ريف دمشق: جوع شعبي وتخمة مسلحة

29-05-2014

ريف دمشق: جوع شعبي وتخمة مسلحة

يُظهِر أحد المقاطع المصورة في مخيّم اليرموك، جنوبي دمشق، مراحل تكفين أحد المسنين الذين قضوا جوعاً. يظهر في المشهد شاب في مقتبل العمر، يتمتع بعافية جيدة، يقف أمام الجثّة التي بدا عليها النحول الشديد، وهو يتلفظ بعبارة «حسبي الله ونعم الوكيل»، وقد بدت عليه ملامح الاستياء. «هكذا هو المشهد في مخيّم اليرموك»، يقول عمرو شهاب، الناشط الفلسطيني في مجال الإغاثة: «وراء الكاميرات التي تصور من يموتون جوعاً، ووراء متاريس جبهة النصرة وأكناف بيت المقدس، يقف أشخاص لم يعرفوا الجوع طيلة فترة الحرب».

يتكرّر المشهد في مختلف مناطق ريف دمشق التي يتدرج مستوى المعيشة فيها على نحو شديد. يأتي مقاتلو «جبهة النصرة» في أعلى سلّم المعيشة، إذ يتقاضى هؤلاء مبالغ من تنظيمهم تمكّنهم من شراء حاجياتهم بأسعار باهظة في المناطق المشتعلة من ريف دمشق. «لا يشكل مبلغ 500 ألف ليرة سورية (حوالى 3000 دولار)، وهو ثمن كيس أرز زنته 50 كلغ في مخيّم اليرموك، أي مشكلة لدى مسلّحي النصرة. هم، بأموالهم الطائلة، لا يبذلون جهداً يذكر لتأمين طعامهم وشرابهم»، يضيف شهاب. يليهم في الترتيب عناصر «جيش الإسلام» (التابع للجبهة الإسلامية) الذين يتوزع معظمهم في الغوطة الشرقية. فهؤلاء أيضاً يتقاضون مبالغ طائلة من قياداتهم، ولكن ليس في كل المناطق، أكثرهم «دلالاً» مسلّحو مدينة دوما، المعقل الرئيسي لـ«جيش الإسلام» (لكوْن قائد «الجيش» العسكري، زهران علوش، من دوما)، فيما ينخفض دخل المسلّحين في المناطق الأبعد في عمق الغوطة الشرقية، يقول شريف النابلسي، المقرّب من «الجيش الحر».

تجار دفعوا مسلّحين إلى إفشال عمليات توزيع المساعدات

ويضيف: «في البلدات الأصغر في الغوطة الشرقية، معظم المسلّحين المحليين انضمّوا إلى جيش الإسلام بسبب ضيق الحال، في إطار اتفاقات حُدّدت فيها المساعدات التي يتلقونها من قيادة التنظيم». أما مقاتلو «الجيش الحر» فهم «الأكثر فقراً، وغالباً ما يحصلون على مواردهم من السرقة، في حين يمتنع مقاتلو جبهة النصرة وجيش الإسلام عنها». ولكن السبب، برأي النابلسي، هو أن التنظيمين الأخيرين «لا حاجة لهما الى سرقة الفقراء، ما داما يتلقيان أموالاً طائلة من الخارج، الأمر الذي يتيح لهما التعالي على الذين جوّعاهم بأخلاقيات زائفة، كإقامة الحدّ على السارقين».
ودرجت العادة لدى مسلّحي «جيش الإسلام» و«جبهة النصرة» على إقامة الولائم في لقاءاتهم المشتركة، أو في مناسباتهم الخاصة، كالإعلان عن نصر ما، أو تأسيس تشكيل عسكري جديد، أو اندماجه مع آخر، «فيما يخيّم الجوع على الأهالي على بعد عشرات الأمتار فقط منهم». وتظهر إحدى الصور المتداولة على صفحات التواصل الاجتماعي وليمة لمقاتلي «الجبهة الإسلامية» يتناولون فيها طعاماً فاخراً في مخيّم اليرموك، في وقت كانت فيه المجاعة هناك على أشدّها.
المدنيون، في المناطق «المحرّرة»، يأتون في أدنى درجات السلّم الاجتماعي، «فمعظم هؤلاء ظلّوا في مناطقهم لأن لا طاقة لهم على تحمّل أعباء النزوح». شبح المجاعة بات يتهدّد هؤلاء في غير منطقة من ريف دمشق. فمع انقطاع الأغذية عن المناطق التي يعيشون فيها، وغلاء أسعار المواد المهربة، التي تَرد عادةً إلى «المسلّحين المرفّهين ذوي الأموال الكثيرة»، تغدو حياة هؤلاء أشبه بالموت. «حتّى المساعدات التي سعت الدولة إلى إدخالها يستولي عليها أصحاب القوة في تلك المناطق»، يقول ناشط في الهلال الأحمر السوري، إذ يوجد نوعان من المسلّحين الذين يمنعون وصول الأغذية إلى مستحقيها، أوّلهما: المسلحون الجائعون، وثانيهما: المسلّحون الذين يربحون من عملية تهريب الطعام.
فقد أدى إدخال المساعدات في العديد من المناطق، إضافة إلى «التصدّق» على الجائعين من الجهات الخيرية، إلى «كسر أسعار السوق السوداء، الأمر الذي حدا ببعض التجّار إلى دفع بعض المسلّحين المتعاونين معهم الى إفشال عمليات توزيع المساعدات».
وفي نهاية المطاف، يتحوّل أصحاب الأمعاء الخاوية إلى مادة إعلامية لدى المسلّحين، وبالأخص من قضوا جوعاً، «فيخرجون في تشييعهم بالمئات، ويتناقلون صورهم على عشرات الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي؛ كل ذلك بعد موتهم، أما قبله فلا يتصدقون عليهم بكسرة خبز واحدة».

ليث الخطيب

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...