حكام ليبيا الجدد يستنسخون أساليب القذافي

15-02-2012

حكام ليبيا الجدد يستنسخون أساليب القذافي

لا تزال معالم «ليبيا ـ الثورة» في طور التشكّل بعد أربعة اشهر على التخلص من العقيد معمّر القذافي.
ليست معالم سياسية فحسب، تقف عند حدود مناقشة مستقبل ليبيا ومواقفها من قضايا الداخل والمنطقة، بل معالم ثقافية تتبلور تدريجيا، موضحة اكثر فأكثر صورة ليبيا ما بعد القذافي، التي تستنسخ أساليب العقيد الذي هدم قبل سنوات تمثال عمر المختار في بنغازي.. وما سقوط تمثال الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في بنغازي أيضاً السبت الماضي، الا جزء من هذه الصورة «الجديدة». هدم تمثال عبد الناصر في بنغازي السبت الماضي («السفير»)
هوى تمثال الزعيم العربي الخالد على أيدي ليبيين لم يعد وصفهم بـ«الثوار» محطّ إجماع وطني او عربي، في مشهد أعاد إلى الأذهان مشهداً مماثلاً مضى عليه 12 عاما، يوم هدم القذافي ضريح عمر المختار بعد منتصف ليل 15 تموز عام 2000 في بنغازي ايضا، وقام بنقله إلى مدينة نائية يقال لها «سلوق»، وذلك بسبب «إثارة الضريح كل معاني الايمان والفخار والعزة والجهاد والذكر والذكريات الخالدة في قلوب الليبيين الشرفاء حينما يمرون بقربه»، على حد قول الامام المدرس في قسم التفسير في كلية الشريعة والدراسات الاسلامية في جامعة الكويت الشيخ طارق الطواري لجريدة «الدستور» الاردنية قبل عام.
لم يخلُ «سقوط عبد الناصر» في ليبيا، التي لطالما استلهمت قوميته وعروبته وافكاره الثائرة، من ابعاده التاريخية. فالعلاقة الليبية ـ المصرية غداة انتصار «ثورة الفاتح من سبتمبر»، جسّدها أبناء بنغازي في ثمانينات القرن الماضي عبر إقامة تمثال لعبد الناصر في مدينتهم، اعترافاً بفضله في التأسيس لحلم الوحدة العربية، في الوقت الذي كان فيه القذافي يجنح نحو التخلي عن العمق العربي لليبيا لصالح العمق الأفريقي.
وفي مشهد لا يخلو من الرمزية، بدا أن حكام ليبيا الجدد وكأنهم يسيرون على درب القذافي في تخليهم عن حلم الوحدة - مع فارق جوهري وهو جنوحهم نحو الغرب والناتو وليس نحو العمق الإفريقي - فعلى وقع هتافات التكبير، صفّق مئات من الليبيين لآلة الهدم العملاقة التي تولت إسقاط التمثال، وتغيير اسم «شارع جمال عبد الناصر»، الذي استرد أحد أسمائه الأولى، وهو «شارع الاستقلال».
وفي تعقيبه على هذا الحادث، ذي الدلالات الخطيرة، قال الامين العام للمؤتمر القومي العربي عبد القادر غوقة «إن كنت اتفهم سبب ازالة رمز الجهاد عمر المختار بقرار من معمر القذافي، وهو فقدان الاتزان من قبل الطاغية، حيث لم يكن يقبل باسم غير اسمه يذكره الناس بالاحترام والتقدير، فضلا عن تطاوله على اسم رسول الله، زاعماً انه لم يكن صاحب رسالة وانما حامل رسالة كساعي البريد، فلا اتفهم ابدا في المقابل كيف يمكن لمن يزعم انه ثائر ومسلم وعربي ومواطن في بنغازي أن يحطّم تمثالا لأبي الثوار وداعية الوحدة وقائد المقاومة ضد الاحتلال».
واضاف غوقة «كيف للثائر ان يعيد للاذهان عهد الطاغية القذافي وما فعله برمز عمر المختار فيكرر فعل ذلك مع رمز عبدالناصر.. فعل القذافي ذلك بسلطة الحكم اما اليوم فيُكرّر ذلك بسلطة السلاح». وختم بالقول «ان هذه الجريمة تشكل طعنة لثورة الحرية التي انطلقت في 17 فبراير.. لم تبذل التضحيات لنستبدل قذافي بقذافي وطغيانا بطغيان.. إذا زَعَمَ هؤلاء بأن الاسلام يحرّم التماثيل فهم ليسوا اكثر فهماً للاسلام من صحابة الرسول الذين كانوا من جيش عمرو بن العاص الذين دخلوا مصر ولم يحطموا تماثيل فراعنتها ولا رموزهم».
وأدان تجمّع اللجان والروابط الشعبية في بيروت هدم التمثال داعيا الى «محاكمة المسؤولين عن هذا الاعتداء الآثم واعادة التمثال الى مكانه وافتتاح مركز جمال عبد الناصر الثقافي الذي شيّدته مبادرة من اهالي بنغازي قبل سنوات وجرت مصادرته من قبل السلطات القائمة آنذاك».
وجاء في بيان للتجمع «تلقينا بذهول واستهجان نبأ إقدام مجموعة مسلحة في مدينة بنغازي المجاهدة والمعروفة بتاريخها العروبي والاسلامي على هدم تمثال للقائد الخالد جمال عبد الناصر في إساءة جديدة وخطيرة لمشاعر ابناء الامة وتراثها الوطني والقومي والاسلامي المجيد».
واضاف البيان «اذا كانت هذه المجموعات المسلحة لم تحترم مكانة اضرحة الاولياء في بلادها، فعمدت الى هدمها، فهي بالتأكيد لم تتلكأ في النيل من تمثال زعيم عربي كبير ناصر كل ثورات الامة والعالم، وسعى الى ارسال بعثات اسلامية الى العديد من الدول وتعليم القرآن وحفظ تراث الامة». وختم البيان «ان هدم تمثال جمال عبد الناصر في بنغازي يذكرنا بخطوة مماثلة اقدمت عليها قوات الاحتلال الاميركي حين جرفت بعد احتلال بغداد ضريح مؤسس البعث الراحل ميشال عفلق مما يشير الى حقد دفين على رموز العروبة والتحرر والتقدم والنهضة على امتداد الامة».

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...