معجم مُصغَّر لزيارة أخيرة الى الاسكندرية – 1

16-11-2006

معجم مُصغَّر لزيارة أخيرة الى الاسكندرية – 1

- 1 –

تُواصل الاسكندرية خصامها مع شرطي التاريخ. وإلاّ،

كيف تطلع من بين نهديها

شمسٌ كهذه الشمس؟

- 2 –

في الفندق، هيلنان – فلسطين، على الشاطئ، قال للحب: «أخرجُ من أراغن السماء. اضطرب، حائراً، كغصن بين يدي الريح. بعد ذلك، خذني إليك».

كانت الأمواج تبدو كأنها تتهيأ لكي تلطم خاصرة غرفته. ولم يكن بين يديه أية زهرة تنتسب لأخيناتون، ولا أية عشبة من أعشابه.

غير أن السرير كان رغبة، والوقت امرأة.

ارتجف، ارتجف أيها الزمن في أحشائه.

- 3 –

أصغى طويلاً الى الشاطئ يقرأ عليه تاريخ الماء.

- 4 –

تلك الليلة،

خلعت الاسكندرية، لكي تنام، قمصانها كلها إلا واحداً: بطليموس الأول.

وعندما رآها تستيقظ في الصباح، شعر كأن شرايين الأرض ترقص في جسدها.

وتذكّر مدناً لم تعد تتذكر حتى أقدامها.

انتحبي، إذاً، واعرجي أيتها المدن،

إنه حاكم السماء يُقفل أبوابه بالمفاتيح نفسها التي صاغها حاكم الأرض.

- 5 –

يثق بحكمة الهواء.

- 6 –

شفتاه تتحدان ضد قبائل الكلام،

وصمته أخٌ للضوء.

- 7 –

(عطلة الأسبوع):

أ – تدخل امرأة كأنها تخرج من بيت سريّ لليل.

ب – الخبز جائعٌ هو كذلك.

ج – تعتصم الحواس في خندق الرغبة.

د – رجلٌ: عرجون أنثوي.

هـ - جدائل عاشقة تحلها يد النخيل.

و – صخبٌ يلتهم حتى قوائم الكراسي.

ز – لا تشرب. لنا موعدٌ آخر مع شرابٍ آخر.

ح – غرابٌ يحُك سُرة الحديقة.

ط – شيخٌ يُمسك بيد الريح.

- 8 –

اسكندرية، اسكندرية،

أين كفافيس، إذاً؟

تقدم، ايها الشاعر. ينتظرك الحب على ورقة على كرسي في مقهى في منتصف الشارع في آخر الليل،

الليل الذي لا آخر له.

- 9 –

(رسالة)

«هل يمكن أن تسألي كتاباً أو شخصاً: ما الحب؟ ربما سيكون من الأفضل أن تسألي شجرة أو نبعاً. لكن، هل سيكون في الجواب ما يُضيء؟

في أية حال، البحر هنا في الاسكندرية كمثل سماء تنزل الى الأرض على درج الحب».

- 10 –

(رسالة)

«لو نظرت إليّ الآن لرأيت فيَّ غابة، ولما رأيت في هذه الغابة إلا أفراساً بعضها جامح، وبعضها وديع كما لو أنها تُمسك بأيدي أطفال يرسمون أجسامهم على حرير الفضاء.

أنظر إليك الآن وأسألك: هل أنت غابة؟».

- 11 –

هنا كذلك:

حجاب البصيرة عشيقٌ لحجاب البصر.

هنا كذلك:

يجازف الدمع بعينيه.

هنا كذلك:

الحسرة تلتهم الحنجرة.

- 12 –

يمشي الغيم، هذا الصباح، على رؤوس أصابعه.

- 13 –

وصلت الشمس الى الحي التركي. بدأت تمزّق الإسمنت كما لو أنها تمزّق أكفاناً.

- 14 –

ترتسم الأيام على الجدران في شارع فرنسا كمثل مُلاءات شفافة، وسود. الشارع لوحة ضخمة يتنقل فيها ضيوف كأنهم يتنقلون في غرف من الغيم.

- 15 –

يطوقه جامع أبو العباس المرسي بيديه، يدعوه – لكنه لا يراه. هل الصلاة هنا، في الجامع، معنى مؤنث لاسم مذكّر؟

- 16 –

لا مركز لقلب الاسكندرية. قلبها كمثل سائل – حيناً كالهواء، وحيناً كالماء.

- 17 –

جامع البوصيري – على بابه،

رجلٌ كمثل عصاً طويلة، يُصدّق أنها ستنقلب الى حية.

- 18 –

طيور تمارس الحب في ساحة المنشية،-

تعـلّــم أيـهـا العـاشــق.

- 19 –

«كوم الدكة»، -

شارع سيد درويش،

الغرفة المتهدمة التي كان يسكن فيها،

المقهى الذي يُسمّى «بورصة الشيخ سيد درويش البحر»،

الشاعر ابن نُباتة، وشارعه،

هذه كلها أصوات تصرخ (لم يسمعها لورنس داريل، ولا فندق سيسيل):

أرايت، أيها الهدهد، كيف يعشق سليمان؟

أسمعت بلقيس وهي تسأل سليمان: «ما لون الربّ؟».

أعرف كيف كان يمرّ الملوك تحت أسنانها كمثل اللُّبان،

وكيف كانت تنامُ السماوات في سريرها؟

يا سيد درويش،

لا يزال الفضاء يغلق أبوابه.

اسمح لي بأن أمسح العرَق عن جبينك.

اسمح لي كذلك أن أغسل بصوتك، أيضاً وأيضاً،

«كوم الدكة».

أدونيس

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...