التسجيل في جامعة تشرين والازدحام المثير

26-08-2006

التسجيل في جامعة تشرين والازدحام المثير

حسان عمر القالش : "يلعن الساعة التي سجّلنا فيها بالجامعة".يقولها أحد الطلاب متعمدا اسماعها لكل من يصل اليه صوته, ويتأبّط ذراع صديقه بعنف مسرعا به الى الخارج!
المكان هو في احدى باحات كلية الآداب في جامعة تشرين (العامرة..؟), الزمان في الساعة الثانية والنصف ظهرا, أي قبل انتهاء الدوام الرسمي بنصف ساعة – حسب اداريي الجامعة – وفي اليوم الأخير المتبقي أمام الطلاب للتسجيل في الدورة التكميلية, الحرارة 37 درجة مئوية, الرطوبة لا تطاق, في هذا اليوم الذي كانت "الجمل" في الجامعة بين أكاديميي الوطن وسمعت بعض همومهم وأحوالهم.
تستغرق عملية التسجيل هذه مدة لاتتجاوز الأربع ساعات! وحبذا لوأضيفت هذه المعلومة الى نص الاعلان عن شروط التقدم للتسجيل في الدورة التكميلية. قد يظن القارئ – وليس الطالب – أن هذا الزمن الطويل يتناسب مع كثرة الاجراءات والتواقيع, والدوران واللف, واللف والتفتيل بين غرف الموظفين. بل قد يطبطب على ذاته المقموعة بيروقراطيا بالظن أن "المعاملة" أو عفوا "الطلب" يحتاج الى تواقيع وأختام عابرة للمؤسسات والدوائر, أو ربما عابرة للمحافظات.
لكن الحمد لله أنها ليست كذلك..كل الحكاية عبارة عن: طلب تسجيل, ثلاث طوابع ملحوسة, دفع رسم المواد, وأخيرا ايداع الطلب.
كانت البداية مع ورقة الطلب, حيث حسبت "عبير" حسابها وجنّدت اثنان من اخوتها الشباب معها لمساعدتها,جاءت بهما من طرطوس التي يملأ أبنائها معظم مقاعد جامعة تشرين.
 ذهب الثلاثة كل في اتجاه يستجدون ورقة الطلب المفترض تواجدها بكميات كبيرة, لكن في كل غرف شؤون الطلاب لم يجدوا ضالتهم: شؤون طلاب التاريخ والجغرافيا واللغة الأجنبية وعلم الاجتماع...الى أن دلّتهم احدى الطالبات الظافرات بالورقة إلى مكان يشتروا من عنده تلك الورقة, في الكافتيريا حيث يصوّر صاحب آلة التصوير الورقي للطلاب ورقة الطلب ويبيعها ليترزق من اهمال إدارة الجامعة وعجلة و قنوط الطلبة.
وبعد املاء الطلب بالبيانات المطلوبة, صار لزاما شراء الطوابع الثلاث: طابع مالي, طابع نقابة,وطابع هلال,سعر كل منها عشر ليرات,ومحسوم أن ذلك من الكافاتيريا, الا أن طابع النقابة لم يكن متوفراَ, وبعد ايقاف عابري السبيل الجامعي من الطلاب وسؤالهم عن أحد ما يبيع طوابع, أشار أحدهم إلى جمهرة وغمغمة من الطلاب والطالبات, تبين أنهم يتزاحمون لنيل التفاتة من البائع يعطونه 40ليرة مقابل الطوابع الثلاث, وطبيعي في هكذا ازدحام  وجود "زعران" يستغلون غفلة الصبايا فيسرقوا عقصة من هنا وملامسة من هناك, خصوصا وأن الدنيا صيف والزنود عارية.
الخطوة التالية كانت دفع رسوم التسجيل للمواد, وكلفتها هي مئتا ليرة وليرة واحدة للمادة, والليرة قبل المئتان, وكم من ليرة أو ليرتان لا ترتجع ..وهنا كانت طامة "المذلة" الكبرى, حيث أغلق موظفوا "الصندوق" باب غرفتهم وأجبروا الطلاب على الذهاب والوقوف خارجا في الباحة أمام "شباك" الغرفة.
 الناظر الى زحمة الطلاب مقابل ذلك الشباك ستلوح في باله فكرتان كحد أدنى, أولاهما الاشفاق عليهم وعليهن من خلطة روائح ماتبقى من عطور نسائية ورجالية, خمّرها الحر والرطوبة والعرّق. وثانيتهما هي تفسير "تصلب وتجذر" السلوكية البيروقراطية في نفوس الأجيال الجديدة باستمرار ومع تقدم الأزمان!
لم يتحمل "علي" شقيق عبير طول الانتظار وتبخرت أعصابه مع حرارة الظهيرة ومع رفضه التسلّق فوق أكتاف الطلاب وكأنه في مؤسسة رسمية عادية, فعاد الى الداخل ورأى باب الغرفة مفتوحا, وبعد صد ورد مع أحد الموظفين الذي رفض بشكل قاطع ووقح قبول أوراقه وبعد أن أغلق الباب في وجهه, عاد الى الخارج!
في هذه الأثناء توقفت سيارة حمراء حديثة, ونزلت منها احدى الطالبات وبيدها نفس أوراق زملائها – مع أن دخول سيارات الطلاب ممنوع الا لناس وناس ـ, وتوجهت الى شباك آخر, تحدثت الى أحدهم ومن ثم دخلت الى داخل الكلية,غير عابئة بزحام زملائها أمام ذاك "المتراس البيروقراطي", وابتسامة الثقة تعلو وجهها غير المتعرق كزميلاتها والبارد من برودة كونديشن سيارتها, والأكيد أن طلبها نبتت له أرجل رياضية أنجزته بسرعة أولمبية.
وبعد ذلك بقي تقديم الأوراق في شؤون الطلاب وهي عبارة عن أخذ الأوراق فقط من الطالب, دون أي حاجة الى توقيع أو ختم أو أي شيءلا يستغرق أكثر من الثواني التي تتطلبها عملية الاستلام...والى التكميلية يا طلاب اليوم وبناة الوطن (غدا؟).
حققت هذه الزحمة والمهانة الطلابية أحد أهداف ومطالب البشرية بالمساواة بين الرجل والمرأة, حيث وحد بينهما روتين غبي تمارسه مؤسساتنا ووزاراتنا حتى تلك التي تعنى بتثقيف وتعليم الأجيال وبناء مستقبلهم.

 

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...