زينب بنت جحش

08-10-2006

زينب بنت جحش

كانت زينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر الأسدية حفيدة عبد المطلب ابن هاشم من جهة أمها أميمة - من أجمل النساء خلقا وأحسنهن خُلقا ، وأذكاهن نفسا وأطولهن يدا في البذل والانفاق ، وكانت رضي الله عنها نقية السريرة حميدة السيرة بين أهلها وجيرانها ، زاهدة في الدنيا لا تمد عينيها الى ما في أيدى الناس من متاعها الزائل وزخرفها الفاني.
تقضي أوقاتها في طاعة الله عز وجل ، قد عصمها الله بدينها عن الخوض في عرض عائشة مع الخائضين. قالت عائشة رضي الله عنها: "لم أر امرأة قط خيرا في الدين من زينب ، وأتقي لله ، وأصدق حديثا ، وأوصل للرحم ، وأعظم صدقة ، وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذى يتصدق به ويتقرب به إلى الله عز وجل".
ولقد أثنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثناء حسنا ، فقال لعمر بن الخطاب رضى الله عنه: "إن زينب بنت جحش أواهة". فقال رجل: يا رسول الله: ما الأواه؟ قال: الخاشع المتضرع. ثم تلا عليه الصلاة والسلام "إن إبراهيم لحليم أواه منيب".
ولم تكن رضي الله عنها ذات مال ورثته عن أحد من أبويها ، ولكنها كانت تصنع ما تبيعه ، وتتصدق بثمنه على الفقراء واليتامى والمساكين ، ولو شاء الناس للقبوها بأم المساكين كما لقبوا زينب بنت خزيمة ، ولكنهم عرفوا لها فضلها فلقبوها بألقاب أخرى لا تقل عن هذا اللقب شرفا ، ووصفوها بما هي أهله ، فكان يقال لها: الصوامة القوامة ، الصناعة المتصدقة.
ولقبها النبي صلى الله عليه وسلم بالأواهة ، ووصفها بأوصاف أخرى. وزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم مولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه ، وكان زيد من أسبق السابقين إلى الإسلام ، وذا قلب سليم وعقل رشيد وشجاعة نادرة ، وله خبرة واسعة بفنون الحرب والقيادة ، فما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم سرية كان فيها زيد إلا جعله أميرا عليها.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يواليه ويواسيه ، ويرفع من روحه المعنوية ، ويعطيه حقه من التبجيل والتحية. وقد بالغ النبي صلى الله عليه وسلم في إكرامه فزوجة ابنة عمته زينب ، فبرمت زينب بهذا الزواج وكرهت أن يكون زيد زوجا لها ، وتعالت عليه بنسبها وجمالها ، وأعلنت ذلك لأقرب المقربين إليها. فأنزل الله قوله تعالى: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا سورة الأحزاب الآية36.
فرضيت به طاعة لله ورسوله ، لكنها كانت تؤذيه بلسانها أحيانا ، فاشتد عليه ذلك فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة يشكو إليه ويستشيره فى طلاقها فيقول له الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم: "أمسك عليك زوجك".
وظل زيد يعاني من صدودها عنه ، وايذائها له حتى أذن الله فى طلاقها. فلما انتهت عدتها منه زوج الله رسوله إياها في آيات بينات من سورة الأحزاب ، وعاتبه فى استحيائه من زيد حين كان يقول له: أمسك عليك زوجك ، وهو يعلم أنه سيطلقها حتما وسيزوجه الله إياها. قال الله عز وجل: وإذ تقول للذى أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج فى أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا .
واستأنفت زينب بنت جحش رضي الله عنها حياتها في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي ظله وحمايته تنعم بقربه وجواره ، وتمتع ناظريها بالنظر إليه صباح مساء ، وتنهل من معين علمه ما شاء الله أن تنهل.
فرح النبي صلى الله عليه وسلم بزواجه منها ، وأولاها عناية خاصة ، وغمرها بعطفه وحنانه ، وعرف لها قدرها ومكانتها. فقد كانت مثال الخلق الفاضل والكمال الوافر والسلوك النبيل.
واستقبلتها أزواجه رضي الله عنهن استقبالا حسنا ، ودعون لها بالبركة ، ولكن بعضهن قد وقع في قلوبهن شيء من الغيرة لجمالها وشبابها. فعائشة رضي الله عنها كانت تقول: "لم تكن واحدة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم تناصيني غير زينب".
ويذكر التاريخ لزينب بنت جحش موقفها من حديث الإفك ، وهو من أعظم المواقف في الأزمات والظروف الحالكة التي يختلط فيها الحق بالباطل ، ولا يتميز فيها الصدق من الكذب. روى البخارى ومسلم في صحيحهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش عن أمري ، فقال لزينب: "ماذا علمت أو رأيت؟". قالت: يا رسول الله ، أحمي سمعي وبصري ، والله ما علمت إلا خيرا. قالت عائشة: وهي التى كانت تسامينى من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع وطفقت أختها حمنة تحارب لها ، فهلكت فيمن هلك".
عصمها الله تعالى بدينها ، إذ كانت رضي الله عنها صالحة تقية ، ورعة عفيفة اللسان ، لا تقول إلا خيرا ، ولا تتدخل فيما لا يعنيها ، قد اجتمعت فيها شعب الإيمان كلها ، والتقت أوصاف المؤمنين جميعا عندها.
كانت زينب رضي الله عنها سباقة إلى الخير ، صناعة للمعروف لا تدخر لنفسها إلا بقدر حاجتها الملحة من الزاد ، لهذا أحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس هناك صفة أعظم من الكرم ، فالكريم قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة.
وروى مسلم في صحيحه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرسل إليها عطاءها اثني عشر ألفا ، فجعلت تقول: "اللهم لا يدركني هذا المال في قابل ، فإنه فتنة ثم قسمته في أهل رحمها وفي أهل الحاجة ، فبلغ عمر ذلك فوقف ببابها وأرسل إليها بالسلام وقال: "بلغني ما فرقت ، فسأرسل ألف درهم تستبقينها ، وأرسل الألف ، فتصدقت بها جميعا ، ولم تبق منها درهما".
وحين حضرتها الوفاة سنة عشرين قالت: إني قد أعددت كفني ، وإن أمير المؤمنين سيبعث إلي بكفن فتصدقوا بأحدهما وإن استطعتم أن تتصدقوا بحقوى - أى بإزارى - "فافعلوا". وصلى عليها أمير المؤمنين: عمر بن الخطاب ، وشيعها أهل المدينة إلى البقيع ، فكانت أول من مات من نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعده ، وأسرعهن لحاقاً به.

أماني أحمد

المصدر: الأهرام

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...