مطار دير الزور: المشهد السوري على حقيقته

11-12-2014

مطار دير الزور: المشهد السوري على حقيقته

الجمل ـ محمد صالح الفتيح: تُركز روايات المعارضين المهللين لمعركة مطار دير الزور على أن هذا المطار كان السبب في مقتل ألوف المدنيين (أطلق هذه الرواية بسام جعارة الذي قال إن المطار قتل 5000 ديري قبل أن يزايد عليه موسى العمر ويقول إنه قتل 10000 ديري) وأن المطار تنحصر مهمته في استقبال الذخائر والعتاد لصالح الجيش ومن مدرجاته تقلع الطائرات لتقصف دير الزور والرقة والحسكة وشرقي حلب، على ذمة موسى العمر.
ما تغافل عن ذكره هؤلاء المعارضون، ومنهم بعض أبناء مدينة دير الزور نفسها، هو أن دير الزور تتعرض لحصار خانق منذ العاشر من تشرين الثاني 2013 (أي لثلاثة عشر شهراً اليوم). وقد فرض ذلك الحصار في البداية بعض الفصائل الإسلامية المختلفة قبل أن تأتي داعش وتحل محلهم في متابعة الحصار. ومنذ ذلك التاريخ وطريق دير الزور دمشق مقطوع في أكثر من نقطة بواسطة حواجز المسلحين ولا يسمح للحافلات باستخدام الطريق إلا ضمن قيود ومضايقات كثيرة منها سفر المرأة مع محرم وعدم السماح بنقل المواد الغذائية إلى داخل المدينة، إضافة إلى مصادرة الشاحنات التي تنقل المواد الغذائية حتى لو كانت شاحنات تابعة للمنظمات الإغاثية. وقد مرت فترات وصل فيها تعسف قطاع الطريق إلى منع المسافرين من استخدام طريق دمشق بالكامل مما أجبر المدنيين المضطرين للسفر إلى استخدام طريق صحراوي طويل، يخرج من المدينة إلى الشرق إلى قرب الحدود السورية العراقية قبل أن يعود ويلتف غرباً إلى دمشق عبر الصحراء، ليصبح زمن الرحلة، التي كانت يوماً ما تستغرق خمس ساعات، ما بين 22 إلى 28 ساعة (وهذا الرقم دقيق لا مبالغة فيه).
ولعل الجزء الذي لن يمحى من ذاكرة الديريين هو عندما قام محاصروهم بمنع دخول الدقيق والخبز إليهم في نهاية العام الماضي. حتى أن من أحكموا الحصار على المدينة وسيطروا على المعابر النهرية دأبوا على مصادرة الخبز والحليب من العابرين ورميهم في نهر الفرات (وهذه رواية دقيقة لا مبالغة فيها ولا استدرار للعواطف فيها وبوسعكم التأكد منها). بقيت دير الزور يومها لحوالي العشرة أيام محرومةً بالكامل من واردات الدقيق، وناوب الأهالي أمام المخبز الاحتياطي الوحيد الباقي، وبعضهم افترش الأرض على بابه ونام في ذلك الشتاء في انتظار أن يحصل على حصته من الخبز. ما الذي أنقذ المدينة في النهاية؟ أنقذها قيام الجيش بنقل مطحنة قمح كبيرة باستطاعة 25 طن يومياً بواسطة الطائرة العسكرية العملاقة، إليوشن-76 (في دير الزور مستودعات قمح ولكن لا توجد مطحنة فيها).
خلال الأشهر الثلاثة عشر الماضية كان مطار دير الزور هو المنفذ الوحيد لتأمين المواد الطبية للمشفيين الباقيين في الجزء الآمن من المدينة. وللعلم، حتى اليوم وخلال هجوم داعش على مطار دير الزور، هبطت طائرة إليوشن في الرابع من هذا الشهر كانت مخصصة لنقل أجهزة طبية لصالح مديرية الصحة وبضمنها أدوية ومعدات مختلفة. وإلى هذه اللحظة، يستمر هبوط هذه الطائرات بشكل يومي، وكل طائرة عسكرية تهبط في المطار تحتوي، إلى جانب المواد العسكرية، مواداً مختلفة لصالح المدنيين. أيّ مطار عسكري يتعرض لهجوم كالذي يتعرض له مطار دير الزور ويتابع شحن المواد الحيوية لصالح مدنيين يريد بهم شراً؟ من يعرف دير الزور عسكرياً يعرف جيداً أن المستودعات العسكرية هناك تحوي معدات ومؤناً وذخائر تكفي الجيش لشهور - إن لم يكن لسنوات - من العمليات العسكرية. والمطار اليوم هو شريان المدينة والمدنيين المحاصرين فيها لا شريان الجيش. ولو كان الجيش يقاتل فقط لحماية مواقعه لكان سحب قواته من المطار وضاعف من تحصيناته في اللواء 137 – والذي يستطيع بالمناسبة استقبال المروحيات المختلفة التي تنقل المؤن العسكرية.
سيقول قائل وهل يريد المهاجمون كل هذا الشر بأهل المدينة؟ الإجابة بسيطة ولا تحتاج إلى التكهن. ببساطة ادخلوا إلى صفحات المعارضين، اليوم، على شبكات التواصل الاجتماعي واقرأوا ما يقولون عن أهالي الجورة والقصور - الحيين الأمنيين الباقيين في المدينة - والوعيد والتهديد المقرف الذي يطلقونه بحق المدنيين هناك. وصل الحد ببعض هؤلاء إلى تشبيه هذين الحيين بمدينتي نبل والزهراء والقول بأن مصير أهالي الجورة والقصور سيكون كمصير أهالي نبل والزهراء – لو استطاع المعارضون والدواعش أن ينالوا منهم. أهالي دير الزور يدركون هذه الحقيقة تماماً ولهذا كان ابتهاجهم بمشهد جثث الدواعش ابتهاجاً صادقاً لأنهم كانوا يدركون أن الآية كانت لتنعكس لو انتصر الدواعش. معركة مطار دير الزور اليوم هي فرصة لرؤية المشهد السوري على حقيقته. الجيش لا يقاتل دفاعاً عن نفسه، أو دفاعاً عن شخص، بل دفاعاً عن المدنيين وعن وحدة التراب السوري أولاً وأخيراً. وتهديد سكان مناطق معينة بالويل والثبور وعظيم الأمور لا علاقة له بطائفة أو بدين هؤلاء السكان بل له علاقة بموقفهم، أولاً وأخيراً، من تتار هذا الزمان.

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...