التَسوّل والنَصب عبر الشبكة العنكبوتية

25-09-2011

التَسوّل والنَصب عبر الشبكة العنكبوتية

امرأة متّشحة بالسواد تمسك بيد طفل صغير، يبدو عليه الهزال. تتكلم بصوت خفيض ومتقطع يثير الشفقة. تقف على الرصيف أوتتجوّل في المترو. تمسك في يدها أوراقاً طبيّة يصعب تبين المكتوب فيها. وتقول المرأة: «زوجي مريض بفشل كلوي ويحتاج إلى غسيل للكلى ثلاث مرات أسبوعياً، والجلسة الواحدة تتكلف 400 جنيه. أنا عندي سبعة أطفال وليس لدينا مصدر رزق. ساعدوني». هذا شكل تقليدي للتَسوّل والاحتيال أيضاً. ربما أصبح جزءاً من الماضي، حتى لو استمر مستقبلاً. فمع تطور التكنولوجيا الرقمية، أصبحت شبكة الإنترنت وسيلة فعّالة في التسوّل والاحتيال معاً. وقد وصل هذا الأمر إلى حدّ حفز أصوات كثيرة، بأن تصرخ وتُنبّه وتُحذّر منه.

وأخيرًا، صرّح طارق أبو سنة نائب مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون القنصلية وإرشادات السفر بأن القنصلية المصرية في لندن شهدت في الآونة الأخيرة تزايداً في عمليات النَصب مالياً على المواطنين المصريين عبر رسائل إلكترونية. وناشد أبو سنّة المواطنين أن يتعاملوا بأكبر قدر من الحذر مع الرسائل الإلكترونية التي تثير الريبة. وحضهم على عدم الإفصاح عن بياناتهم الشخصية أو البنكية، حتى لا يجرى اختراق حساباتهم في البنوك، ثم الاستيلاء على أموالهم.

إنه أمر يجري ببساطة. إذ تبدأ عملية النَصب هذه بخلق عناوين ومواقع إلكترونية معدّة لهذا الغرض. وبعدها، يختلق المتَسوّلون عاهات جسدية، ويُصوّرون تجسيدهم لها بالصورة والصوت، في أشرطة فيديو رقمية. وتوضع هذه الأشرطة على مواقع إلكترونية يُقبل عليها الجمهور، لاستعطاف أصحاب القلوب الرحيمة. وفي السياق عينه، قد يدعي آخرون أنهم رؤساء بعض الجمعيات المتخصصة في جمع التبرعات للمنكوبين وضحايا الحروب والفيضانات، أو بحجة الأعمال الخيرية ومساعدة المحتاجين والفقراء والمساكين.

لا يقف الأمر عند هذا الحد. هناك متَسوّلون يزعمون أنهم رجال أعمال يرغبون في استثمار أموالهم في بلد غير بلدهم، من طريق عقد شراكة مع أشخاص من دُوَل مختلفة. ثم يتواصل هذا الشخص معهم عبر الـ «إيميل»، في حال موافقته. ثم يعطي قائمة بالضمانات التي تكفل له مواصلة المشروع حتى نهايته. وبعدها، يطلب منه دفع مبلغ ما من طريق البنك لصاحب المشروع، مع ملاحظة أن هذا المبلغ يكون صغيراً في أغلب الأحيان، مقارنة بمشروع الاستثمار الضخم الذي أُوهم به. والنتيجة؟ يحصل المستثمر المتحايل بواسطة رسالة إلكترونية منمقة على ما يريد في غمضة عين. ويمثّل الذين يستجيبون لهذا النوع من الرسائل الإلكترونية سوقاً كبيرة لهذا النَصب أو التَسوّل. ومهما تدنت نسب المخدوعين بصدقية الإنترنت، فإن ما يدفعونه يشكّل مصدر رزق لنصّابي العالم الافتراضي.

من أشهر الأمثلة على النَصب الإلكتروني، رسالة يدعي مرسلها أنه مدير أحد البنوك وأن أحد عملاء البنك مات قبل مُدّة، تاركاً حساباً يقدر بمبلغ ضخم، ومن دون أن يظهر وريث له. ويــقترح على مستَقبِل الرسالة تحويل هذا المبلغ إلى حــسابه الشخصي باعتباره وريثاً، على أن يرسل بياناته ورقم حسابه البنكي. وبمجرد أن يستجيب المنخدع، يجري اختراق حسابه بوسائل القرصنة الإلكترونية. ثم يسحب رصيده البنكي، كله أو جزءاً منه.

ولم يسلم التسوق الإلكترونى من النَصب. إذ أفاد «المكتب الاتحادي الألماني لأمن المعلومات» أخيراً، أن قراصنة الإنترنت يستغلون ثغرات أمنية موجودة في النسخ القديمة من نُظُم التسوق الإلكتروني، مثل «أو.إس كوميرس» OS Commerce للتلاعب بالمتسوقين على الإنترنت، ثم السيطرة على أجهزتهم. وعندما يدخل مستخدم إلى موقع التسوق، يحاول برنامج القرصنة الإلكترونية البحث عن نقاط الضعف في متصفح الإنترنت ونظام التشغيل والبرامج الأخرى الموجودة في كومبيوتر هذا المستخدم، بما يُمكّن من التسلل إليه، والسيطرة عليه عبر برامج ذات طبيعة مؤذية. وقد نصح «المكتب الاتحادي الألماني لأمن المعلومات» الجمهور بضرورة تحديث برامج مكافحة الفيروسات باستمرار، كجزء من مساعي حماية الحواسيب من هذه النشاطات الإجرامية الرقمية.

وأشارت بيانات المكتب عينه إلى وجود قرابة ألف موقع إلكتروني للتسّوق، لحق بها الضرر إثرهجمات قراصنة الإنترنت، خلال السنة الفائتة. كذلك أعلنت الشركة التي صنعت برنامج «أو.إس كوميرس» إنها نجحت في تلافي كثير من الثغرات الأمنية السابقة في النسخة الحديثة منه، مشيرة إلى أن كثيراً من المستخدمين لا يزالون يعتمدون نسخاً قديمة من هذا البرنامج. واستطراداً، ثمة من يفكر بأن شركات صنع برامج حماية الحواسيب تستفيد، في نهاية الأمر، من النشاطات الإجرامية على الإنترنت. هل من علاقة تواطؤ بين الطرفين؟ يحتاج الأمر إلى نقاش.

ناديا برسوم

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...