خطة أوروبية لإخراج سورية من جحيم الحرب؟

17-11-2014

خطة أوروبية لإخراج سورية من جحيم الحرب؟

الجمل ـ ترجمة وإعداد: عبد المتين حميد: ضجت الصحف و المواقع الأجنبية منذ أسبوعين بالحديث عن وثيقة سريّة مسرّبة تتحدث عن مقترح لإيقاف إطلاق النار على كامل الأرض السورية ما بين الجيش العربي السوري و المسلحين الغير جهاديين, كبداية لإطلاق عمليتي إعادة الإعمار و الإصلاح السياسي في سورية, و على الرغم من المحاولات الحثيثة للحصول على نسخة من هذا التقرير إلا أنّ الجواب كان: "إنّ هذا التقرير خاص و لا يمكن وضع أي رابط له". إلا أنّه بات من المعلوم أنّ التقرير صادر عن منظمة تدعى "مركز الحوار الإنساني" مقرها الرئيسي جنيف و كاتب التقرير هو المراسل نير روزن. أمّا عن هذه المنظمة, و وفقاً لتقرير منشور في الفورين بوليسي, فإنّها تنشط في مجال فك النزاعات عبر الدعوة إلى الحوار بين الأطراف المتصارعة, ففي تونس تمكنت من عقد اتفاق ما بين الإسلاميين و العلمانيين أفضى إلى تمرير الانتخابات بسلام, كما أجرت عدة مفاوضات مع حركة طالبان في أفغانستان, و هي تعمل في سورية منذ 2013 على إيقاف إطلاق النار على كامل الأرض السورية, و حالياً تأمل في عقد اتفاق ما بين الكرد السوريين و المسلحين الغير جهاديين؛ بما يشي بأنّ هذه المنظمة جادة في مساعيها. مما جاء في الوثيقة وفقاً لديفيد أغناتيوس (أول من سرّب فحوى الوثيقة) في صحيفة الواشنطن بوست: "قدّمت مجموعة وسيطة اقتراحاً لخطة استراتيجية بديلة تقضي بوقف إطلاق النار و التخفيف التدريجي للمعارك للوصول إلى الدولة اللا مركزية المنشودة في سورية. هذه المجموعة الأوروبية المموّلة من أكثر من اثنتي عشرة حكومة أوروبية و آسيوية تقول في تقريرها: "إنّ الحل على المدى القصير ليس بإنشاء حكومة انتقالية ولا إقامة قوات مشتركة من النظام و معارضيه, بل بتجميد الحرب, على أن يتبع وقف إطلاق النار عقد انتخابات محلية يليها انتخابات وطنية نهائية. إن وقف إطلاق النار سيمكننا من السير قدماً نحو حل سياسي و انتقال سياسي تفاوضي و كذلك تقوية المعارضة المعتدلة المأزومة, ولا بد أن يوافق النظام السوري على مقترحاتنا ولا سيما بأنّه من غير الممكن -وفقاً للوضع الحالي- استعادة كامل الأراضي السورية أو إعادة عقارب الساعة إلى الوراء".
يتابع أغناتيوس في مقالته: "أنجزت المجموعة الأوروبية عملاً ميدانياً شاملاً في سورية و التقت كبار المسؤولين السوريين و قادة المعارضة المعتدلة و أعضاء من المجموعات المتطرفة (جبهة النصرة و داعش), كما أنّها تشاركت التقرير مع مسؤولين أمريكيين بارزين و حكومات أخرى. هنا لا بد من الانتباه إلى أنّ ظهور هذا التقرير متواقت مع تقهقر متمردي الجيش السوري الحر المعتدلين في شمال سورية, الذين كانوا يترجون الولايات المتحدة لإغلاق المجال الجوي فوق الشمال السوري لدرء هزيمتهم, إلا أنها لم تكترث بهم. فالتقرير يجادل (بصراحة فجة) بأنّ تقاعس إدارة أوباما عن دعم المعارضين المعتدلين يبرهن على خيالية الاستراتيجية الأمريكية لإلحاق الهزيمة بالجهاديين, كما أنّ خطة وقف النار التي يطرحها التقرير قد تكون غير واقعية و لكن في أحسن الأحوال قد تؤدي إلى تخفيف العنف". و كان ممّن التقتهم المنظمة مسؤولاً سورياً أمنيّاً بارزاً وصفته بالمستشار الاستراتيجي للرئيس بشار الأسد الذي أكّد لها: "لا بد من عودة كامل الأراضي السورية و لا بد من احترام حقوق و كرامة جميع السوريين بما فيهم المتمردين و ذلك إذا التزموا باحترام الدولة السورية و مؤسساتها, كما أنّه من الممكن منح عفو عام عن المتمردين مع إمكانية احتفاظهم بأسلحتهم". ثمّ يتطرّق التقرير إلى نجاح المصالحات المحلية في حمص و دمشق و يورد مثالاً عن مصالحة مدينة التل بالقرب من دمشق و يُثني عليها و على القيادي في قوات الدفاع الوطني في دمشق "فادي صقر" الذي أنجز هذه المصالحات, و يتابع: "الجدير بالذكر بأنّه على الرغم من السمعة السيئة لقوات الدفاع الوطني في بعض مناطق سورية بوصفها ميليشيات خارجة عن السيطرة تمارس النهب, إلا أنّها في دمشق تحديداً كانت العامل الأكثر فعالية في تحقيق اتفاقيات مصالحة راسخة مع المتمردين". و يستعجل التقرير وقف النار في حلب و في مناطق أخرى كمنطقة الغوطة في دمشق و محيط درعا في الجنوب و البادية في الشرق السوري, و يؤكد على أنّ الحل الوحيد لخروج سورية من أزمتها هو المصالحات المحلية.
و مما جاء في مجلة الفورين بوليسي فإنّ التقرير يؤكد على أن الحل سوري˗ سوري و يجب العمل عليه من القاعدة إلى الرأس عوضاً عن ذلك الحل الذي يحاول الخارج فرضه على السوريين و يهدف إلى التغيير من الأعلى باتجاه الأسفل. و الحل هو بتطبيق نموذج مدينة التل أو حمص القديمة على باقي المناطق السورية, على أن يقوم المجتمع الدولي بتحمّل تكاليف إعادة الإعمار. كما يلفت التقرير إلى أنّ إيقاف الحملة العسكرية للجيش السوري سوف يكشف زيف إدعاءات الجهاديين بأنّهم الوحيدين القادرين على الدفاع عن السنّة من وحشية النظام الشيعي, كما أنّه سيمكّن المنظمة من عقد صفقةٍ بين الجيش السوري و المسلحين الغير جهاديين يتم بموجبها توجيه نيرانهما باتجاه داعش. أمّا بالنسبة للسؤال الوجودي الأسمى "ما هو مصير الرئيس الأسد؟", يجيب التقرير و بكل وضوح: "إنّ مصير الأسد يحدده الشعب السوري فقط, بحيث, و في وقتٍ ما, بعد انتهاء الحرب, يحصل إصلاح شامل للدستور و انتخابات بإشراف دولي"؛ هنا تعقّب المجلّة دون أن تخفي امتعاضها: "هذا يعني أنّ الأسد لن يرحل قريباً, إنْ لم يكن أبداً". و وفقاً لتقرير المنظمة فإنّ قادة المسلحين الغير جهاديين وصلوا لمرحلة الاقتناع بعدم طرح مغادرة الرئيس الأسد كشرط لبدء المحادثات, و كذلك الأمر نوعاً ما بالنسبة لداعمي المسلحين الخارجيين و خصوصاً السعوديين.
نالت هذه الخطة العديد من الانتقادات من قبل المهتمين بالشأن السوري و وصفوها بالحالمة, إلا أنّ الصحفي نير روزن ردّ عليهم بأنّ الجيش السوري ساعد المسلحين في خمس مناسبات في الصيف الفائت لمحاربة داعش على أطراف ضواحي دمشق, دون أن يحددها.
ما يمكن أن يكون جيّداً في هذه المقترحات هو الإقرار بحتمية بقاء الأسد و اندثار الحجة التي لم يكن المسلحون يملّون من تكرارها لتبرير تهافت المجاهدين إلى سورية. من ناحية أخرى لا أحد يعرف فيما إذا كانت إدارة أوباما ستتبنى هذه المبادرة أم لا, حيث لم يعد لدى الرئيس الأمريكي ما يخشى خسارته بعد تحرره من الضغوط و الهواجس الانتخابية بعد خسارة الديمقراطيين لانتخابات الكونغرس, كما أنّ ساكن البيت الأبيض كان قد تراجع عن قرار ضرب سورية منذ سنة فما الذي يمنعه من العمل على إنهاء الحرب فيها الآن, ناهيك عن أنّ الإدارة الأمريكية شارفت على الانتهاء من تدريب 9600 جندي من بقايا الجيش الحر في الأردن و 5000 آخرين في السعودية, و بالتالي هي لن تكترث لبقايا مسلحين "الجيش الحر" في سورية الذين خذلوها بعد هروب قادتهم المدعومين أمريكياً أمام تنظيم النصرة الإرهابي و انضمام غالبيتهم إلى التنظيم مع كامل أسلحتهم و عتادهم الأمريكي المتطوّر.

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...