سوريون يغيِّرون نظرتهم الى مفهوم العيب

24-10-2006

سوريون يغيِّرون نظرتهم الى مفهوم العيب

كانت الطالبة السورية فريال تعيش حال إحباط بسبب تعقد أمور حياتها قبل زيارتها الأولى للعاصمة الألمانية برلين بقصد تعلم اللغة الألمانية. غير أن هذه الزيارة قلبت عالمها رأساً على عقب. قبل سفرها كانت الطالبة المتحدرة من عائلة فقيرة أسيرة ثقافة العيب تجاه القيام بأعمال معينة من أجل تأمين مصروفها خلال الدراسة الجامعية. «ليس من المعقول أن يقوم طالب جامعي بأعمال وضيعة مثل تنظيف البيوت والمكاتب»، يقول زميلها أيمن.

في برلين وجدت فريال لدى الطلاب مفهوماً مختلفاً تماماً عن العمل. أول ما يلفت زائر جامعة الهومبولدت العريقة «بازار» للكتب يحتل مدخلها الرئيس نهاية كل أسبوع وخلال أيام العطل. ويقيم هذا «البازار» طلاب وطالبات يحاولون من خلاله تأمين مصروفهم الدراسي أو جزء منه على الأقل كما تقول طالبة الحقوق كارمن فورستر. أما الكتب المعروضة فتشمل إضافة إلى مختلف التخصصات مراجع علمية وأدبية قيمة تباع بأسعار بخسة للغاية، ويؤمنها طلاب وأساتذة لم يعودوا بحاجة اليها كما تقول كارمن.

وإذا كان بيع الكتب يؤمن دخلاً لعدد من طلاب الجامعة فإن غالبيتهم تؤمن دخلها من أعمال أخرى إما بطريقة شخصية أو من خلال الصحف ومؤسسة التشغيل الجامعي توسما TUSMA. وتلعب الأخيرة دور الوسيط بين الطالب ورب العمل في مدينة برلين وجوارها. أما اللافت في هذه المؤسسة التي تدعمها إدارة الجامعة وبلدية المدينة ومكتب العمل وهيئات أخرى فهو تأمينها معظم الأعمال بحسب رغبة الطالب أو ميوله.

ويقول الطالب المغربي يوسف مقدسي: «عندما يتصل محام بتوسما ويطلب شخصاً لتنظيم أرشيف مكتبه مثلا تكلف المؤسسة طالب حقوق بهذا العمل، أما إذا اتصل صاحب حديقة لتشذيب حديقته فترسل المؤسسة له طالب هندسة زراعية وهكذا دواليك». أما الأعمال الأخرى المطلوبة مثل أعمال التنظيف وتلك المتعلقة بتغيير السكن أو المخازن التجارية فيتم تكليف الطلاب بها بحسب دورهم وبغض النظر عن اختصاصاتهم. ويقوم طلاب جامعات برلين بها من دون تأفف أو تكبر بغض النظر عن الفئة الاجتماعية التي ينتمون إليها لأن ثقافة العيب تجاه بعض الأعمال ليست موجودة بالشكل الذي نعرفه في بلداننا. فجميع الطلاب هناك سواء كانوا أغنياء أم فقراء لا يترددون في القيام بأعمال معينة لأن أي عمل في نظرهم يخدم هدف اعتماد كل منهم على نفسه في بناء مستقبله. ويعتبر هذا الهدف حلم كل طالب بغض النظر عن أحوال عائلته المادية.

فريال التي أعجبت بنظرة طلاب برلين المحترمة إلى العمل قررت خوض تجربة مماثلة في بلدها سورية، وبدأت البحث عن عمل يعينها خلال دراستها. وبعد بحث طويل وجدت مجالاً لكسب بعض المال من خلال تنظيف البيوت والمكاتب. وعلى رغم الانتقادات التي وجهها اليها أصدقاؤها وزملاؤها وجيرانها بسبب هذا العمل، الا انها استمرت فيه إلى جانب دراستها. وقالت: «لم أكن لاتخذ قراراً كهذا لولا زيارتي المانيا وإطلاعي على السبل التي يتبعها الطلاب لتأمين مصاريفهم».

وتضيف فريال: «اكتشفـت أن العمل ليس قيمة ماديـة فـقـط، فهـو يصقـل شخصية الإنسان ويغير نظرته إلى الحياة، بمعنى إنه يقربه من الواقع ويبعده عن أوهام كثيرة يكتسبها من محيطه».

ومن حسن الحظ ان بعض أصدقاء فريال أظهروا أخيراً قناعة بما تقوم به مثل زميلها طارق الذي ينتمي بدوره إلى عائلة غير ميسورة. فبدلا من اعتماده على مصروف الجيب الذي لا يكاد يسد الرمق بادر الى البحث عن عمل ووجده في محطة للوقود. وتمكن طارق بفضل هذا العمل من تأمين مصروفه إضافة إلى مساعدة أخوته الصغار في تأمين بعض حاجاتهم المدرسية، وهو أمر أثار سرور والديه الذين شكروا فريال على تأثيرها الإيجابي فيه. وعلى منوال فريال وطارق يتجه المزيد من معارفهما يوما بعد يوم للبحث عن عمل رغم قلته.

سنام مثلا زميلة فريال وطارق قرأت إعلاناً في جريدة محلية يطلب فتاة للعناية بطفل مقعد من خلال صحبته للتنزه مقابل أجر جيد جداً. فما كان منها إلا أن وافقت على العرض رافضة الاستماع إلى نصائح صديقاتها بأنه عمل غير لائق بها.

عفراء محمد

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...