن سوريه وجدت نفسها مع عدد متزايد من الحلفاء في هذا الصراع مع إدراك الدول الأخرى أنها ستكون التالية في حال نجاح "النموذج السوري".
الاعتراف بأن الصراع السوري الحالي نتيجة لاعتداء أجنبي ضد دمشق سيجعل الحل سهلا جدا، و الحل سيكمن في السماح لدمشق باستعادة النظام ضمن حدودها بينما تتخذ إجراءات إما في الأمم المتحدة أو أرض المعركة ضد تلك الدول التي دعمت العنف المستهدف سوريه . ربما وضوح هذا الحل هو السبب في محاولات أولئك الذين يقفون وراء هذا الصراع لتصويره على أنه حرب أهلية.
بالنسبة لأولئك الذين يحاولون الإيحاء بحرب أهلية سوريه منذ عام 2011  دون أن يحالفهم الحظ ، الشرح بسيط، هي ليست حربا أهلية و ما كانت أبدا. و فهمها على أنها صراع بالوكالة منذ البداية( بل و حتى قبل البداية) سيمنح المرء وضوحا في الرؤية يساعده بشكل لا حد له على فهم كم هي واضحة الحلول، و لكن هذا لن يحدث إلا حين التوصل لهذا الفهم...

* كاتب و محلل جيوسياسي  مقيم في نيويورك

عن مجلة New Eastern Outlook الإلكترونية

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...