(وثائق سورية):التقرير الفرنسي بخصوص تطور التنافس على سورية

07-10-2009

(وثائق سورية):التقرير الفرنسي بخصوص تطور التنافس على سورية

     حدثني المندوب السامي، السير مكماهون هذا الصباح، وبطريقة أكثر تحديداً بكثير عن الأوضاع الحالية للعرب. وقد قال لي السير هنري مكماهون: إن المسألة العربية كانت قد وصلت إلى نقطة حرجة، وأنه بات من الضروري والملح إيجاد حل، حيث أن العرب موجودون عند تقاطع طرق: الأول هو طريق التعاون مع ألمانيا، والثاني طريق التعاون مع الحلفاء، وأن عليهم اختيار أحدهما خلال فترة قصيرة جداً، وأن الألمان كانوا قد غمروا العرب بالذهب، حيث وزعوا 500000 ليرة في العراق وبلاد الرافدين و300000 في البلاد العربية الأخرى، مع وعدهم للعرب إضافة إلى ذلك بأن يحققوا لهم مطالبهم بالاستقلال، دون الاهتمام بالطريقة التي يمكن أن يتوافق بها تنفيذ هذا الوعد مع مصالح حليفتهم تركيا؛ وأن الإنكليز كانوا قد بتوا من جهتهم  عروض مساعدة العرب بإعطائهم " وعوداً" عامة حول موضوع ضمان الاستقلال الذي يطالبون به، بل وأنه بات يجب الآن تحديد هذه الوعود العامة، وبخاصة فيما يتعلق بحدود الدولة العربية المستقلة المقبلة، وأن الحكومة البريطانية تقوم حالياً بمحادثات مع حكومة الجمهورية حول هذا الموضوع، حيث يعتبر العرب أن سوريا تشكل جزءاً من الدولة العربية بما فيها حمص وحلب ودمشق إلخ... باستثناء ربما لبنان وجزء صغير من الساحل السوري.
وقد أضاف السير مكماهون: إن العرب الذين يشكّون بالأتراك شكاً عظيماً سيقبلون دون شك برغبة أكبر الوعود المحدودة للحلفاء، ويقصد السير مكماهون بالحلفاء فرنسا وإنكلترا فقط فيما يخص هذه المسائل، من الوعود غير المحدودة للألمان.
وأخيراً، قال لي المندوب السامي: إن المرحلة الخطيرة، وإن المسألة العربية ستحسم بكاملها، وإن العرب دعموا الأتراك حتى الآن إلا شكلاً، وإنهم سيقدمون المؤازرة الفعالة والمطلقة لأحد الفريقين الذين سيتفقون معه، وإن فارس " إيران" كانت تتهيأ للدخول إلى جانب ألمانيا وتركيا، وإن هذا الحدث يمكن أن يؤدي كثيراً إلى جر أمير أفغانستان إلى الدرب نفسها.
وقد اكتفيت بالرد على السير مكماهون بأنني أعرف جيداً أهمية المسألة بقدر ما أعترف بصوبة تحديد ما هي الدولة العربية بالضبط، وما الذي يجب أن تكون في المستقبل الدولة العربية المستقلة؟ وسألته فيما إذا كان العرب يقصدون، وكانت إنكلترا ترى في هذه الدولة العربية المستقلة بلاد الرافدين مع بغداد والبصرة والكويت ومسقط والبحرين وحضرموت وأرض عدن وحتى مصر. وسألته أيضاً: هل قصدُ رغبةُ العرب جمعُ هذه الأقطار الشاسعة في دولة واحدة، تحت قيادة قائد واحد، الأمر الذي يبدو مستحيلاً، أو ترك كل عشيرة مستقلة وحرة دون رابطة وحدة وبلا سلطة مركزية، الأمر الذي يمكن أن يؤدي بالنتيجة إلى خلق فوضى كاملة في المنطقة العربية كلها؟
وقال لي السير مكماهون: إنه كان يجهل كون نية إنكلترا الاحتلال أو عدم الاحتلال النهائي لمناطق دجلة أو الفرات حيث تقوم فصائلها حالياً بالعمليات، وإن المعاهدات التي أبرمتها إنكلترا مع مختلف القادة، كقادة الكويت والبحرين إلخ... يجب أن تحترم بشكل طبيعي وتبقى سارية المفعول، وإن العرب أنفسهم كانوا يعترفون بأن الحدود الغربية للدولة العربية يجب أن تكون شبه جزيرة سيناء، التي تعد خارج حدود الدولة، والبحر الأحمر، وإنه كان يرى هو شخصياً أن مختلف القادة العرب كانوا مختلفين جداً ومتآمرين كثيراً على بعضهم بعضاً بحيث لا يمكن لهم أبداً أن يتحدوا، أو قبل مضي وقت طويل، تحت إمرة قائد واحد واحترام سلطته.
وقد تم هذا الصباح أيضاً جمع معلومات مماثلة لتلك التي عرضتها أعلاه على يد ملازم أول اسمه سان كانتان لوكالة المعلومات إضافة إلى ذلك فقد أعلن رئيس هذه الوكالة عن رأيه بأنه إذا لم تتم تسوية خلال فترة وجيزة مع العرب، فإن الشيوخ وبخاصة شريف مكة لن يترددوا في إعلان الجهاد فعلياً، الأمر الذي امتنعوا عن القيام به حتى اللحظة الحاضرة، وأن الوضع في هذه الحالة سيصبح خطيراً جداً في العربية ومصر وليبيا وشمال إفريقيا كله. وأضاف الكولونيل كلايتون أخيراً، مؤيداً هكذا المعلومة التي أفادني بها السير مكماهون خلال حوارنا السابق، أنه إذا وصل الألمان إلى القسطنطينية فإن مصر ستصبح مهددة بجدية كبيرة وأنه سيصبح لا غنى عن تغطيتها في هذه الحالة باحتلال سوريا وإيقاف الأتراك في مسالك طوروس والأمانوس.

القاهرة في 2 تشرين الثاني 1915م.

المصدر: أرشيف الشؤون الخارجية الفرنسية، حرب 1914-1918، جزء 871 تركيا- سورية- لبنان. جزء V1-2  تقرير سري، نقلاً عن سورية –بلاد الشام- تجزئة وطن، جوزيف حجار، دار طلاس،1999 ص73.

الجمل- إعداد: د. سليمان عبد النبي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...