دور الدين في الأزمة السورية

06-12-2011

دور الدين في الأزمة السورية

يقول نزار قباني: " ما دخل اليهود من حدودنا, وإنما تسربوا كالنمل من عيوبنا"، من على طاولة الحوار وضمن الآداب العامة تحدث يزن ابن الواحد والعشرين عاماً عما يراه حاجات الشباب السوري في ظل الأزمة مطالباً بضرورة الانتماء للوطن أولا، وإعادة هذا الانتماء لموقعه الصحيح عبر تطبيق عملي لعلمانية الدولة السورية وفصل الدين عن السياسة والتربية ومختلف نواحي الحياة حيث استغل الدين لتحقيق غايات سوداء هدفت إلى تفتيت المجتمع السوري داخلياً, ومن غير الممكن حسب رأيه أن نكون شركاء في الوطن متساويين بالحقوق والواجبات في ظل مادة دستورية تحدد دين رئيس الجمهورية وتعتبر الدين مصدرا من مصادر التشريع.
لكن الرد كان حاضراً من أحد الشيوخ المدعوين للحوار أيضاً حيث نعته وجيل الشباب بأكمله بأنه لا دين له ولا أخلاق وكلامه جاء بدون وعي ولا تفكير فما الذي أخطأ به يزن ليقرع ويمنع من الرد أو توضيح وجهة نظره.
ما دور الدين في الأزمة التي تعيشها سوريا؟ وهل من يجرؤ على مواجهة المذهبية المتصاعدة؟ وهل تقوم التظاهرات بالتحريض المذهبي؟، وهل المطالبة بالتحول إلى العلمانية أمر مرفوض من المجتمع السوري؟
للإجابة على هذه التساؤلات، استطلعنا آراء شرائح مختلفة من المجتمع السوري في المناطق التي شهدت احتجاجات، ولا سيما في ريف دمشق، التي نالت النصيب الأكبر من الحركات الاحتجاجية والتظاهرات، الى تحولت أحياناً الى تظاهرات مسلحة، بعد كل صلاة جمعة انطلاقاً من المساجد.
محمد. ب : "من سكان منطقة كفر بطنا (ريف دمشق) رأى أن خلط الدين بأمور الحياة الأخرى يساعد في الحفاظ على الأخلاق العامة، "فالدين يشكل رادعاً ولابد من وجوده"، وحول دور الدين في الأزمة قال: "ليس خروج المظاهرات من الجوامع يعني أن الدين هو السبب لكن وبما أن الجامع هو بطبيعة الحال مكان لتجمع الناس، فإن ذلك يساهم في دفع المظاهرات وتقويتها مع تأكيدي ألّا دخل للدين بما يجري، فنحن في منطقتنا لم يخرج أحد بتحريض من الشيوخ، ولو أن أحد الشيوخ دعانا للخروج والجهاد فسترون ما لم يحدث من قبل".
بدوره ياسر.ع من أهالي حرستا سائق سيارة أجرة قال: "لم نكن ندري في بداية الأزمة ما الذي يجري ففي أحد أيام الجمعة وبعد انتهاء الصلاة وقف عدد من المصلين ودعوا للتكبير فوقف والدي المسن وأخذ يكبر دون أن يدري ما الذي يحصل"، يتابع ياسر : "لماذا يستخدمون بيوت الله للمطالبة بالحرية إن أرادوا حرية فليخرجوا إلى الشوارع وليطالبوا بها فلا يقوموا بالاحتماء بالكبار والشيوخ وطهارة المساجد".
أما رمضان. ا فروى لنا كيف دعوه رفاقه للخروج معهم للتظاهر وعندما سألهم عن سبب ذلك أجابوه بأن الشيخ قال لهم بأن التظاهر هو "جهاد" وأجره وثوابه يوازي أجر المجاهدين، وبأنهم إن خرجوا وأصابهم مكروه فسيتولى الشيخ إعانة أسرهم.
وعن رأيه بدور الدين في الأزمة قال: " لقد قام أصحاب المؤامرة على سوريا باللعب على الوتر الطائفي واستغلاله فقد كان تحريضهم في البداية يقوم على سؤال "كيف تقبلون بالحكم العلوي و أنتم أهل السنة أكثر عددا وأولى بالحكم" وأنا شخصياً تعرضت لهذا السؤال كثيراً من أصدقائي حتى أن أحدهم قال لي وبلهجة غاضبة نحن أهل الشام نريد رئيسا سنياً شامياً حصراً".
وتابع رمضان: "نحن في سوريا مزيج متنوع من كل الأديان والطوائف والأعراق والفكر الطائفي موجود لكنه خامل ومع بروز الأزمة نشط الفكر الطائفي الإقصائي وتعمق وأخذ أبعاداً خطيرة جدا لم تكن بالحسبان".
ففي حمص وإدلب وحماه وجسر الشغور انتشرت الفوضى الطائفية من خطف إلى تهجير للكثير من سكان القرى بحجة عدم انتمائهم لطائفة معينة وصولا إلى القتل والتنكيل.
عبادة . م من سكان دمشق الأصليين منطقة الصالحية تحدث بحسرة عما كان يعني له يوم الجمعة وما الذي أصبح اليوم فقال: " كانت أيام الجمعة هي أيام خير وبركة ومحبة أما اليوم فبتنا نكره أيام الجمعة وفي معظم الأحيان لا ننزل لنصلي في الجوامع خوفاً من حدوث مشاكل عندها "يذهب الصالح بالطالح" حسب تعبيره.
العلمانية ومستقبلها
قال فراس ديبه 34 عام خريج هندسة حاسبات بجامعة حلب: " إن علمانية الدولة السورية تعني عدم دخول الإسلام السياسي في الحياة العامة في سورية، فالدولة لم تتدخل بالحياة الدينية و على العكس سورية لا يمكن أن تعتبر علمانية بالمفهوم المطلق لأن المادة الثالثة في الدستور تنص على أن الفقه الإسلامي هو مصدر التشريع، كما تنص على أن رئيس الجمهورية مسلم و بالتالي لا يمكن اعتبار سورية دولة علمانية بالمطلق. فالدولة العلمانية تقتضي فصل الدين عن الدولة تشريعاً و سياسة و قضاء وهذا الشيء غير موجود في سورية لذلك سورية دولة علمانية في السياسة فقط ، فحتى في الاقتصاد لدينا اقتصاد إسلامي" يتابع ديبه: "بغض النظر عن موقفي الشخصي فالتحول إلى العلمانية المطلقة في التربية والمدارس أمر مستحيل لأنه من غير الممكن للسلطة أن تفرض على الناس أن يورثوا أو بالمثلية الجنسية"الذكر مثل الأنثى، ومن غير الممكن أيضاً أن تمنع تعدد الزوجات أو أن تسمح بالحرية الجنسية الشخصية .
وأضاف ديبه: "إن أي سياسي يفكر في سورية أن يغير بحكم الشرع الإسلامي فهو ينتحر سواء كان بالسلطة أو بالمعارضة فشارعنا ملتزم دينيا بالعموم و الفئة اللي تطالب بالعلمانية هي أقلية مثقفة، حتى أن هناك كثر من المطالبين بالعلمانية هم في الحقيقة لا دينيين الأمر الذي أعتبره شخصياً "اللا دينية" هي دين أيضاً، أنا مع العلمانية المعتدلة يعني أن يكون هناك محاكم مدنية إلى جانب المحاكم الشرعية، لكن ما يجب تطبيقه قبل العلمانية هو تكريس المواطنة فنحن لم نصل لمرحلة نفهم المواطنة كحقوق وواجبات متساوية حتى نتحدث بعلمانية وبالتأكيد أنا مع العلمانية إذا كان تطبيقها لا يحدث شرخ كبير بالمجتمع السوري لذلك المواطنة أولا و المرحلة الثانية هي العلمانية".
بدوره همام كدر ابن مدينة حمص التي تشهد إلى اليوم أحداثاً طائفية دامية استخدم التنوع الطائفي لهذه المدينة بشكل واضح في تأجيج الاقتتال من خلال استخدام المساجد للتحريض والمنابر للدعوة إلى الجهاد ضد الجيش وقوى الأمن وظهور أعداد كبيرة من السلفيين وأفعالهم التي تدل على فكرهم من خلال التمثيل بالجثث والذبح والتقطيع يقول همام: "العلمانية تعني دولة مدنية ليست محكومة بشريعة دينية معينة هذا معنى قانوني لكن الكلمة مجازاً تعني انفتاح البلد على الآراء كلها والتحول العلماني يحتاج إلى تحول بطريقة التفكير وهذه غير ممكنة" .
وعما إذا كان يوافق على فكرة إلغاء الدروس الدينية من المدارس واستبدالها بدروس الأخلاق يقول همام: "طبعا أنا مع هذه الفكرة لكي يبقى المجتمع".
في حين ترى ياسمين حناوي في "العلمانية تطبيق القوانين والتشريعات بدون الاحتكام لشريعة دين ما ولا تفرض على الشعب تطبيق تشريعات دينية ما، أي أن سوريا تعد إلى حد كبير من الدول القليلة العلمانية وأهم شيء أنها تقوم على مبدأ "دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر"
وتتابع ياسمين: "من المفترض ألا يتدخل رجال الدين إلى حد كبير بالحكم السياسي والعكس صحيح. أنا أؤمن بالتعددية الدينية وبوجود مختلف الطوائف وبممارسة كل طائفة لحريتها الدينية".
وعما إذا كان الدين قد لعب دورا بتأجيج الأزمة السورية الراهنة تقول ياسمين: "للأسف نعم كان للدين دوراً بتأجيج الأزمة عندما تم النظر للنظام الحاكم من منظور طائفي وليس سياسي ، وصار التعصب الديني يدعو الناس للجهاد ضد هذا النظام، كما سمعنا الكثير من المقولات على ألسنة من سموا أنفسهم "ثوار" بأن سوريا القادمة هي سورية إسلامية وأن الأغلبية السنية يجب أن تحكم".
وتبين هذا الشيء أكثر مع صدور فتاوى من شيوخ لهم مكانتهم في الوطن العربي مثل: (شيخ ومالو) تدعوا للزحف والجهاد في سوريا وتحرير الشعب السوري على حد قولهم، والشيخ عدنان العرعور الذي يخرج بشكل متكرر على قناتين تلفزيونيتين ويكيل الشتائم ويغذي المذهبية والطائفية في الشارع السوري عبر خطاباته الطائفية.
وأضاف: "دور علماء الدين هو «الدعوة الطيبة والموعظة الحسنة والحفاظ على المساجد والهدف الذي أسست له بعيدا عن استغلالها لأي هدف دنيوي». وقال: «لا عبادة في غياب الأمن ومحاربة الفكر التكفيري المتطرف والدعوة إلى الإصلاح ومتابعة الفتاوى التحريضية التي يحاول بعض الدعاة إطلاقها من خارج سوريا وبيان بطلانها وزيفها».

في حين يشكك أولئك الذين يسمون أنفسهم "ثوار" على صفحات «فيس بوك» بالدور «السلبي» الذي يمارسه غالبية أئمة المساجد، ويعتبرونهم «موظفين لدى الحكومة ويتقاضون رواتبهم من وزارة الأوقاف»، كما يتهم بعضهم بأنهم «مخبرون» لدى النظام. وقد وضع أسماء عدد منهم على قوائم العار كما يقولون، كما يواجه الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي حملة من ناشطين "الفايسبوك" تكاد تقضي على شعبيته التي كان يتمتع بها، وذلك لوقوفه إلى جانب النظام ضد المتظاهرين، الذين قال عنهم إن «جباههم لا تعرف الصلاة» .
التجربة الماليزية
بدوره الدكتور علي الشعيبي الأستاذ في قسم الاتصال الجماهيري قال: "المشكلة هي أن الدين لعب دوراً سلبياً في الأزمة وينقسم السبب في ذلك إلى قسمين فأولاً هناك تقصير كبير جداً من المسئولين عن الأوقاف والمشايخ ورجال الدين فالمسئولين السياسيين لم يستطيعوا إعطاء الجانب الديني اهتماماً ولم يستفيدوا من التجارب المتاحة أمامهم كالتجربة الماليزية.
فالمؤسسات الدينية في ماليزيا تابعة للدولة مثلها مثل مديريات التربية والزراعة وغيرها أي أن الدولة مسئولة عنها بشكل رسمي أما نحن فالمساجد والخطاب الديني تابع شكلياً للدولة ولذلك لم تستطع الدولة وبتقصير منها وهذا ما أقره سماحة المفتي أحمد بدر الدين حسون الأسبوع الماضي حيث قال: "إنه لو لم يكن هناك تقصير من الحكومة و عدم الوعي في نشر الثقافة و المناعة التي ساعدت على وصول الأفكار السوداء إلى عقول أبنائنا لما كان وجد العرعور وغيره رغم أننا صرفنا المليارات و الملايين على بناء المساجد و الشبيبة و الطلائع لكن الخطأ أننا لم ننشر المناعة الكافية و كلنا نتحمل المسؤولية سياسيين و وتربويين و رجال دين .."
ويضيف الشعيبي: "نحن نتحدث عن التقصير الذي قامت به الدولة منذ أربعين أو خمسين عاماً حيث لم تعط لهذا الجانب أهمية وتركت الشأن الديني للمشايخ والعلماء وربت رعيلاً كبيراً منهم لم يلتفتوا إلا إلى مصالحهم الخاصة فأسسوا رساميل وشركات فما كانوا يلتفتوا إلى الشارع الديني وكانوا موقرين ومحترمي الجانب من قبل الحكومة".
يتابع الشعيبي: "سوريا أكبر بلد متدين بالعالم حيث يعطى فيه 400 ألف درس ديني شهرياً وهذا الكم الهائل لا يوجه بشكل صحيح إلى التهذيب والأخلاق وقبول الآخر وإنما يوجه بشكل خاص وتنظيمي وبشكل مؤذي للدين والمتدينين، أما الآن لا وقت للمجاملة فالدين قائم في أوله وآخره على المحبة استغلوه هؤلاء للتجيش والتحريض على القتل ولكن أستغرب كيف يقابل المرء ربه يوم القيامة ويداه ملوثتان بدماء أخيه لا بل تشكلت فئة من الناس يعيشون على القتل ودم الآخرين لقد كنا ننظر إلى أفلام مصاصي الدماء وكنا نقول أنه نوع من الخيال المؤذي ولا يمكن أن يحصل ولكنه حصل والدين برئ من كل هؤلاء وأعمالهم وأفعالهم".
يتابع الشعيبي: "القسم الثاني هو أن الدين يقوم على المحبة بطيفها الواسع والوافر للحب أي أن نحب كل ما خلق الله هو الركن الأساسي في الحياة لتدوم وتستمر الحياة بشكل إيجابي، نعم فلدينا تقصير في المثاقفة الدينية والثقافة والتدين وأدارت الدولة ظهرها حيث شغل الخطباء في المساجد بالخطاب الديني المتخلف السلبي الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه من خلال خطبهم التي انحصرت في القصص و الحكايا فخطيب المسجد يبدأ خطبته الدينية كحكواتي وأصبح يقول: ذكر أن، وقيل، ويحكى أن، وروي أن، وهذا الخطاب السلبي أدى إلى انتشار السوء في التفكير الديني. واكد على ضرورة أن نأخذ بالتجربة الماليزية فهناك المسلمون والمسيحيون والبوذيون والسيخ واليهود والوثنيون وكلهم يعيشون جنباً إلى جنب تحت سقف وطنهم وهذا ما يفيدنا في هذه المرحلة علينا أن ننشر الحب والمحبة".
بدوره الدكتور محمد حبش تحدث عما يراه السبب الرئيسي لدور رجال الدين في الأزمة بقوله : " إنه نتيجة الأسلوب الأمني الذي كان يقيد كثير من الحريات ووزارة الأوقاف اتبعت هذا الأسلوب بشكل متشدد ومنعت رجال الدين من السفر ورصدت عليهم كلماتهم وحاسبتهم على كثير من أفكارهم واختارت الأوقاف تنميط المجتمع وأقصد إنتاج خطاب ديني واحد وفق رؤية وزير الأوقاف واستبعاد أي خطاب ديني آخر مهما كان متنوراً وكانت النتيجة أن جزء كبير من رجال الدين كانوا يشعرون بالمهانة لسلوك الأوقاف وعندما بدأت الأزمة اختار عدد منهم موقفاً مراقبا فيما اختار آخرون موقفاً مؤيداً للتظاهر.
وختم حبش بأن "التعامل مع الناس بغطرسة واستعلاء وتقييد حريات رجل الدين أعطى أثر بالغ السلبية وكان بإمكان طبقة رجال الدين أن تكون أكثر اهتماما بالاستقرار والهدوء لو أنهم حصلوا على حقوقهم من وزارتهم من احترام وكرامة".

آلاء زيني

المصدر: عربي برس

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...