جدلية الصراع والتغيير بين النمل والصراصير

12-07-2008

جدلية الصراع والتغيير بين النمل والصراصير

الحياة نكتة وأسوأ ما تفعله هو أن تتعامل معها بجدية، كما فعلت طيلة حياتي.. فالجدية تضعك في حالة من الاستنفار والقلق كحامي الظعينة دريد بن الصمّة الذي حمى ظعينته حياً وميتاً.. والناس عموماً لا يميلون إلى صحبة الجديين، ولكنهم يلجأون إليهم دائماً في الملمات والمصائب والحاجات، وإذا كنت شخصاً جدياً فسوف تقضي جلّ عمرك في الغم والهم وما لا يسرّ.. ساعدهم مرّة وسيلجأون إليك كلما عصّتهم الحياة، غير أنهم لن يتذكروك في ساعات بسطهم وانشراحهم على الأغلب.. انظر إلى النساء كيف يفضلن رفقة الشعراء والصعاليك والماجنين وعندما يرغبن بالزواج يبحثن عن الرجال الجديين.. أما الرجال فهم أكثر سوءاً من ذلك بكثير، إذ أنهم لن يفكروا بالزواج أو حتى مصاحبة امرأة جدية، لأن أحداً منهم لا يستطيع أن يتخيل امرأةً جدية في حضنه، وبالتالي فما حاجتهم إلى صديق بملابس نسائية!؟
المؤسسات والوزارات عندنا أيضاً تلفظ المدراء والوزراء الجديين مع أنها كانت قد خطبت ودهم وتزوجتهم لأنهم كذلك، ذلك أن النساء –عفواً المؤسسات- يكرهنك فيما بعد لنفس الأمر الذي أحببنك من أجله!!! ومن أراد أن يتأكد ويتعظ فليذهب إلى المقاهي والحانات ليرى ضحايا الزوجات والمؤسسات والوزارات بالعشرات، حتى بتنا نوصف المدير أو الوزير على أنه موظف مؤقت سيذهب إلى جزيرة النسيان عاجلاً أم آجلاً، وسيغدو من قرّاء جريدة «الجمل» أو «الخبر» في أحسن الأحوال بمعنى أن أغلب قراءنا هم من ضحايا النزعة الجدية في الحياة..
وضمن هذا السياق تقع قصة «النملة الدؤوبة والصرصار اللاهي»، فإذا كنت دؤوباً ستقضي عمرك مع قطعان النمل، وإذا كنت لاهياً فستقضي عمرك مع جحافل الصراصير: وهذي هي جدلية الحياة، فإما أن تكون نملة وإما صرصاراً، وكلاهما قد تسحقه الحياة تحت جزمتها على غير انتظار.. فالحياة نكتة كما أسلفنا في المقدمة التي عطفناها على المؤخرة ضمن أسلوب التحوير والتدوير فيمن هم الأفضل: النمل أم الصراصير.


نبيل صالح

المصدر: جريدة "الخبر" الأسبوعية 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...