غيفارا يهيمن على مهرجان كان السينمائي

22-05-2008

غيفارا يهيمن على مهرجان كان السينمائي

كان متوقعاً غداة ظهور مئات الشبان معتمرين قبعة انديانا جونز، أن يظهر مئات آخرون في اليوم التالي وعلى رؤوسهم ما يشبه قبعة غيفارا الشهيرة. لكن هذا لم يحصل. فسجَّل المغامر سارق الآثار جولة ضد منافسه المغامر محرر الشعوب. لا يعني هذا أن ثمة «حرباً» بين المغامرين. ولكن أن يعرض تباعاً في الدورة نفسها فيلم منتظر بتشوق عن مغامر سبيلبرغ، وآخر منتظر بفضول ولهفة عن بطل تحرير أميركا اللاتينية، أمر كان يدعو الى شتى أنواع المقارنة. خصوصاً أن مخرجي الفيلمين يحملان اسمين متقاربين ولكل منهما مكانته الخاصة في راهن السينما الأميركية وكذلك في قلوب هواة السينما: ستيفن سبيلبرغ لأنديانا جونز، وستيفن سودربرغ لـ «التشي». وهنا، على أية حال تقف المقارنة، طالما أن الفيلمين لا يتباريان. ففيلم سبيلبرغ يعرض خارج المسابقة في «كان»، فيما يعرض فيلم سودربرغ في المسابقة ويتطلع، بجزءيه وساعات عرضه الأربع، الى غير جائزة.

ليس جديداً، على أية حال أن تقدم السينما على تحقيق فيلم عن أرنستو غيفارا، ونعرف أن أفلاماً عدة قد حققت في أميركا خصوصاً عن رفيق كاسترو الذي أصبح مع الزمن أيقونة عالمية، في النضال كما في الفن كما في رمزية المجتمع الاستهلاكي. ووجه غيفارا هو الأشهر، طبعاً، في القرن العشرين، الى جانب وجهي مارلين مونرو وتشارلي شابلن في مجال بيع الملصقات وتزيين الصحون وعلاقات مفاتيح السيارات وقاعات المطاعم وما شابه. من هنا يعرف المنتجون سلفاً ان أية بضاعة – بما في ذلك الأفلام السينمائية – تنتج تحت صورة غيفارا ستروّج وتدر أرباحاً، تغذي تلك الرأسمالية الشهيرة التي ظل غيفارا يحاربها حتى لحظاته الأخيرة.

قد لا يكون قصد سودربرغ، الفتى المعجزة في السينما الأميركية منذ عقدين وأكثر، إضافة أرباح الى أرباح. قصده كان أن يعيد الى البطل الشهير اعتباراً كانت السينما الهوليوودية أفقدته إياه بأعمال عدة، بينها ذلك الأردأ الذي قام فيه عمر الشريف بدور الثائر الأسطوري. لكن النتيجة – على رغم أنف سودربرغ! – ستكون عشرات ملايين الدولارات أرباحاً. واللافت أن إسبانيا وفرنسا هما من سيجنيانها. أما سودربرغ فنال حصته، هناك الآن مكانته التي تزداد حجماً بفضل فيلم في جزءين، عرض في كان ونال تصفيقاً. فالفيلم نزيه وجيد. وفيه أدى بنيشيو ديل تورا دور حياته. ولعل أفضل ما يمكن قوله عن «التشي» في جزءيه اللذين سيعرضان تجارياً تباعاً آخر هذا العام، انه فيلم تمكن من أن يحفظ للثائر الكبير أسطورته، بدلاً من أن يعيده الى أرض واقع كان فيلم «يوميات سائق دراجة» أعاده إليها قبل سنوات أمام كاميرا البرازيلي والتر ساليس. فيلم سودربرغ أمعن في أسطرة غيفارا، وكأنه في حاجة الى مزيد من الأسطرة. وفي المقابل، في عودة سريعة هنا الى انديانا جونز يمكن القول إن سبيلبرغ أمعن في نزع انديانا جونز من الأسطورة لإعادته الى الواقع. هل كان هذا في مصلحة الفيلمين؟ في مصلحة واحد منهما؟ في مصلحة غيفارا نفسه؟ تحتاج الإجابة الى مجال أوسع. في انتظار ذلك يمكننا أن نقول إن عرض الأمس للفيلم المنتظر لم يخيب الآمال. استقبل بحفاوة ولهفة، وحين انتهى العرض لم يغب أي قسط من الحفاوة أو من اللهفة... بل همس كثر بأن جائزة أفضل تمثيل رجالي، على الأقل، وجدت مستحقها في شخص ديل تورو، الذي رسم بملامحه وقوة شخصيته وظرفه، صورة للبطل الشهير أتت أكثر من طبيعية في الوقت نفسه الذي أمعنت فيه رسماً للبعد الأسطوري للشخصية.

إبراهيم العريس

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...