تمييز في الصحة العامة الكويتية و"كيس شعر"يصبح "أنفلونزا بالعصعوص"!

06-06-2007

تمييز في الصحة العامة الكويتية و"كيس شعر"يصبح "أنفلونزا بالعصعوص"!

الجمل – الكويت – حسان عمر القالش: صحيح أن العقل السليم في الجسم السليم, لكنك في الكويت لا تكتفي فقط بالقاء هذه النصيحة الكلاسيكية والذهبية, عليك أن تعطي معها "النشرة المرفقة" المفسّرة والشارحة لمعناها كأن تقول: كي تبقى عاقلا وصاحيا على جسدك أن يبقى عاقلا ومعافى, وألا يتدلل ويتكاسل, وأن تشحنه باستمرار بأنواع الغذاء الصحي والفيتامينات المعتبرة.
يصادف الطقس والمناخ هنا في الكويت والذي ستعتاده كـ"مغترب" - أو "مقيم" حسب التسمية الرسمية – أن يدور دورته السنوية حاملا معه مواسما مختلفة لأمراض معروفة لكنها مختلفة هنا. أشهرها الحساسية التي تصيب الجهاز التنفسي على مدار العام تقريبا, والأنفلونزا - الكريب –  التي عادة ماتكون شديدة لدرجة خطيرة... الشائع والمعتاد في هذه المواسم والامراض أن تذهب الى المستوصف الطبي لمنطقة سكنك والتابع لوزارة الصحة, فتستفيد من مزايا "التأمين الصحي" بالحصول على طبابة الحكومة مقابل أجور رمزية, هذا التأمين الذي تدفع - الزاميا – مقابله (50 دينار عن الرجل العامل و40 دينار عن الزوجة و30 دينار عن كل ولد) لكل سنة اقامة.
 سيستقبلك الطبيب و"يكشف عليك" جالسا.. خلال ثلاث أو أربع دقائق وبعد أن تشكو له بكلمات قليلة ألمك وتفتح له فمك, سيصف لك العلاج المناسب عبر حاسوبه لتستلمها من الصيدلية ويقرع الجرس بانتظار المريض الذي يليك, ولن تعرف ماعلّتك ولم مرضت وكل هذه الاستفسارات الا اذا ألحـّيت عليه بها وأجابك بكل ما أعطي له من تبسيط واستخفاف. حتى لو كنت طفلا لن يتغير الحال مع والديك الراكضان بك اليه. مع وجوب التذكـّر بأنك أحيانا معـرّض لتشخيص خاطئ وغريب كما حصل لزياد. ن  الذي شخـّص له طبيب مصري مايعانيه من "كيس شعر" بأنه "أنفلونزا بالعصعوص"...!
عند شباك صيدلية المستوصف ستستلم أدويتك التي غالبا ماتكون محسوبة ومعدودة على حسب شدة ونوع المرض. هذه الأدوية كانت على أيام أجيال المغتربين /المقيمين الأوائل من أفخر وأجود الأنواع. أما اليوم فحالها كما نوعيتها في تغير الى الأسوء أو بشكل أدق الى نوعيات من "النخب الثاني", فلم يعد من النادر أن تسمع عن شكوى "مقيمين" من أن أدوية معينة  لأمراض معينة وخطيرة ومزمنة لا تصرف لغير الكويتي ! وكذلك الأمر بالنسبة لبعض "المستلزمات الطبية" كـ"حقن السكري", حيث يرجو سالم موسى الخمسيني العمر موظف الصيدلية عند كل مراجعة أن يعطيه اثنتين أو ثلاث من نوع معين من هذه الحقن (صغيرة الحجم, سهلة الحقن بلا آلام) لكن الموظف يعتذر بأنها لا تصرف الا للكويتيين, ويعطيه بدل عنها حقن من نوع آخر (كبيرة, رخيصة السعر ومؤلمة عند الحقن). 
وتسمع أيضا أن أدوية المستوصف غير مفيدة أو دقيقة العلاج, فأحد أطباء المستوصفات نصح سامي. ع  بأن يشتري لطفله الدواء الفلاني من "بـرّة" أي من صيدلية خاصة أو أن يجرّب "مؤقتا دواء المستوصف فاذا لم يتحسن هاك اسم الدواء" المفيد على الأكيد. وأم ايمان تدخل أولادها المستوصف لـ"تريح ضميرها تجاههم" فقط ,لعلّـها تعرف مابهم بشكل أقرب الى الدقيق, وعندما يهم الطبيب بوصف الأدوية التي تعافها نفسها تشكره رافضة ايـّاها فهي ستؤمن الأدوية بطريقتها الخاصة!
كثيرا ما يظهر تأفف واستنكار بعض "المواطنين" من حال الصحة هذه, فتكاد الجرائد والصحف اليومية لا تخلوا من "نداءات" الى وزارة الصحة وانتقادات لاذعة لها من قبل مواطنين كويتيين من صحافيين وأكاديميين, كما فعلت نورية جابر من جامعة الكويت, وايمان العطوان من كلية العلوم الاجتماعية. الأولى وجهت نداء الى وزيرة الصحة تعترض فيه على "تدخل الواسطة لتعيين من ليس لديه المؤهل والخبرة اللازمتين" وتنهي مقالها بأن العمل بالواسطة "سيأخذ جزءا كبيرا من الميزانية التي تكون مخصصة لشراء الدواء والادوات الصحية العلاجية".
أما الثانية فكتبت في نفس اليوم بأن دولة الكويت "تعاني في الآونة الأخيرة رغم تقدمها ونموها من تدهور مستواها الصحي وتدني سبل العلاج في مستشفياتنا العامة, فالكثير من المواطنين و(المقيمين) تضرروا من تلك المستشفيلات..". ( جريدة الراي – الرأي العام سابقا – 30-5-2007).
مع هذا, لن نستوعب مدى المعاناة وحجم هذه "القبـّة" الا اذا بدأنا بأسعار "الحبة"..ابتداء من الأدوية في الصيدليات الخاصة, وانتهاء بتكاليف العلاج الخاص. وهي أسعار تحتاج لمعالجة بحد ذاتها كونها من أمراض وعلل جيوب المقيمين – نسميهم في سوريا: مغتربين –  ولاتتناسب مع معدلات مداخيلهم. ( سعر الـ"دوسبالينا" وهو دواء لمعالجة تشنج المعدة والامعاء يبلغ خمسة دنانير - الدينار يساوي 170 ليرة سورية – يعتبر مبالغا فيه نظرا لبساطة المرض, أو الأعراض بلغة الطب, أدوية المضادات الحيوية وخافضات الحرارة الخاصة بالأطفال بين 4 و8 دنانير..). ويمكن لنا لا أن نتخيل بل أن نحس بما يعانيه رب أسرة من ثلاث أو أربع أطفال عندما يمرض صغاره ويستنزفه هذا المرض مبلغا معتبرا من الدنانيرثمنا للأدوية والعلاج حيث ليس من المستغرب أو النادر تفاوت أسعار الأدوية بين صيدلية وأخرى في تجارة تعد من الأربح والأسهل.
 وقد يكون  مفيدا هنا التذكير بنسبة "قوة العمالة" في الكويت وهي بحسب جريدة الأنباء الكويتية ( 17,4 % عمالة كويتية) مقابل ( %72,6 عمالة وافدة, 48,4 % منها متزوجون). يتكيف كثير منهم, سوريين وغير سوريين من المقيمين المتـغـربين في هذه البلدان مع هذه المشكلة بالاعتماد على مايجلبونه معهم من بلادهم من "مؤونـة" الأدوية اللازمة وكثيرة الاستعمال المصنـّعة محليا, (فشيء للرشح وآخر مسكن للآلام وآخر آخر للمعدة والاسهال وأخريات لأمراض والتهابات الجهاز التنفسي... ) فتكون قيمة التوفير كبيرة جدا, الا أن الأزمة الحقيقية تبدأ عندما ينتهي مخزونهم من الأدوية, والأخطر هو اضطرارهم لتناولها "على العمياني" ودون استشارة طبية, توفيرا للوقت والجهد والمال, فاذا كانوا غير مقتنعين بتشخيص أطباء المستوصفات فزيارة عيادات الأطباء الخاصة أو المستشفيات الخاصة توصف بأنها "خربان بيوت" وربما من "ترف الاغتراب" حيث قيمة كشفية الطبيب لا تقل عن 20 دينار يضاف اليها عند أول زيارة دينارين مقابل ما يسمى هنا "فتح ملف" أي أن يكون للمريض ورقة بيانات: استمارة وملف طبي عند الطبيب, فهذا أيضا ليس بالمجان مع أنه من بديهيات "الرسالة" الطبية المتعارف عليها. فلا تثير مظاهر الأبـّهة والشياكة التي تكسو عيادات الأطباء الخاصة أي استغراب, حتى عندما تتحول أغلبها الى ميني – هوسبيتال أو مستشفيات صغيرة.
ومع الوقت ستظهر ظاهرة تصح تسميتها بـ"العلاج بالتجريب" أو بالخبرة السماعيـّة, فأحمد "كعادته دائما" يسأل ربيع زميله في العمل عن الدواء المناسب لألم في سقف الحلق مع حرقة في البول فيتناول ماينصحه به من دواء, وطريف يحذر صديقه سميح من الآثار الجانبية لأدوية لعلاج مرض "جلدي" لأنه – أي طريف – عانى من هذه الآثار عندما كان يتناول أدوية لعلاج مرض.. "عصبي"!
ستؤدي بنا هذه الصور بالمقارنة مع نظرتنا الى هؤلاء المغتربين كأناس نحسدهم على هناءة عيشهم وتضخم جيوبهم المالية, الى اكتشاف مبالغة وخطأ كبيرين، فنسبة من تنطبق عليهم أوصاف حسدنا هذا تبقى قليلة مقابل البقية الذين مهما احترمتهم الدول المضيفة يبقون مجرد عمالة.


الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...