الكويتيون مهدّدون: الإسلاميون يبتلعون «خصوصيتهم»

08-05-2012

الكويتيون مهدّدون: الإسلاميون يبتلعون «خصوصيتهم»

«الخصوصية الكويتية».. هي أول ما يعاجل به ابن الكويت، سياسياً كان أم مواطناً عادياً، سؤال «الوافد» الخارجي له عن أحوال البلاد اليوم. تمدّد الإسلاميين في السلطة، احتمالات «الربيع» الكويتي، حدود التعاون والتباين مع السعودية ضمن المنظومة الخليجية، «متانة» النظام، الحراك الشبابي ومحفزاته، الأزمات الإقليمية (سوريا والبحرين تحديداً)... عناوين يرفض الكويتي قراءتها ضمن سياق عربي عام، وإن أقرّ في عدد من المحطات بنوع من الارتباط مع المحيط.
«الخصوصية الكويتية» عمرها من عمر الكويت نفسها. هكذا يشرحها أبناالنائب حسين القلاف والنائب  عبد الحميد دشتي يصرخان معترضين خلال احدى جلسات النقاش الساخنة في مجلس الامة مطلع العام الحالي. (أ ب) ء البلد الذي تشكل باستقلال العام 1961. يتسلحون أولاً بماض يؤكد أن نظامهم هو الوحيد بين أنظمة الخليج الذي لم يؤخذ بالسيف، يتحدثون عن علاقة طيبة جمعت منذ البداية بين الشعب (التجار) وأسرة الصباح الحاكمة، حيث كان التجار لسنوات طويلة (قبل اكتشاف النفط) أغنى من العائلة المالكة، ما مكنهم من فرض شروطهم التي جعلت النظام أكثر اعتدالاً وتسامحاً. في الكويت بنيت أول كنيسة في الجزيرة العربيّة. وهناك أيضاً ظهرت أولى الممارسات الديموقراطية في إطار ما يسمى الديوانيات. والديوانيات هي مضافات يجتمع فيها أثرياء الكويت، وقد تحولت إلى ما يشبه البرلمانات الصغيرة لمناقشة القضايا المحلية والخلافات والفضائح. ومن الديوانية كان الناس ينطلقون إلى أنشطة سياسية، في وقت لم يكن بإمكان الحكومة أن تمنع هذه الممارسات لكونها بمثابة عرف اجتماعي سائد. وعلى العكس، كان الأمير يزور الناس في ديوانياتهم لكسب قلوبهم.
«الخصوصية الكويتية» تطرق أذن زائر الكويت مقترنة بالحديث عن نظام الحكم «الأميري الديموقراطي»، حيث يشرّع القوانين مجلس الأمة المكون من 50 عضواً ينتخبون بالاقتراع الشعبي الحرّ، وكذلك حيث يمتاز نظام الحكم بالمزج بين النظامين البرلماني والرئاسي، علما ان البرلمان الخليجي الاول كان كويتيا.
ولا تتوقف تلك «الميزة» الكويتية عند الكلام عن حرية التعبير وزخم الحراك «التويتري» والوفرة الإعلامية ومشاركة المرأة والعلاقة الطيبة بين النظام والشعب و«التعايش» السني ـ الشيعي...
ولكن، مع التسليم جدلاً بهذه «الخصوصية»، كيف يمكن تفسير سياسات الغالبية الإسلامية في البرلمان منذ وصولها في شباط الماضي؟ في أي خانة يوضع القانون الذي أقرّه الإسلاميون الأسبوع الماضي بالإعدام لكل من يشتم الرسول وعرضه؟ ومن يستطيع الاطمئنان لكتاب رياضيات استبدل فيه الإسلاميون «أكل التفاح» بـ«قتل الكفار» (مثال: بدلا من سؤال لديك 5 تفاحات وأكلت 3.. كم يبقى لديك 5 سور قرآنية اذا قرأت 3.... أو صادفت 4 كفار قتلت 2 كم يبقى)؟ وما سبب هذا الاندلاع المفاجئ في النعرات والفتن الطائفية والمذهبية والقبلية؟
أصابع ليبراليي الكويت ومعارضيها تشير متوجسة إلى الإسلاميين الذي يمعنون في تشويه وجه البلاد السمح والديموقراطي باسم الدين. يقرّ هؤلاء بأن وصول الإسلاميين «شرّ لا بدّ منه».. هم لم يأتوا من فراغ بل نتيجة مثابرة وتعب وتخطيط. يتعلق وصولهم بأسباب ثلاثة: سياق الصعود الإسلامي العربي، العوامل المتعلقة بـ«ثورية» المزاج العام للشعب الكويتي الذي أراد مجلسا متشددا لمواجهة الحكومة لتطهير الأجهزة الرسمية والمؤسسات الحكومية التي غرقت بفضائح فسادها، أما العامل الثالث فيتمثل في غياب البديل المدني الذي يواجه النموذج الديني الشديد التنظيم.
سؤال هنا يطلّ ملحاً: كيف هي علاقة الإسلاميين بالأسرة الحاكمة؟ وسرعان ما تفيد المؤشرات بوجود علاقة ثابتة قاعدتها المصالح المشتركة، رغم وجود بعض التوترات التي يصر الطرفان على التأكيد أنها سحابة صيف.
في عودة تاريخية بسيطة هناك بعض التفسير. العائلة المالكة حاربت القوميين العرب ببسط نفوذ الإسلاميين، كما حاربت التجار الذي زادت مطالبهم بإصلاحات سريعة في فترة معينة برفع شأن هذا التنظيم السياسي، لا سيما أن النظام ليس لديه تنظيم سياسي خاص به.
وعلى امتداد ثلاثة عقود ونصف عقد، وجد النظام نفسه يغذي هذا «الغول»، حتى وصل إلى حدّ لم يعد بإمكانه التخلص منه بسهولة. لقد تمدّد «الأخطبوط» الإسلامي في الشركات والمؤسسات الحكومية والمناصب الوزارية ونشر مراكزه ومؤسساته الخيرية والاجتماعية في كل «زنقة» كويتية.. وعليه بات النظام ينشد الأمان من خلال العلاقات الطيبة مع الإسلاميين.
ما سبق لا يلغي ما لقيته طروحات الإسلاميين الانتخابية من صدى إيجابي في مجتمع ينخر فيه الفساد على أنواعه، ويعتمد حصريا على إيرادات النفط. عرف الإسلاميون من أين «تؤكل كتف الجماهير». طرحوا في برنامجهم ما يتعلّق بزيادة الرواتب والحد من ارتفاع الأسعار والرعاية الصحية والنهوض بالتعليم وحل ومحاربة الوساطة والفساد الإداري وهدر المال العام وتطبيق القانون، والاهم حلّ مشكلة «البدون» العالقة منذ عشرات السنين.
حتى الساعة لم يجترح الإسلاميون حلولاً لما طرحوه، متذرعين بأن الشلل الاقتصادي في الكويت سابق لوصولهم. ولكن فيما يعتبر المعارضون في الكويت أن الأغلبية البرلمانية اليوم تحت مقصلة الاختبار التي قد تنبذهم، تستمر موجة من التشدّد في اجتياح الكويت، تعززها وفرة مالية إسلامية حيث تقوم «مؤسسة الزكاة» و«لجنة هداية المسلم» و«دعم مسلمي آسيا» و«دعم مسلمي أفريقيا» و«تحفيظ القرآن»... وأكثر من 135 مؤسسة ولجنة زكاة بالوفاء بالغرض.. فضلاً عن صمت خارجي يستفيد من تمتين القبضة الإسلامية ـ الوهابية في الكويت.
أما السؤال المبهم حتى الساعة فيبقى: ما مدى إمكانية المسّ الإسلامي بالأمير؟ سؤال عززته تصريحات مؤخرة أطلقها «الإخوان» ومنهم النائب وليد الطبطبائي الذي صرّح بعدم ضرورة أن يكون رئيس الحكومة منتخباً من الأمير وفق ما درجت العادة. هنا تعود «الخصوصية الكويتية» لتطل برأسها مؤكدة أن الشعب يحب الأمير ولن يسمح للإسلاميين بالتطاول. في المقابل، يرفض كثيرون الاقتناع بوجود أي خط أحمر... ففي النهاية طعم النجاح مغرٍ، والإسلاميون لا يعوزهم شيء لقطف «تفاحة» السلطة.

هيفاء زعيتر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...