حمص تضيع هويتها المعمارية

12-11-2006

حمص تضيع هويتها المعمارية

تعتبر الهوية المعمارية والنسيج العمراني لأي مدينة من عوامل الجذب السياحي الرئيسية فكثير من المدن اكتسبت جاذبيتها السياحية

من خلال تميزها بهوية معمارية واضحة وجذابة (مدينة سانتا بابرا في أمريكا التي تتميز بطابعها الاسباني,‏

وبلدة سولفنج ذات الطابع الهولندي في العمارة) وعلى لسان أحد المعماريين العرب المختصين في تخطيط المدن ورد:إن مدننا العربية تفتقد الهوية المعمارية رغم ثراء تراثنا المعماري, ثم يضيف: منذ عقود نتحدث عن هوية العمارة والمدينة, والأكثر غرابة أن بحثنا عن هذه الهوية لم يتجاوز الشكل ولم يتم البحث عن الآليات والعمليات التي تسبق إنتاج هذا الشكل لأنها الأساس الذي يحدد هوية هذا الشكل: فهل من مبرر لسؤالنا الآن لماذا وكيف أضاعت مدننا هويتها?!‏

البحث عن الهوية لم يتجاوز الشكل و جسور الحوار بين المواطن والمسؤول مقطوعة...نظام ضابطة البناء تجاهل البنية التاريخية لحمص القديمة ...العمارة بصمة وهوية وتاريخ لمرحلة زمنية ما ...‏

لاتفتأ وسائل الإعلام بمختلف أنواعها عن الخوض في حديث مكرور عن الغزو الثقافي الذي تتعرض له بلاد العرب والإسلام عبر دس السم في الدسم وفرض العولمة عابرة القارات والعقول والأرواح التي من المحتمل أن تغدو تميمة بين الجسد وملابسه, العولمة التي ينظر إليها البعض على أنها أفكار القوة التي تملك نماذجها الثقافية والحضارية التي تسير دائماً في اتجاه واحد فقط, والتي لا تسير مطلقاً في اتجاهين ذهاباً- إياباً إنها أكذوبة القوي على الضعيف واستدراجه إلى ساحات معقدة لايدرك عن قوانينها أي شيء, فهل تقتصر جهود الغزو الثقافي على التسلل إلى فلكلورنا الغنائي أو عاداتنا وتقاليدنا? أو حتى التأثير في طريقة وطبيعة طعامنا ولباسنا وعلاقاتنا الاجتماعية أم أن ما تسعى إليه الهجمة الغربية أعمق وأخطر من كل ذلك? فهل يلزمنا الكثير من التفكير والتحليل لندرك أننا بحسن نية غالباً, نساهم في فرض العولمة على أنفسنا عبر تقليد الآخر الذي نعرف نواياه تجاه هويتنا وثقافتنا تحت شعار تحديث وعصرنة المدن, فإذا بالمدينة العصرية تشبه أي شيء إلا نفسها!! نخوض هنا في هوية وطابع العمارة في حمص المدينة القديمة ضمن الأسوار والمدينة الحديثة المعاصرة ونبدأ من قلب حمص الذي بدأ النبض منذ آلاف السنين.‏

- فريد جبور مدير الآثار قال: ما عادت حمص القديمة تشكل نسيجاً معمارياً فقد شهدت اختراقات بيتونية منذ 40 سنة وما بقي منها مجرد مفردات, وبعد صدور المخطط التنظيمي في التسعينيات تم تجميد الوضع القائم في المدينة القديمة وجرد البيوت التي ما زالت بوضع إنشائي جيد لتصنف كبيوت تراثية وحافظنا على عدد من الشرائح المعمارية وهي شرائح: بيت سكاف, سيباط الحنبلي, سيباط القاضي والزاوية, بيت اليافي, قصر محيش, بيت طرابلسي, شريحة مصطفى باشا الحسيني, مدرسة الغسانية, بيت الناصر, قهوة الفرح, مبنى الشبيبة, خان الدروبي, وخان الجمل, أما الأبنية المدنية فهي: التكية المولوية, القلعة, الباب المسدود, زاوية سعد الدين الجباوي, كتلة الأسواق: قصر الزهراوي, دار مفيد الأمين وعبد الله فركوح- حمام العصياتي والباشا والصغير والعثماني, متحف حمص, قبة شلب الشام, بيت فركوح وأحواش وغيرها, أما الأبنية الدينية فهناك نحو عشرين مسجداً, لها الأربعين أبي لبادة, البازرباشي, النوري الكبير, كنيسة مارلين وغيرها, وفيما يتعلق بالأبراج والأسوار فهناك برج السور الشرقي, الخندق, الزاوية الشمالية من سور المدينة, الركيزة الشمالية, سور البلدة القديم, البرج المستدير, البرج من الناحية الشرقية للسور الشمالي جزء من سور المدينة الشرقي والخندق والبرج في جدار السور الغربي والسور الممتد من البرج المستدير إلى الركيزة الشمالية. إذاً هذا كل ما تبقى من المدينة القديمة.‏

-السيدة فرح جوخدار مهندسة معمارية عضو في جمعية العاديات كان لها رأي حول الهوية المعمارية لحمص: لانستطيع الخوض في مسألة الهوية المعمارية لأي مدينة من دون الالتفات إلى مكانة التراث المعماري فيها فالعلاقة بين الهوية والتراث علاقة جدلية, ومن خلال استقراء سريع لوضع تراثنا العمراني والمعماري لحمص بين الأسوار نستطيع الفهم وبشكل صريح ومباشر لماذا وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من تخبط وضياع في هويتنا المعمارية,إن النسيج العمراني المميز للنواة التاريخية لحمص قضي عليه تقريباً نتيجة عمليات الهدم المستمرة والاكتساحات الجائرة عبر العقود الماضية وبات تراثنا يقتصر على مفردات معمارية موزعة هنا وهناك ضمن الأسوار فأبنية حمص فقدت هويتها وانتماءها فباتت خرساء فقدت ذاكرتها وارتباطها بالإنسان والمكان والزمان وغبية سطحية لا تحمل في فراغاتها وواجهاتها إلا الابتذال والزيف المعماري ولا تعكس إلا الرؤية الخاطئة للعمارة المعاصرة, تتجلى الكارثة الأكبر فيما يتم بناؤه في المدينة القديمة من أبنية حديثة مصممة وفق نظام ضابطة كان من المفترض أن يكون مدروساً بحيث تشكل تلك الأبنية وحدة عضوية واستمراراً طبيعياً للمفردات المعمارية والتراثية القائمة ولكن شتان ما بين الواقع والمأمول فقد تم وبكل بساطة اختزال عمارتنا التراثية إلى واجهات مقلمة بالأسود والأبيض وانتهى عند هذه النقطة البحث المعماري.‏

-وإذا كانت المدينة ضمن الأسوار التي من المفترض أن تكون القلب النابض والذاكرة الحية قي تعرضت لكل ذلك, يمكن فهم ما يحصل في حمص خارج الأسوار والكلام للسيدة جوخدار وهو هنا استمرارية طبيعية للنهج السائد في التعامل بخفة مع قضايا جوهرية وأساسية في مسألة نمو المدن وتطورها, فحمص تشهد عملية تغيير في وجهها لاترحم وبحماسة منقطعة النظير تحت راية الرغبة في إعطاء وجه عصري للمدينة فغدا المواطن الحمصي غريباً عن مدينته, فقد اقتلعت ذاكرته المكانية بتغيير ملامح مدينته, وترى أن مسألة الهوية أولاً وأخيراً هي مسألة احترام المواطن لنفسه ولهويته واحترام المسؤول لرأي المواطن وعدم تغريبه عن قضايا مدينته والهوية التي تكمن في التجديد مع الأصالة لا يمكن أن تكون إلا نتاج عملية مستمرة من التفاعل والحوار البناء يتربى عليها الطفل منذ سنواته الأولى في المدرسة حتى يصبح مواطناً مؤمناً بتعددية الآراء, ورأى ضرورة تنظيم لقاءات بين المسؤولين في المحافظة والمكلفين بدراسة المشاريع وبين زملاء مهندسين وشريحة من المواطنين المهتمين المعبرين عن ضمير المدينة ومن خارج الدوائر الرسمية, إن ما جرى في مدينة حمص لا يمكن تبسيطه تحت أي عذر على أنه تجميل وتحديث فما جرى يمس هوية وذاكرة المدينة ومستقبلها بشكل مباشر بل ويمس مدى التفاعل وعلاقة المواطن مع أصحاب القرار فهل هو فاعل أم مهمش في علاقته مع مدينته.‏

-وقال المهندس المعماري هزاع عساف عضو مجلس المدينة ورئيس لجنة تجميل المدينة للثورة حول خصوصية حمص: إنه ليس لحمص خصوصية لأن حمص ودمشق وحلب وكل المدن السورية اتبعت نظام بناء متماثل تقريباً وهذا برأيه أعطى نوعاً من الهوية التي قد لايراها المواطن المقيم لكن الزائر يرى أن هذه الهوية موجودة, لقد حدد نظام ضابطة البناء كل شيء: الشرفات والمكشوفة والمغطاة والمقاسم وغير ذلك ما أدى إلى أبنية متماثلة, لكن هل هذه هوية لحمص? بغض النظر عن كل شيء إنها هوية لمرحلة معينة. وبعد صدور عامل الاستثمار هناك أبنية كثيرة تعاد صياغتها فتهدم وأغلبها من عمارة الستينيات, قد يكون ذلك من وجهة نظر معمارية خاطئاً لأن ما ينجز في مرحلة ما يعتبر تاريخاً لها وبالتالي من الخطر هدمها وفي كثير من مدن العالم تتم المحافظة على مثل هذه الأبنية, وقد يكون بعضها مشوهاً بالترميم والإصلاح ما لم تكن آيلة للسقوط وفي الوقت نفسه ليس هناك قوانين ثابتة في العمارة, قد يهدم مبنى ضخم رغم أنه جديد إذا كان المراد إقامة ما هو أكثر حيوية وأهمية مما يتطلبه الصالح العام, كان لحمص القديمة هوية نسبياً لكنها ضاعت, تتغير هوية المدن دائماً فيبقى ما يبقى ويذهب ما يذهب والثابت الوحيد هو المتغير وبالتالي هناك تغيير من حيث التحديث والعصرنة, وليس مطلوباً الآن أن نبني تراثاً بل أن نرمم ما لدينا ونحافظ عليه, وعن حمص القديمة قال: كانت شغلنا الشاغل منذ نهاية السبعينيات حيث قدمت مع بعض الزملاء محاضرة عام 1988 نحو نظام عمراني خاص للمدينة بين الأسوار, الحقيقة أن كل ما تكلمنا عنه في ذلك الزمن ما زال قابلاً للتطبيق, بمعنى أن المطالب ما زالت هي نفسها حتى اليوم, إن نظام الحرف المعمول به في ضابطة البناء في حمص هو ما أدى إلى خرابنا والمشكلة أنه طبق في حمص القديمة على قدم المساواة مع ما طبق على بقية المدينة وهنا تكمن الخطورة فحتى النظام التجاري طبق على حمص القديمة وسمح في بعض شوارعها ببناء 6-7 طوابق وكان من الواجب التعامل مع هذه المدينة ليس مساحياً بل بشكل كتلي, لقد تجاهل نظام ضابطة البناء البنية التاريخية لحمص القديمة فزحفت الأبنية الحديثة مخترقة النسيج المعماري المتناسق متخفية بأسماء التنظيم نطالب بالتأكيد على أهمية المدينة القديمة داخل الأسوار وربطها بالمخطط التنظيمي العام هارمونياً ضمن المحافظة على شخصيتها كوحدة متجانسة والحفاظ على القيم التاريخية والمعمارية لها ومن المفترض أن تأتي الأبنية حتى حول المدينة القديمة بشكل هارموني منسجم أي بناء طابقين فقط على تخوم السور وليس بناء أبراج.‏

-حاول الاستاذ هزاع السباعي أن يكون شفافاً بدبلوماسية عند الحديث عن تجميل المدينة وما قامت به فقال: تشكلت اللجنة في 4/12/2003 وضمت رئيساً وثمانية أعضاء (جميعهم من أعضاء مجلس المدينة) ومهمتها تتلخص في : كيف يمكن تطوير المدينة جمالياً? وهذا الموضوع ليس مجرد كلمة فهو يرتبط بعوامل كثيرة فالجمال لا يتأتى من عنوان فقط وإنما من فعل والمبدأ أساساً هو النظر إلى المدينة ككتلة نحتية يأتي جمالها من مفرداتها تنظيمياً فهي شارع, شجرة, إضاءة, ألوان, تخطيط إذاً هي مجموعة كبيرة من العوامل التي يلعب فيها الجانب الاجتماعي والاقتصادي والتربية دوراً هاماً. من أولويات مطالب هذه اللجنة منع المظاهر المشوهة للذوق العام, طلاء واجهات الأبنية ومتابعة البناء في العقارات المتوقفة في مركز المدينة, تخطيط الشوارع وتنظيمها وأرصفتها وخلق شوارع للمشاة وإغناؤها بالشجر والإضاءة, تنظيم الإعلان في الشوارع, خلق مساحات خضراء, ويتابع السباعي هذا الكلام تم تداوله وبتكرار دائم منذ 1970 ثم 1980 ثم.. ثم الآن عام 2006 في المدينة إشكالات أساسية في التخطيط العام وبنظام ضابطة البناء ولم يتم التنبه إلى ذلك إلا مؤخراً تنظيمياً ولم تلحظ في المدينة فراغات معمارية ولم تلحظ النواحي الثقافية في الأحياء, حتى الأحياء الجديدة داخل التنظيم فلا عروض شوارع كافية, ولا مراكز ثقافية ولا مدارس ولا مراكز صحية كافية لحظت, زاد على كل ذلك عشوائيتنا المستمرة وهذا كله يؤثر على جمال المدينة, على أرض الواقع ماذا حققت لجنة تجميل المدينة? يجيب السباعي بأسف: ما تحقق ضئيل في مركز المدينة, الأمور لا بأس بها بعد إعادة تأهيل عدد من الشوارع كما باشرنا بإزالة اللوحات من الشوارع ومن واجهات الأبنية لكن أصحاب المكاتب اخترعوا طريقة جديدة,هذا صحيح فقد أزيلت الآرمات الكثيرة على واجهات الأبنية لكن أصحاب المكاتب اخترعوا طريقة جديدة عبر الكتابة على الزجاج بخط ملون واضح أو وضع آرمات خلف الزجاج بدلاً من الواجهات!! قلنا للاستاذ هزاع: شريحة واسعة من أبناء حمص بينهم كثير من المثقفين والأدباء والفنانين لا يبدون راضين عما يحدث في شوارع حمص ودواراتها, وقد تحدث البعض بطريقة حمصية جميلة عن ثلاثة دوارات على امتداد شارع واحد لا يفصل أولها عن آخرها أكثر من 200 متر وكل دوار يشكل نموذجاً غاية في الاختلاف عن الآخر دون أي انسجام (رغم أنها كلفت الملايين) وحسب قولهم إن دوار الغوطة الذي عاد للطبيعة باعتماد تصميمه على وجود أشجار وأزهار وحصي وأحجار صغيرة كان الأجمل, ولم نخف ما يتداوله الحماصنة من مقولات كثيرة حول أحد تلك الدوارات واعتماده تصميماً منقولاً من ألمانيا أثار جدلاً كبيراً, أذكر أن السيد هزاع تنهد وحاول جمع الكلمات التي ضاعت منه لوهلة لكنه عاد للدبلوماسية وقال: هذه خطوة على أي حال لقد حصل حوار خلال تأهيل شارع الغوطة واتخذ القرار بشأنه وصولاً إلى شكله الحالي وأعتقد أنه لا بأس به في شارع زكي الأرسوزي ربما كان الحوار حوله أقل لكن بغض النظر عن كل شيء البعض يرى فيما حدث جانباً إيجابياً وآخرون يرون فيه جانباً سلبياً, أما أنا كمعماري أقول: هي خطوة اتخذت في هذا المنحى والخلاف في الرأي معهود في العمارة, ربما يوجد أخطاء قد تستدرك فيما بعد, ربما لنا بعض الملاحظات على بعض الأمور, والمشكلة أن مجرد النقد علينا هجوماً مع أنه في الواقع أعني أن النقد جانب ضروري من جوانب الحوار.‏

-الفنان التشكيلي المعروف غسان النعنع قال حول هوية حمص وما تشهده شوارعها وساحاتها من (تحديث): ما عاد هناك طراز محدد لحمص مع هذه الهجمة البيتونية وللأسف لم يأت المعمار الحديث بعمارة يوازي جمالها جمال العمارة القديمة وكثير مما كان حاضراً في الذاكرة بقوة أزيل رغم عدم الحاجة لذلك ما زاد في ضياع الطراز المعماري للمدينة, كنت يافعاً عندما بدأت الرسم, كنت أجلس خلف مبنى السرايا وأمامي حي الأربعين بأبنيته الترابية الجميلة, ووراءها جامع الأربعين ومئذنته ذات الحجارة السوداء والطراز المملوكي الفريد على طريقة الزيغورات, وفي الحميدية كنا نمشي وننظر إلى القصور الجميلة عام 1989 سافرت إلى روسيا وعندما عدت عام 1990 وجدت أن جزءاً جميلاً قد هدم, إذا أردنا إلغاء القديم فلا بد من طراز معماري جديد مستوحى من القديم يوازيه في الجمال, لكن ما يحدث أن التغيير الحاصل وقياساً بما كان, يبدو متخلفاً وغير جميل وأكبر مثال على ذلك ما حدث لجنينة الدبابير قرب الساعة الجديدة. أذكر الآن سورها الحجري الجميل حيث يجتمع الرجال كبار السن ممن لا يملكون المال للجلوس في المقاهي فيستظلون بفيء, أشجارها هذه الجنينة شهدت الكثير من التعديل لكنها ولا مرة أصبحت أجمل مما كانت عليه من قبل, لقد فقدت حمص هويته المعماري ومركز المدينة تغير باتجاه علب كرتون وليس باتجاه البناء على ما كان قائماً والاستلهام منه إذ على المعماري أن ينظر إلى القديم ويخرج بتوليفة حديثة مع الحفاظ على الطابع المعماري الموجود وعلى غرار ما حدث في فندق شيراتون دمشق حيث أقام المصمم البريطاني في دمشق زمناً وبعد تفكير خلص إلى بناء حديث فيه روح البلد والمعماريون عندنا يتناولون طرز بناء متعارف عليه في كل بلدان العالم النامي وليس المتطور إنها علب فوق علب لا جمال فيها, ولا يبدو الفنان راضياً عن التأهيل الذي شهدته شوارع المدينة لأنها لم تصبح أجمل.‏

ويختم بالقول: في كل بلدان العالم مركز المدينة لا يلمس ولا يلعب به, قد يرمم ويحسن أم التسع فينجز خارج مركز المدينة.‏

-الطراز الاستهلاكي الذي غزا كل جوانب حياتنا لم يوفر أي مكان لتحويله إلى ما يمكن الاستفادة منه مادياً فتحولت البيوت العربية القديمة بكل روعتها إلى مقاه ومطاعم ورغم أنني أقر وأعترف بجمال الفكرة وبالفضل لأصحابها بإعادة الحياة إليها بعد نسيان وإهمال, إلا أن ما يؤخذ على ذلك هو أنه غدا الاتجاه الوحيد في إعادة النبض لذلك الأمس الجميل, فلماذا لا يتم تحويل بعضها إلى متاحف أو مسارح أو قنصليات, إو دارات ثقافية (شكراً لدارة زرقان) أو .. الأفكار كثيرة إذا ما حاولنا البحث عنها ولكن بعيداً عن فائدة مادية مباشرة خلال جولة إعلامية سياحية في حماة, وفي مدينتها القديمة اطلعنا على بيت قديم تم تحويله إلى مراسم لعدد من الفنانين التشكيليين - من المعتقد أن حماة مازالت محافظة على هويتها وأصالتها وربما جاء تأخرها في ركب موجة العصرنة لصالحها, فشكراً لكل من يساهم في ذلك - نحن على يقين أن الغرب يتطلع إلى الشرق بحنين آسر لكل ما فيه من سحر وخصوصية ومنذ آلاف السنين كان كل ما يتعلق بالروح والسحر والرومانسية والألق حكراً على بلاد الشرق فلماذا نحاول وبكل ما أوتينا من قوة أن نستنسخ مدناً ليست ترتبط بهويتنا وأصالتنا - كل ما نبذناه من عادات أجدادنا وفي كثير من المجالات أثبت الزمن صحتها وها نحن نعود إليها ابتداء من الطعام وطرق حفظه إلى التداوي بالأعشاب والطب البديل, أي كل ما كان الشرق يبرع فيه منذ القديم, ثمة بارقة أمل عرفتها من مدير آثار حمص أن قصر الزهراوي سيغدو متحفاً للتقاليد الشعبية, وأن دار مفيد الأمين ستكون متحفاً للتوثيق وبرزت مشكلة لا علاقة لوزارة الثقافة بها وهي عجز ميزانيتها عن شراء كل البيوت والقصور المسجلة بصفتها أثرية أو تراثية, من هنا لا تملك الوزارة صلاحية تحديد مجال استثمارها إلا في نطاق المراقبة والأمر عائد لأصحابها وهذا ما يحدث لقصر عبد الله فركوح في حمص حيث يستصرخ البعض الوزارة للقيام بشيء لوقف استثماره كمطعم علماً أن مدير آثار حمص أكد أن أحداً لم يتقدم بطلب إليهم بهذا الخصوص.‏

-يرى أحد الاختصاصيين أنه للخروج من النفق والوصول بعمارتنا إلى التميز لابد من تراكم الخبرات المحلية وبناء مسار زماني - مكاني لها للاستفادة من التجارب الناجحة والفاشلة التي مرت على عمارتنا المعاصرة, ويؤكد وجود انقاطع بين أجيال الممارسين والأكاديميين في كل دول الوطن العربي- بمعنى أن الأمر ليس حكراً على سورية - وهذا ما أدى إلى عمارة سطحية ومتبعثرة ولا تبني اتجاهات فكرية وتقنية واضحة تؤكد اسهامنا في مجال العمارة, ثم هناك الفردية وتضخم الأنا المعمارية.‏

إن تراكم الخبرة وبناء التجربة المحلية وتواصلها هي إحدى الآليات المهمة في بناء هوية معمارية متطورة باستمرار لأن الهوية بحد ذاتها هي وسيلة للتعبير عن ثقافة وتقانة مجتمع ما بما فيها عمارته وليست غاية بحد ذاتها, إن النقد موجه أولاً للمؤسسات والهيئات التعليمية المعمارية التي لم تسع إلى توثيق التجارب المعمارية الناجحة ولم تخطط لإيجاد بيئة معمارية تواصلية بل انساقت نحو الأسهل وتبنت التجارب الغربية في تعليمها وذلك وبكل تأكيد لن يحقق تجربة محلية ناجحة, إن البحث عن مستقبل عمراني ومعماري مشرق لحمص أو لأي من المدن السورية - كما تقول السيدة فرح جوخدار - لا يمكن إلا أن يبدأ من مسألة غرس احترام التراث في نفوس الأطفال والشباب لبناء جيل مؤمن بهويته وهنا تبرز مسألة الدور الذي يقوم به التعليم في المدارس والجامعات وكيف يتم التصدي لهذه المسألة بالغة الخطورة وهل تعطي مؤسساتنا التربوية والتعليمية مسألة التراث ما لها من حق؟!‏

ثم تختم بالتساؤل: أليس الجيل الصاعد من المسؤولين والمعماريين وفي أحيان كثيرة هم من يتبنى موقع من يحتقر هويته المعمارية ويحاربها باسم التطور والحداثة!! وفي أحسن الأحوال يرون أن التراث مكانه ضمن جدران المفردات المعمارية التراثية وينتهي دورهم عند ذلك دون النظر إلى الاستلهام منه للانطلاق نحو عمارة أصيلة وحديثة!!‏

سوزان إبراهيم

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...