صحافيون في مهب أهواء المسؤولين والمجتمع

24-07-2007

صحافيون في مهب أهواء المسؤولين والمجتمع

الجمل – حسان عمر القالش : تعالي يا صحافة ولا تأتي, فالناس يتمنعون عليك وهـم راغبون, ولا نعلم من يقول عن الحال: "فالج لا تعالج"؟ أنت أم هم؟.. هذا هو الموال الشعبي الذي يغنيه كثير من السوريين للصحافة في بلادهم . فعلى المشتغل فيها أن يسير ويعيش بين الناس و المؤسسات الحكومية متلونا كالحرباء, أو مرتديا طاقية الاخفاء اتقاء للجهل وعدم معرفتهم الكافية بمهنته, و الكثير من الأفكار الخاطئة عنها .. والشك والريبة و الخوف منها..هكذا الى أن نصل في بعض الأحيان الى..احتقارها. رغم أن الجميع ينادي بضرورتها وبحاجتنا اليها!!
يطلب أحد الزملاء من صديق له أن يعيد عليه ماقاله ليلة أمس في تعليق على احدى الخبريات المتداولة في المدينة حول موجة جديدة لانحراف الوعي الشبابي, موضحا بأنه لايريد أن يأخذ "تصريحا" منه وباسمه, بل مايريده هو "الفكرة" فقط ,أن يذكّره بها عله ينتفع بها في مقاله, فيعتذر الصديق صاحب الرأي قائلا بجديـّة قاطعة "هيك صعب"!! واذ بوجه زميلنا تكسوه علامات التعجب والاستفهام, فيتساءل ماالذي جرى له ليمتنع عن كلام "عادي جدا" سبق له قوله؟!!
يأتي الجواب والتفسير من "واقع وحياة" هذه المهنة الرسالية : من الأرض التي يصطاد فيها الصحافي الأخبار والصور.  فأي كلام يقال في سياق دردشة أو ثرثرة أو تقطيع وقت هو من نوع الكلام الذي "ما عليه جمرك" أي غير مسؤول وغير محاسب عليه, مع أنه كثيرا ما يكون ثاقبا ومعبـّرًا نظرا لتلقائية المتكلم وسلاسة الكلمات المعبرة عن "رأيه". أما عندما تطلب من المتكلم ذاته اعادة ما قال ويعلم بأنك "تضمر" فكرة مقال أو خبر أو تحقيق صحافي, فالأمر يختلف ويعود بأصحاب الألسن المنطلقة الى الخوف المبرر بـ"حكمة" السكوت الذهبي.
تماما كما صار من الطبيعي أن تلاحظ بعض الناس في الأماكن العامة, وقد استلـّوا هواتفهم النقالة ليلتقطوا بكاميراتها الصور "عن حل وجنب" أي كيفما أرادوا, لكن أن تستأذن أحدا ما أن يسمح لك بالتقاط صورة لغاية صحافية, سيجعله يلبس وجها بعينين مرتابتين فاحصتين, أو سيقول بلهجة شامخة سامحة " اذا كنت ستكتب عني بالحسن والمنيح ما في مانع" كما حدث لأحد الزملاء مرة على شاطئ البحر. فيكاد السوري أن يضع على صدره لافتة تقول "مواطن..ممنوع الاقتراب والتصوير".
عندما دخلت زميلة  الى مدير مؤسسة من كبريات مؤسسات البلاد لتأخذ تصريحا منه حول عمل هذه المؤسسة "اللافت والجبار" في أثناء ظرف صعب اقليميا, طلب أن يرى "البطاقة", ولما كانت نقابة الصحافة عندنا لا تستقبل الصحافيين المستقلين في "جنّتها" , ولا تعترف بأحد من صحافيي سوريا لا يكتب في صحفها الرسمية, أعطته بطاقة العمل الصادرة عن الوسيلة التي تكتب لها, فرضي المدير بالكلام مع تحفظه على أن البطاقة قد انتهت مدتها..
هنا تبرز احدى اشكاليات العمل الصحافي, فاذا كان من المقبول أن يحرص السيد المدير وأي مدير على خصوصية وحساسية مؤسسته, فهذا المنطق يطبق بشكل استنسابي وكيفي بحت, فاما أن يمنع الصحافي أو يعامل بطريقة غير لائقـة اذا أراد التواصل مع هذه المؤسسة,  ومع عدم الاعتراف الرسمي والنقابي سيكون قد "بلع الموس على الحديّن" كما يقال.فالبطاقة الصحافية هي  "نظريا" ضرورة من ضروريات هذه المهنة, فاذا ما اشتــدّ الشارع أو المسؤول يوما في وجه الصحافي, ما عليه الا أن يخرجها من جيبه ويبرزها وكأنها تعويذة أو حجاب للحماية من......"سوء الظن".
هذا ما فعله السيد وزير ثقافة السوريين, في مقابلة صحفية – أبيض وأسود 10-6-2007 – عندما أرخى لخياله أن يوحي للرأي العام والقراء بأن من اشتغل من صحافيين في قضية دمشق القديمة يخدمون أعداء البلاد, فتكررت في أقواله كلمات ومصطلحات توجه بها اليهم مثل : ( أعلن شكي في بعض الكتاب.. وأشكك في نوايا هؤلاء الذين كتبوا ضد قرارات وزارة الثقافة..بعضهم ليسوا ذوي نوايا حسنة..أنا أعلن شكي بل اتهامي..أنا أشك بهذا الســعــار الذي ظهر عند بعض المهووسين الذين كتبوا في الصحافة بطريقة استفزازية..هذا الضغط الاعلامي الشديد الذي أصبح يشبه السعار وأعتقد أنه مشبوه) !
تمت هذه المقابلة في غمرة معركة صحافية نترك للأكاديميين تحديد ما اذا ماكانت من الطراز الأول أو ماقبل الأول, اذ يقال بأن هذه المعركة الصحافية قد أسست لمرحلة جديدة من الواقع الصحافي في سوريا الحديثة. فقد حملت على أكتاف الأقلام قضية هي بسيطة جدا بقدر ماهي حساسة جدا تتعلق بتخريب معالم دمشق القديمة و "مـد اليد" عليها,"نجح"حملتها الصحافيون – على حد اعتراف وزير الثقافة –واستطاعوا تركيز الأبصار والأفكار عليها, ورفع مستوى معرفة الرأي العام والقراء بدمشق القديمة ومن تكون بالنسبة لهم. ما أثار غيظ المسؤولين الحكوميين التنفيذيين ووزارءهم المعنيين, اضافة الى أسماء وأقلام تصنف نفسها بأنها من "المعارضة" فاتفق الاثنان لاشعوريا على تشويه هذا العمل الصحافي. ولن نزيد في هذا الموضوع كي لا نتحول الى "عائلة فستق" تمدح نفسها.
وتأتينا وكالتنا الاخبارية العتيدة "سانا" بخبر عن أننا, أو الأصح "أنها" بمن تمثل, أي "الصحافة الرسمية",قد صنفت من بين الدول "الثلاث الاولى فى احترام حرية الصحافة وافساح الحرية للصحفيين وتقديم الخدمات لهم" عربيا!! فمن أمثلة "الاحترام" اضافة الى كلام السيد الوزير فوق, نذكر باقة الاهانات التي توجه بها المدير العام للآثار والمتاحف الى رئيس تحرير "الجمل" الزميل نبيل صالح بصفته الشخصية والاعتبارية, وكذلك تعرض زميلنا يامن حسين للفصل  من الجامعة على خلفية مقال صحفي. ومن الخدمات نذكر مثلا "قانون المطبوعات" الذي يساوي الصحافي بالمجرم الجنائي, وعدم اعتراف المؤسسات الحكومية والرسمية بالصحافيين المستقلين, وتطنيش نقابة الصحافيين لهم, على الرغم من أنهم من الزبائن المداومين على قراءة مواد وأخبار هؤلاء المستقلين.
ووصلنا مع الزمن الذي تتكرس فيه معالم "الطبقية" في مجتمعنا, الى مستوى احترام يجعل هذا المجتمع  بطبقتيه – الوحيدتين – من أثرياء و دراويش, ينظر الى الصحافة والصحافيين نظرات دونيـّة وتصغير؟ تصب كلها في خبرة اجتماعية تقول بأن هؤلاء "لا فائدة منهم"؟
كيف ستكون مثلا  نظرة الناس الى أحد الزملاء عندما كان محشورا مرصوصا في أحد السرافيس عائدا الى بيته, واذ بوكالة الأسوشيتد برس تتصل به لتستمزج رأيه في خبر من اختصاصه.. لا داعي هنا لرسم علامة الاستفهام فالمكتوب واضح من عنوانه.
فلكي تتطور صحافتنا ويعرفها الناس أكثر وأعمق "لا بد", وكما قال الرئيس مؤخرا " من التوقف بعناية.. عند البنية الثقافية السائدة والذهنية التى تحكم تصرفات البعض منا والتقاليد السلبية التى لا تشجع على المبادرة والابداع"..


الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...