وسط جدل اجتماعي: مقاهي العولمة في سوريا تكرس قيم وتطرد تقاليد

12-11-2009

وسط جدل اجتماعي: مقاهي العولمة في سوريا تكرس قيم وتطرد تقاليد

لم يعد مشهد انتشار زبائن المقاهي الحديثة في دمشق وهم يستخدمون كومبيوتراتهم المحمولة حدثا يثير الانتباه لأن هذا المشهد بات هو المألوف بعد سنوات من انطلاق مقاهي العولمة اثر الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي الذي بدأته سوريا منذ سنوات بانتظار انضمام الانفتاح السياسي إلى المشهد العام .

وبات هذا المشهد الذي يستقطب معظم جيل الشباب الجامعي أو ما دون عمرهم بقليل وشريحة اجتماعية أخرى هي موظفو  قطاع الشركات الكبيرة كالمصارف والتأمين او شركتي الهاتف النقال وبعض من شركات الميديا وبالتأكيد العائدين من الاغتراب و معظم الدبلوماسيين الاجانب و العرب . 

وتشير الاحصاءات شبه الرسمية إلى أن أكثر من 300 مقهى او سناك منتشرين في العاصمة تقوم بتوفير خدمة  الـ wireless  في شتى أنحاء المدينة، وقد باتت ملاذا لاستقطاب آلاف الزبائن يدفعون بالعملة السورية ثمنا لفنجان قهوة يوازي ما يدفعه أي مواطن في باريس أو روما أو أمستردام، التي تتمتع بدخول عالية لا  تقارن  بدخول السوريين.

ويبدو أن الشبيبة خاصة تجد ملاذا خاصا في تلك المقاهي، يخرجها من واقعها الذي تعيش فيه على مدار الساعة. ويقول سامر الاوس، طالب في السنة الثالثة في كلية الهندسة، أنه يشعر بإنسانيته في تلك المقاهي.

يقول سامر: "اشعر بانسانيتي كثيرا عندما ارتاد هذه المقاهي لان كل شيء فيها يوحي بحرية الاختيار و الحركة و احترام الآخر , اعتقد انه نوع من الوعي الحضاري ثم ان هناك عدة خيارات منها من حيث ما تقدمه من مشروبات مأكولات سريعة وهي نظيفة جدا و تسمح اجوؤها أن تكون صلة وصل بيني وبين العالم من خلال خدمة الانترنت وبيني وبين عملي اذا كنت على اتصال دائم معه فضلا عن أنها تحول المكان اإلى مصدر للمعلومات و كأنه مكتبة.

ويرى سامر أن ذلك "جزء هام من الحرية الشخصية" مضيفا "لم يعد الامر كالسابق مجرد شاي وقهوة وزهورات وروائح كريهة أو أوامر فرض من النادل العبوس."

بيد أن ثمة من لا يشاطر سامر وجهة نظره حول هذا الموضوع. ويرى البعض أن هذه المقاهي غالية بشكل غير منطقي وقد أدت إلى ارتفاع كبير في أسعار كل السلع الأخرى. كما ينتقد العض هذه المقاهي بسبب ما اسمته "حرية زائدة" للشباب فيها.

قول سمر محمد إن هذه المقاهي "جلبت لنا الغلاء و الحرية الزائدة للشباب و الشابات ,وكثيرا ما وجدت كل اثنين منهم يتمدد بقرب الآخر على الاريكة و يشاهدان افلام او يعملان سويا على جهاز كومبيوتر بحجة انهما متحضران".

وتضيف الشابة السورية التي تخرجت قبل عام من كلية اللغة العربية ووجدت عملا في احد المدارس الخاصة والحديثة في دمشق "أنا لا اقول انها ليست مقاهي جيدة لكن علينا ان نستفيد من ايجابياتها مثل خدمة الانترنت او حرية التصرف بما لا يؤذي مشاعر الآخرين" .

 وقسم أحد الندل رواد المقاهي الحديثة إلى انواع تتشارك جميعها بالتوق إلى الحرية الفردية.

يقول مشهور عباس وهو نادل في مقهى كنوسبر السلسلة الالمانية العالمية التي افتتحت فرعا لها في دمشق مؤخرا: "الزبائن انواع لكن معظمهم يتمتع بقاسم مشترك هو البحث عن الحرية العامة او الخاصة كاسلوب للعيش او طريقة تفكير انا اعرف ذلك من خلال علاقتي القوية مع الزبائن هم يتحدثون الي وانا اسمع منهم دوما واسألهم من باب اللطف والاهتما م عن احوالهم وصحتهم فيبدؤون الحديث ... يريدون عالما خاصا بهم أو ربما هي ساعات الجلسة المسترخية التي يريد المرء قول ما لديه كنوع من المنولوج الداخلي."

وتحجب السلطات السورية العديد من مواقع الانترنت فضلا عن ذلك مقرون بمراقبة لبعض البوابات الممنوعة أصلا وقد تعرض اصحابها للمسائلة او التوقيف العرفي احيانا .

ويوجد في سوريا عشرات مواقع الانترنت قلة منها متخصص في السياسة وبعضها في الاقتصاد أو المجتمع ومؤخرا اطلقت مواقع باللغة الانجليزية.

ويجد زوار دمشق من الأجانب والعرب ضالتهم في هذه المقاهي الجدية، كما يعتمدها الدبلوماسيون المعتمدون في سوريا، كمكان للقاء مع أقرانهم وتبادل الآراء، وتناول وجبات تذكرهم بوطنهم.

ينشر هؤلاء الدلبوماسيون في المقاهي المتمركزة في أحياء أبو رمانة والمالكي العريقة، ويتجهون أحيانا إلى حي المزة الحديث نسبيا.

 ويرى وسيم قات وهو مهندس تقني أن هذه المقاهي وفرت الاجواء المفتوحة التي تتيح له التعرف "إلى كثير من الصبايا في هذه المقاهي وهو الامر الذي لم يكن سابقا متاحا بهذه الطريقة للقاء بين الشباب والشابات , اعتقد انني افضلها ايضا لانها اماكن بلا جدران لكنها بالتاكيد غير متناسبة مع دخل المواطن السوري ."

ويشرح الموسيقي السوري المعروف معن خليفة الذي يعتبر من ابرز عازفي وملحني اعمال الفرقة السمفونية السورية وجهة نظره حول الموضوع بقوله ان ما يميز الحياة الثقافية الفرنسية على سبيل المثال هو مفهوم المقهى اعرف ذلك لأنني اقمت في فرنسا لسنوات قبل ان اعود الى دمشق وتعرفت عن قرب على مفهوم المقهى حيث أنها في صلب الحياة اليومية لكل فرنسي والمقاهي انواع طبعا لذلك نجد أنه لكل مقهى خصوصيته التي تجذب زبائنه واعتقد ان مقاهي العولمة التي سمح بها في السنوات الاخيرة في عموم سوريا إنما هي نتيجة تطور منطقي للمجتمع وتطور العلاقات فيه و آليات العمل والحياة اليومية وأي تطور بطبيعة الحال والمنطق يحمل معه سلبياته و ايجابياته , فالمدن تختزن ذاكرتها في مقاهيها، ومقاهي العولمة اليوم نوع من الذاكرة المعاصرة وهي نوع من التماهي مع ثقافة العولمة التي تحوي كل الخصوصيات وتقبلها ومن يبتعد عن العولمة اليوم يعزل نفسه .

ومما يؤكد صواب رأي كل الشعب السوري أن  مقهى الروضة وسط العاصمة دمشق وهو مقهى شعبي معروف وعمره عدة عقود من الزمن وله تاريخ و ترتاده مختلف الشرائح الاجتماعية اضطر مؤخرا لتطوير خدماته و اضاف ايضا خدمة الانترنت لزبائنه قبل فترة لم يكن احد يتجرأ على ان يتخيل ان مقهى الروضة سيوفر الانترنت بطريقة الـ wireless.

يقول موريس عائق وهو صحفي من رواد المقاهي الحديثة "إن هذه المقاهي تذهب بنا بعيدا حتى من ناحية الكراسي و الاثاث فهي تحاول أن تؤمن كل الراحة لزبائنها، نجد فيها الاريكة الكبيرة وكأننا في منازلنا. اعتقد ان معظم الاصدقاء الذين اعرفهم والتقي بهم يشعرون بكثير من الراحة النفسية والحميمة في هذه المقاهي." ولكن موريس يشارك السوريين انتقادهم للارتفاع الكبير في الأسعار التي لا تناسب دخل الفرد العادي.

يقول موريس: "ربما يتمثل الشيء الوحيد الذي أجد ان السوريين يعترضون عليه في هذه المقاهي في عدم تناسب اسعارها مع الشرائح الاجتماعية الاوسع على سبيل المثال لا نجد فيها موظفي القطاع العام."

ويتفق غالبية السوريين على هذه النقطة. ويقول حامد، وهو مدرس متقاعد، إن هذه المقاهي ليس سوى "كلام فارغ ووسيلة لسلب الشباب أموالهم." ويضيف إنه لا يزال يفضل المقاهي القديمة، "فبثمن فنجان واحد من القهوة في تلك المقاهي يستطيع أن يشرب عشرين فنجانا في مقهى الكمال الصيفي." ويضيف: "هناك أجد أصحابي والناس الذين يشبهونني، أما في المقاهي المودرن فلا أحد يشبهني."

ويعتقد رئيس تحرير موقع الوطن اونلاين الاعلامي السوري المعروف زياد حيدر انه يمكن ان نعتبر ان مقاهي العولمة هي  نمط متطور من مقاهي الانترنت  وهي بمثابة شرفة اطلالتها جميلة على العالم هذا من منظور معين ومن منظور آخر ان الذين لديهم مواقع انترنت قد يبحثون في اساليب تطور هذه الخدمة الهامة. والموقع الناجح هو من يجيب عن اسئلة الناس و ويشبع فضولهم المعرفي أو الخبري الى حد واسع.  وبالتالي فان الانترنت اليوم هو مزيج من التلفزيون و الاذاعة و الصحافة الورقية و يجب ان يتذكر أي مدير لموقع انترنت ان الخيارات امام الجمهور اصبحت بلا حدود ويضيف حيدر اعتقد ان التميز و المصداقية هما من ابرز عناصر النجاح فضلا عن عناصر اضافية من حيث الشكل او المقدرة على المواكبة والسرعة حيث يصبح الموقع الالكتروني متابعة من قبل الشرائح التي ترتاد مقاهي العولمة .

ويقول زياد الذي نوع كثيرا في خبرته الاعلامية بين المطبوع واليومي والتلفزيوني والاذاعي والانترنت إن الانترنت هو احد ابرز انشطة العمل في المستقبل او لعله اصبح لغة العولمة الابرز .

 اما ابو محمد والذي كان يتسوق من امام احد اصحاب المحال التجارية في سوق الشعلان المعروف وسط العاصمة دمشق فهو يرى حسب وجهت نظره التي رواها لوكالة الانباء الالمانية(د.ب.أ)   ان هذه المقاهي غير ملتزمة آداب الدين والمجتمع المحافظ وهو لا يشجع أي من ابنائه او بناته الجامعيات على ارتيادها لا بل انه تدخل ذات مرة ليطلب من جاره ابو عماد ان يلزم ابنائه وبناته غير المحجبات بان يواظبوا  جميعا على تلقي العلوم الدينية بدل الضياع الذي هم فيه على حد وصفه .

بالمقابل لا تستغرب سارة الدبلوماسية الغربية عدم تقبل هذه المقاهي من قبل جماعات معينة في المجتمع السوري ولكنها تبدي خشية من اتساع مساحة التشدد مقابل العلمانية تقول سارة" انا اعرف سوريا منذ سنوات وفي السنوات الاخيرة شعرت ان الانفتاح الاجتماعي بدأ  يتقلص او ان المنفتحين بدأت اعدادهم  تقل أو ربما هم ينحصرون في اماكن واحياء معينة ولا اعرف ان كان غيري يشاركني الرأي او يراقب هذه الظاهرة التي ارى انها ليست من المواصفات التقليدية او المعروفة عن المجتمع السوري فهذه المقاهي هي مقاهي عامة وعادية لا يوجد فيها أي شيء يثير المجتمع ثم ان الحياة اصبحت مفتوحة على كل الاحتمالات.. الانترنت والفضائيات والسفر وغيرها المهم هو تحصين الانسان بالقيم الصحيحة وليس الحل بالمنع او المحاربة العشوائية" لكن سارة تستدرك بقولها "اعتقد ان العامل الاقتصادي الضعيف يلعب دورا مهما في تكوين شخصيات الناس في هذه المجتمعات او ربما اساليب التربية المدرسية" .

وسارة واحدة من مئات الطلاب والدبلوماسيين العرب والاجانب الذين يرتادون هذه المقاهي يوميا.

يقول الدكتور سامي مبيض استاذ العلاقات الدولية في جامعة القلمون " ذات مرة سألت طلابي هل ذهبتم الى مبنى البريد ووضعت كرت بوستال او رسالة لاحد معارفكم او ذويكم وانتم الآن في ال22 من العمر لقد كان الجواب بالاجماع تقريبا لا , والسبب ان الطلبة من هذا الجيل يدمنون على الانترنت كل شيء بالنسبة لهم له علاقة بالمعرفة او التواصل هو عن طريق الانترنت , بعضه يقول لي انه يقضي ساعات طويلة في مقهى فيه انترنت ". 

وتشارك غادة في النقاش مع وكالة الانباء الالمانية عندما تستمع الى الحديث مع احد السيدات في سوق الحمرا الشهير بقولها "انا اعتقد انني انتمي لاسرة متوسطة الحال ونحن كشريحة اذا اهملتنا الحكومة كثيرا فان ذلك سيؤثر على بنية المجتمع السوري اقول ذلك لانني سيدة منزل ولا اعمل لكني اذهب مع ابنتي احيانا لتناول القهوة في هذه المقاهي الجميلة الجديدة لا اجد حرجا او أي اسباب تمنع ذلك بالعكس ربما من المفيد ان نطالب ان يكون نماذج من هذه المقاهي نماذج عائلية ففي سوريا لا يوجد اندية عائلية كثيرا ربما الآن بدأت , عندما اذهب مع ابنتي لا تضيع ابنتي الوقت هكذا هباء , هي تركز على مشاهدة الانترنت وتتحدث الي وتقوم بعملنا ونحن جالسين لاننا لا نملك انترنت سريع في منزلنا , هناك الكثير من الاحياء ليس فيها امكانية توفر الانترنت" .

جوني عبو - أ ف ب 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...