تحديات العولمة وعملقة العوربة

16-07-2007

تحديات العولمة وعملقة العوربة

لا يُعقل،أن يبقى العالم العربي مرتهنًا للعولمة، بدلَ أن يكونَ فاعلاً فيها. هي فعلٌ حتميٌ، نتيجةَ تلاقي مصالح الدول المتقدمة اقتصاديًا. إذ نقلت تطاحنها التنافسي من المواجهات العسكرية والحروب الثنائية، لتتلاقى عبر تنافسيةٍ مزدوجة في السعر والجودة القياسية. لكن على حساب الدول الفقيرة، التي انتظمت في لائحة الدول النامية.

جميعُ الدول يتسابق للانخراط في منظمة التجارة العالمية. ظنًّا أن ما نتجَ عنها من تشريعاتٍ، يصون اقتصاد الدول الضعيفة، بخلاف ما تعلنه البرازيل والهند باعتراضهما على بنودٍ في محادثات جولة الدوحة. لكنّ العولمة تستّر بالتأكيد، على طمع الدول الكبرى في ثروات الدول، العاجزة عن تحقيق ثورة صناعية متقدّمة لحسابها.

العالم العربي، هو، في إطاره الجيو اقتصادي، ماردٌ تنازلَ عن قدراته الاقتصادية. إذ لا يُعقل لليوم، أن لا ينتج طائرة من صنعً عربي ، أو سيّارةً من صنع عربي ، أو ثلاجةً من صنعٍ عربي،أو أي سلعةً تحمل شعار»صنع في العالم العربي». لقد تطاحن العالمُ العربي لإبعاد شبح الوحدة السياسية، فخشي الوحدة الاقتصادية. دول الخليج حملت الريادة في وحدة اقتصادية إقليمية، غير اندماجية، يُستحسن أن تتبعها وحداتٌ مثيلة، ضمن هذا العالم المترامي في المساحة والمعزّز بالقدرات الاقتصادية، والأدمغة المهاجرة، بلوغًا إلى إنشاء إطارٍ اقتصادي عربي متكامل، لا ينهشه إطارٌ آخر، مثل الاتحاد المتوسطي، أو الأوروبي المتوسطي. هو يتكامل مع أي اتحادٍ أو مجموعةٍ اقتصادية عابرة للقارات، بعد أن يحقّق ذاته في محيطه الطبيعي.

تستأهل السلعة العربية، أن تبذل السياسةُ جهدًا لها.تسهّلُ لها قوانين الحماية. تحدّثُ معايير الجودة وتُشدّد الرقابة، فلا تعودُ تنافسها سلعٌ أجنبية بجودةٍ أقل وسعرٍ أدنى. على أن تُسهّل، الدولُ العربية إنشاء مصانع متعدّدة الجنسية العربية، ينتجُ كلٌّ منها جزءًا أساسيًا من السلعة، وتجمع الأجزاء في الدولة الأساس، أو صاحبة رأس المال الأكبر. على غرار الصناعاتٍ الأوروبية أو الأميركية الكثيرة، تتقدمها الصناعاتُ الثقيلة، كالطائرات وغيرها.

ففي الاقتصاد العالمي، تتزايدُ سنةً عن ثانية أعداد المؤسسات المتعددة الجنسيات، حيثُ تتلاقى اليد العاملة الكونية في إنتاج سلعةٍ محدّدة كانت فيما مضى تُنتَجُ في مؤسسة واحدة ومنشأ واحدٍ. أمّا اليوم فصار إنتاج أقسام السلعة الواحدة مختلف المنشأ، بحثًا عن اليد العاملة الأرخص. فنتاج القريدس السكوتلندي، مثلاً، يتم تثليجه ونقله إلى تايلاند لتقشيره وتوضيبه بأجورٍ أدنى بتسعة عشر مرّة مما هي في اسكوتلندا، التي يُعادُ إليها مجتازًا 27 ألف كيلومتر بحرًا، ومثيله الدانمركي يُصنّع في طنجه في المغرب. ولم تعد نشاطاتُ المتعددة للجنسيات، حصرًا بإنتاج القمصان والشاشات الصغيرة المسطحّة وأفران الميكرو ويف، بل تعدّتها إلى أجهزة الخليوي والكومبيوتر والسيّارات وغيرها. ومن ثم إلى الزراعة فبات الفريز الصيني يغزو اللبن الرائب (الياوورت) الفرنسي وباتت الأسماك الفيتنامية والزهور الكينية تنتقل من مكانها إلى المقلب الآخر في الكرة الأرضية.

أهم الماركات العالمية تخضع للإنتاج المتعدّد الجنسيات. ويبدأ أحد أنواع الجينز مشواره من سمرقند في أوزباكستان حيثُ يُنتجُ قطنه وينقل إلى ناغبور في الهند فيتحوّل إلى نسيج ومنها إلى مصانع داكا فيتم تفصيله وخياطته، ومنها ينقل إلى بنغلادش فتضاف الأزرار والمسامير المبرشمة واللاصقات وهي مستوردة كلّها من الصين وكوريا الجنوبية وتايلاند لتعود البضاعةُ في اليوم الحادي والسبعين إلى مرفأ الهافر في فرنسا بعد أن اجتازت أيضًا 27.2 ألف كيلومتر. ومثل الجينز تُضفي عطور بوربيري الفرنسية، تقنياتٍ فنّية على قاروراتها، في الصين. ماركة هيرمس الفخمة تصنّع منتجاتها وتطبع رسومها في الرون – ألب (فرنسا)، لكن أنامل العاملات في مدغشقر تتمّم رفق الأطراف وتعيدها، وتتقاضى العاملة أجرًا سنويًا لا يوازي ثمن قطعةٍ منها.

وتصيرُ المنافسة أقوى ضمن التعددية العالمية. فقد اضطرّ منتج ألعاب سبايدرمن وباربي والسلحفاة نينجا، إلى المنافسة ليبقى ويستمر، فهو يأتي بالخيوط القطنية من الهند والمطرزّات من تايلاند والمستلزمات الباقية من الصين وعلب التوضيب من إسبانيا ورومانيا.

وبما أن العالم صار، بنعمة الاتصالات، رقعةً صغيرةً، فلم تتوانَ المنتجاتُ الزراعية عن أخذ دورها في العولمة، وصارت عبوات تعبئتها كاتالوغات متعدّدة الكتابات عن المصادر والجنسيات.

وإلى حين، بدأت عولمة الأبحاث تخترق حصون السرّية في المختبرات الأساسية، لتنتقل إلى الدول النامية حيث تعودُ الأدمغةُ المهاجرة مع مهاراتها، لتؤسس مختبراتٍ تابعة لتلك المؤسسات التي احتضنتها، فتتم الشراكة العالمية. رئيس إحدى شركات تجهيز السيّارات يشهد :»نشغّلُ فرقاء عملنا المنتشرين في العالم على مشروعٍ واحد، في الصباح الباكر ينطلق من آسيا وظهرًا يصل إلى أوروبا ومساءً يتم العمل به في الولايات المتحدة».

وسط هذا الانشغال اليومي المتكرّر في العبثية السياسية القائمة، يفترض أن يتوافق زعماء العالم العربي، على نسيجٍ اقتصادي متقارب. يتوزّعون القدرات المتوفّرة، ورؤوس الأموال، ويعزّزون المهارات الوطنية. يتوافقون على الصيغ التشريعية. يمهدّون لاندماجاتٍ المؤسسات الصناعية المتعثّرة، من أي حجمٍ كان، ويعملون على تيسير تسييل رؤوس أموال تلك المؤسسات، أسهمًا مالية يُتداول بها في الأسواق المالية والبورصات.

لا شكّ، أن المطلوب توحيد الجهود السياسية العربية، لكنَّ دورًا كبيرًا يرسمه رجالُ الأعمال. يتلاقون لتحقيق المشاركة المؤسساتية. بذلك يضمنون تحقيق الميزة التفاضلية والقوّة التنافسية، ويخفّفون عن الحكومات عبْ خفض تكاليف الإنتاج والحماية.

خلال المنتدى الذي عقدته المفوضيّة الأوروبية، مع رجال الصناعة الفرنسية، في بروكسيل، نهاية حزيران الماضي. قال المفوّض المكلّف شؤون التجارة الخارجية، بيتر ماندلسن:» لماذا المفاوضات مع مجموع الكرة الأرضية، الوحدة الأوروبية هي قوتنا الكبرى. نحنُ نحتاج إليها».

هل من تكامل اقتصادي عربي ، يُشكّلُ القوّة الكبرى؟

ميشال مرقص 

المصدر: الحياة  

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...