الصحافة... بين «المهنية» و«انتحال الصفة»

نضال حيدر:  نظرة سريعة إلى واجهة أحد أكشاك بيع الصحف والمجلات، توضح جانباً كبيراً من الصورة والفعلية لواقع الإعلام في سورية، فعلى صعيد الكم؛ كثيرة هي المطبوعات الصادرة حديثاً، أما على صعيد النوعية - وهنا المشكلة الحقيقية - فمن باحث عن ترخيصٍ لمطبوعة إعلامية يرى فيها الجانب التجاري فقط دون غيره، إلى وافدٍ جديدٍ لعالم الكلمة المكتوبة؛ يبحث عن تواجد فاعل في المحافل الاقتصادية والاجتماعية وربما السياسية.
ومن دون أن ننسى أن لهذه القاعدة استنثاءاً؛ يتمثل في قلة قليلة ما زالت مؤمنة بالرسالة الإعلامية الحقيقية، رغم المصاعب الكبيرة والحواجز الموضوعة عن سابق تصور وتصميم؛ لإجهاض هذا الحلم المشروع، واليوم إلى أين وصلت الفورة الإعلامية في سورية؛ على صعيد إصدار الصحف والمجلات الجديدة؟!...، وعن ماذا تمخض الحراك السابق الذي كان ينتظر منه الكثيرون تحقق آمالٍ متعددة المستويات؛ ومطامح مختلفة الاتجاهات؟!..، هل نجحت هذه المنابر الإعلامية الجديدة؛ في تكريس صوت خاص لكل منها يميزها عن سواها؟!...، ومن ثم هل تمكنت من استقطاب جمهورها الخاص؛ عبر لغتها المتداولة ومناحي اهتماماتها؟!...، وما هو الدور الذي تلعبه كل من هذه الوسائل على حدة؛ في تقديم الصورة الواقعية والحقيقية في الميادين المختلفة ؟!...، وهل مازال دوراً يراوح في مساربِ التوافق والتطابق مع المنابر الرسمية؟!..., أم أنه تجاوز ذلك إلى دور أكثر نضجاً؛ وأعمق سبراً لأغوار المشاكل المستعصية؟!...؛ إلى صوت يتمايز عن سواه؛ ويضع في مقدمة أولوياته هواجس الناس وآمالهم؟!...
وما الفائدة المتحققة للقارئ السوري؛ التواق إلى وسيلة إعلامية تتبنى رؤاه وهواجسه، وتوصلها للمعنيين؛ وتكون الداعم والمؤيد لوصول كل ذي حق إلى مبتغاه؟!..، واستطراداً فإن السؤال الذي يكتسب مشروعية أكبر: إلى أين تتجه هذه المنابر التي تحول معظمها (بقدرة قادر) إلى مهمة «التلميع» ولا نغالي إذا قلنا «التضليل» عبر تسليط الضوء على تجارب عادية؛ وأقل من عادية، ونقلها «لغة وصورة» إلى مصاف «الأسطورية»، حتى بات القارئ العارف ببواطن الأمور؛ يظن أن هذه الشخصيات إنما هي من نسج الخيال أو الأسطورة وليست وليدة الواقع.
فبجرة قلم  من (منتحل صفة إعلامية) يتحول أحد التجار؛ الذين لا يرتضون (دراكولا) حارساً على أبوابهم، إلى مثال للاستقامة والنزاهة، وكذلك تتحول إحدى فنانات الدرجة «ما بعد بعد الدرجة العاشرة» إلى قامة فنية مبدعة لا تضاهى، وهكذا دواليك تستمر (المهزلة الإعلامية) وتتواصل؛ على أيدي أناس يستثمرون القليل من ثرواتهم أو مما يملكون؛ في «التلميع» و«النفخ» و«عمليات التجميل الإعلامية» ضاربين عرض الحائط بقناعات الناس ومداركهم الواعية؛ التي لا تستسيغ تسمية الأشياء بغير مسمياتها، فكيف بالبشر؟!...
متى وكيف يعود أصحاب هذه المنابر إلى وعيهم؟!...، إلى الأرض التي انطلقوا منها محلقين في فضاءات «التملق» و«التبعية» و«الاستزلام» لـ«الأصفر الرنان»، وهل سيأتي يوم يعلن فيه هؤلاء هدم (الهيكل) والعودة إلى مواقعهم الطبيعية، تاركين الخبز للخباز (ولو أكل نصفه)؟!...
سؤالٌ لا تقبل الإجابة عنه المناورة أو المداورة، سؤال لا بد من الإجابة عليه، حتى لا يصير الاستثناءُ قاعدةً، والحرامُ حلالاً، والأماني.... أضغاث أحلام.

الجمل من مساهمات القراء