المجهول والمسكوت عنه في تاريخ مصر

22-01-2007

المجهول والمسكوت عنه في تاريخ مصر

الجمل:   تقع جمهورية مصر العربية في الركن الشمالي الشرقي من القارة الافريقية، وبرغم غزارة ما كتب عن (تاريخ مصر) في الكتب والمجلات والبحوث الجامعية، فإن هناك الكثير الذي لم يتم التطرق إليه، إما لأنه مجهول أو لأنه مسكوت عنه، أو لأنه يجمع بين الاثنين، كما في حالة المسكوت عنه بواسطة المؤرخين المصريين والمجهول بالنسبة للمؤرخين من غير المصريين.
التاريخ كحدث فعال متراكم يحدث في زمان ومكان، لم يبدأ من فراغ، أو لم يبدأ من الصفر في الركن الشمالي الشرقي الذي قدم فيه دولة مصر العربية حالياً، بل  إن (عبقرية المكان) التي تحدّث عنها العالم الجغرافي جمال حمدان، هي التي أعطت لهذه الرقعة من الأرض مكاناً تقاطعت فيه الثقافات الإنسانية التي وردت عن طريق بوابتين هما: البوابة السودانية (في المراحل القديمة الأولى)، والبوابة السورية (في المراحل اللاحقة)، ويؤكد تسلسل عمليات التفاعل الحضاري التاريخي التي تمت في (مصر القديمة) بوضوح مشيراً إلى هذه الحقائق.
• البوابة السودانية: انتقل الإنسان الأول من هذه البوابة قادماً عبر وادي النيل من أعمال شرق افريقيا التي شهدت نشأة هذا الإنسان قبل أكثر من 1،6 مليون عام، وقد تأسست مرحلة العصر الحجري في العديد من مناطق وادي النيل الأعلى التي توجد ضمن أراضي جمهورية السودان الحالية، حيث تم العثور على بعض الأدوات التي تنتمي إلى العصرين الحجريين الباليوليتي (العصر الحجري القديم)، والنيوليتي (العصر الحجري الحديث)، والتي تبين أنها أدوات حجرية يرجع عمرها إلى فترة ما قبل الميلاد  بأكثر من 100 ألف عام، وهو تاريخ يفوق عمر الحضارة المصرية البالغ فقط حوالي 10 آلاف عام قبل الميلاد.
وكذلك تبين وجود أقدم فخار في العالم في هذه المنطقة.
ولما كانت الحضارة الموجودة في منطقة شمال وادي النيل (مصر الحالية) تبدأ مرحلة الزراعة والاستقرار على ضفاف النيل، وهي مرحلة تعتبر من المراحل الحديثة في النمو والنشوء الحضاري، فإن العصر الحجري الذي مهّد لهذه المرحلة يوجد في منطقة (وادي النيل الأعلى) أي في جمهورية السودان الحالية. وقد ظل هذا الأمر ومازال يدخل ضمن (المسكوت عنه) بواسطة المؤرخين المصريين الحاليين، والذين ظلوا أكثر تقصياً للبحث من أجل اكتشاف آثار العصر الحجري القديم الأول داخل رقعة مصر الحالية حصراً، على النحو الذي يعزز فرضية عدم تأثر المصريين القدماء بأي شعب من شعوب العالم الأخرى.
كذلك انتقلت عبر البوابة السودانية عمليات صهر المعادن، والزراعة، وعمليات رعي الحيوان، بل انتقل الحيوان نفسه الى شمال وادي النيل. ومن أبرز العناصر الثقافية التي انتقلت عبر البوابة السودانية فكرة تقديس وعبادة التمساح وغيره من الحيوانات الأخرى، وتجدر الإشارة هنا إلى أن تقديس وعبادة الحيوانات هي بالأساس عادة افريقية يعود عمرها إلى مئات الآلاف من السنين.
• البوابة السورية: وانتقلت عبر هذه البوابة القيم الأكثر تطوراً في الحضارة المصرية، وتلك القيم المرتبطة بالأساطير والفلسفات الشرقية القديمة. كذلك لعبت هذه البوابة دوراً كبيراً في تشكيل وصياغة شخصية مصر الحضارية في مختلف العصور، فعن طريق هذه البوابة دخلت المسيحية والإسلام واللغة العربية إلى مصر، كذلك دخلت فكرة الكتابة، وتعلّم المصريون التجارة وصناعة التحف الشرقية.
لم تكن مساهمة البوابة السورية متمثلة فقط في الجوانب الثقافية والعلمية، بل وفي الإسهام الديموغرافي وذلك بسبب الهجرات البشرية والإنسانية الواسعة التي دخلت إلى مصر عبر البوابة السورية، على النحو الذي أكسب مصر الحالية اختلاطاً بشرياً سكانياً متنوعاً عميق الجذور.
شخصية مصر الحضارية المعاصرة كدولة عربية- إسلامية، تعود في جذورها إلى فترة الحكم السوري لمصر، وذلك في عصر الأمويين، عندما قام الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان بفتح مصر، والذي ترتب عليه التعريب الكامل لمصر، بشكل أدى إلى (عروبة) شخصية مصر، بما أكسبها هوية قومية عربية الانتماء مازالت مستمرة حتى اليوم.
لم تكن المدحلات التي قدمت عبر البوابة السودانية والبوابة السورية إلى مصر معزولة عن بعضها.. ففي السودان يقدس الثور ويعبدون الثور ذو القرون الكبيرة ويطلقون عليه تسمية (توت)، وتوت هذا هو الثور الذي يتقدم غريزياً في الحركة أمام القطيع، وهذه العادة يرجع عمرها إلى أكثر من مليون عام.
في مناطق شرق سوريا كان السكان يقدسون الشمس ويعتبرونها مصدر الحياة والخلق والنار، ويطلقون عليها تسمية (آمون).
أما في مصر، فقد توصل المصريون القدماء إلى (توت عنخ آمون) والتي يمكن تفكيك معناها على النحو الآتي:
(توت): الثور ذو القرون الكبيرة.
(عنخ): ومعناها باللغة الهيروغليفية (يحمل).
(امون): ومعناها الشمس.
إذاً معنى توت عنخ امون هو الثور ذي القرون الكبيرة الذي يحمل الشمس، وبتفسير آخر نقول: إن توت الذي جاء عبر البوابة السودانية التقى مع الشمس التي جاءت عبر البوابة السورية، وكوّنا معاً الثور الذي يحمل على رأسه الشمس.
لا يتوقف الأمر عند هذا الأثر التاريخين بل الكثير من الآثار والرموز التاريخية من الممكن تفكيكها بكل سهولة إلى مدخلاتها التي جاءت عبر البوابتين إلى مصر القديمة.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...