البحرة:رسام كاريكاتيرضاق به المكان ومصر لا تجامل أمريكا في"السيادة"

15-07-2009

البحرة:رسام كاريكاتيرضاق به المكان ومصر لا تجامل أمريكا في"السيادة"

ممتاز البحرة فنان تشكيلي سوري كبير... عرف كفنان كاريكاتير سياسي لامع، وكان من بين فنانين قلائل جرت عليهم رسومهم الويلات... فصدر عليه حكم إعدام ميداني عسكري ضده في الستينيات، ألغي قبل ساعات من تنفيذه... كما تعرض للمضايقة و التهديد في الثمانينيات بسبب حدة رسوماته الكاريكاتيرية، الأمر الذي دفعه ليهجر هذا الفن لسنوات طويلة.
وبالنسبة للجيل الذي بدأ طفولته في سبعينيات القرن العشرين وما تلاها ـ وأنا واحد من أفراد هذا الجيل - يشكل ممتاز البحرة جزءاً من أبهى صور الفن التشكيلي، وأكثرها بهجة وإمتاعاً ورسوخاً في الذاكرة والوجدان... فقد تربى جيلنا على رسوم الفنان الكبير ممتاز البحرة، الذي كان يرسم اللوحات التوضيحية في كتبنا المدرسية... ورافقت رسوماته العذبة معظم القصائد التي حفظناها عن الأم والربيع والنهر والأرنب وكل مفردات عالم الطفولة الذي يتفتح وعيه على العالم من حوله. وحين كنا نمل من كتبنا المدرسية، ونبحث عن فسحة تثقيف وترفيه في صحافة الطفل، وكان نموذجها اللامع مجلة (أسامة) التي أصدرتها وزارة الثقافة السورية عام (1969) وعمل بها أدباء كبار أبرزهم زكريا تامر وسعد الله ونوس وميشيل كيلو... كانت رسومات ممتاز البحرة تلهب خيالنا الغض بالوجوه المشرقة والخطوط البسيطة الموحية والتفاصيل الأنيقة التي تعيد ترتيب عالمنا الطفولي وفق ريشة ملهمة وذائقة متفردة علمتنا كيف نتذوق الجمال والبساطة، وكيف نعيش النبض الإنساني، فنلهو ونضحك ونخطئ كي نكتشف الصواب، ونخوض المغامرات كي نفهم معنى الصداقة، ومعنى أن تحفظ سر العينين المتوقدتين بالحب والذكاء والنبل حتى وهي مرسومة على الورق.
كتبنا المدرسية تغيرت... ومجلة (أسامة) تهاوت ودمرت تماماً (رغم أنها ما زالت مستمرة بالصدور) وتحولت إلى مجرد ذكرى محزنة مثل كل إنجاز ثقافي سوري جميل، حيث قتلت البيروقراطية والفساد حيوية المؤسسة الثقافية السورية وحولتها إلى حطام وركام... وبعد تدمير (أسامة) تعرفت إلى ممتاز البحرة عبر مجلة الأطفال (سامر) التي نهضت وقويت في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين... فقد نقل هذا الفنان الحيوي المتدفق عطاءه إلى منبر يحترم موهبته وتاريخه، وسرعان ما ملأت رسومه مجلة (سامر) حيوية... فكنت وأنا أزامله في العمل في إحدى المجلات الفنية التي تصدر عن المؤسسة نفسها، أستعيد جزءاً من أحلام طفولتي وكتبي... وكان اللقاء بممتاز البحرة يضيف لصورته في ذاكرة الأمس الكثير من الألق والاحترام... فقد كان نبله الدمشقي ينضح في تواضعه الأصيل وإحساسه المرهف وشخصيته الودودة.
كان ذلك منذ خمسة عشر عاماً... وقد تقطعت بنا دروب الحياة والعمل، لألتقي ممتاز البحرة قبل أيام على الشاشة، من خلال فيلم وثائقي بثته عنه الفضائية السورية بعنوان: (وثائقي... ممتاز البحرة) كتب له السيناريو وأخرجه يوشع سلمان.
بدا من اللحظة الأولى أن الزمن والمرض قد فعلا فعلهما في جسد هذا الفنان الذي يبلغ من العمر اليوم واحدا وسبعين عاماً.. وطغت لحظات الصمت على حضوره... وبدا أن كل ما تبقى لممتاز البحرة ريشته وألوانه وطفولته الساحرة، التي أبهج بمخزونها النقي والعذب أجيالاً من السوريين.
وقد أسعدني جداً أن الفيلم مشغول بقدر كبير من الاحترام التقني والفني لهذه القامة الكبيرة التي يتخذها الفيلم موضوعاً له... وهو أمر نادر الحدوث في التلفزيون السوري، حيث يسود الجهل والاستسهال وتنتفي قيم الإخلاص المهني... إلا أن هذا الفيلم شذ عن هذه القاعدة المحزنة، بدافع شخصي من صناعه كما أزعم. وقد وفق يوشع سلمان بتقديم لغة بصرية راقية، فيها روح الفيلم الوثائقي الحقيقية... حيث تسهم الجوانب اللغوية البصرية (زاوية الكاميرا- حجم اللقطة- حركة الكاميرا- إيقاع المونتاج) في خلق الأجواء التي تلهم المعنى، وتزيد من قدرة المشاهد على التقاط رسائله وفهم مناخاته... وقد غلب على الفيلم اللقطات الثابتة والكوادر الواسعة، والإيقاع الذي يستبطن حزناً دفيناً في هدوئه... إلا أن صوت المعلقة (رفاه الخطيب) خرق هذا الهدوء، بأداء تقريري النبرة وخال من التعبير عما يتطلبه النص المكتوب من وجدانية حارة تحاكي الحالة... فقد تميز التعليق الذي كتبه مخرج الفيلم بلغته الفنية التي تحاول أن تختزل ثراء تجربة هذا الفنان في مجال رسوم الأطفال وأثرها في ذاكرتنا... وقد كان موفقاً في ذلك، إلا أن السيناريو عموماً افتقر للحرفية وبدا أقل من النجاح الفني الذي بلغه الإخراج.. فالتعليق كرر أفكاراً متشابهة رغم جودتها- والتكرار خلق حالة مراوحة في المكان... كما أن عزل حديث ممتاز البحرة في الفيلم عن شهادات الفنانين والنقاد الذين تحدثوا عنه، خلق حالة من السكونية الفائضة، وحرم المشاهد من متعة تقاطع الأفكار. وإلى جانب ذلك لم يول الفيلم تجربة ممتاز في رسم الكاريكاتير السياسي الاهتمام الذي تستحقه ولم يتوقف عند السجال الحاد الذي أثارته في زمنها، كما ابتعد من جهة أخرى- عن الدراما الحياتية الغنية لدى ممتاز البحرة، وهي دراما أعتقد أنها كان يمكن أن تغنى الفيلم أكثر، وتضفي عليه بعض الحرارة التي افتقدها... وخصوصاً أن هذا الفنان يعيش اليوم في دار السعادة للمسنين، التي صور فيها المخرج معظم أجزاء الفيلم... دون أن يوضح للمشاهد طبيعة ارتباط الفنان بهذا المكان الخاص اليوم.
إلا أن الفيلم بتصوير منذر عطاالله الأنيق، ومونتاج أكثم خاسكة الجيد والمُحْكم الذي كانت تعوزه اعتماد تقنية (السلوموشن) في بعض اللقطات ذات البعد التعبيري، وباحترام مخرجه يوشع سلمان لفنه ولهوية الفيلم الوثائقي المتقنة، يستحق تحية تقدير بلا شك... وهو جهد مشكور يُعتز به، لأنه يمثل محاولة لتكريم فنان كبير في زمن انسحاب الأضواء وغياب قيم الوفاء عن كثير من جوانب حياتنا الفنية والإعلامية.

لا سمح الله

استوقفني بشدة خبر قناة (الجزيرة) حول منع السلطات المصرية لقافلة مساعدات أمريكية من عبور قناة السويس من أجل الدخول إلى غزة... حيث الحصار يفعل فعله اللا إنساني في حصار وإنهاك وتجويع كل الكائنات الحية... إلى درجة أن الأمريكان أياً كان منشأهم وأصولهم- قرروا أن يخرجوا عن حيادهم التاريخي، والتحرك أخيراً من أجل تقديم مساعداتهم الإنسانية التي يريحون فيها ضميرهم رمزياَ على الأقل!
والحق أن السلطات المصرية أثبتت لنا أنها لا تجامل حتى أميركا في مسألة السيادة واستقلال القرار... فها هي تمنع قافلة مساعدات أمريكية... حتى لا تظن (الجزيرة) المتصيدة في الماء العكر ضد كل ما هو مصري (!!!) أن قافلات المساعدات القطرية أو العربية عموماً هي وحدها التي تمنع. وبالمقابل أثبتت السلطات الأمريكية احترامها الشديد للسيادة المصرية، لأنها لم تمارس أي ضغط على مصر من أجل السماح بمرور قافلة المساعدات... لا سمح الله!
إذن نرجو من الأقزام والنكرات الذين (يلسنون) على مصر... ويغمزون من قناة علاقتها غير الندية مع أمريكا... أن يقطعوا ألسنة السوء التي يلوكون فيها سمعة مصر... فقد أثبتت مصر حسني مبارك ولا فخر... أنها في قضية خرق الحصار على الفلسطينيين لا تجامل أحداً، ولا تستثني أحداً... حتى لو كان أمريكياً!

الشعور الإسلامي بين صفعات الشرق والغرب!

يتلقى المسلمون حول العالم صفعة من الغرب وأخرى من الشرق. في الغرب العلماني تذهب المصرية (مروة الشربيني) ضحية حجابها داخل قاعة محكمة في درسدن بألمانيا... وفي الشرق تبدو أزمة مسلمي إقليم (شينغ يانغ) الصيني مثيرة للاهتمام إلى درجة تطرح الكثير من المتابعات التلفزيونية سؤالاً عن سر غياب حتى مجرد بيان إدانة من جامعة الدول العربية التي تضم في عضويتها الكثير من الدول المسلمة رسمياً... ويتساءل الكثير من المحللين التلفزيونيين فيما إذا كان العالم العربي، الذي لا يعترف مسؤولوه بقضايا حقوق الإنسان لمواطنيهم، قادرين أو حتى راغبين بالقيام بأي تحرك لدعم مسلمي الصين (الصديقة) التي لا تستطيع أي دولة عربية أو إسلامية بالتأكيد أن تقاطع بضائعها الرخيصة التي تغص بها أسواقها ولو على سبيل (فركة الإذن) لأن هذه البضائع ـ من إبرة الخياطة وحتى الأجهزة الكهربائية والإلكترونية - لا يكاد يخلو منها بيت مسلم أو غير مسلم على امتداد العالم!
وبالطبع لا يمكن للمسلمين اليوم - على ما يبدو- أن يفعلوا أي شيء من أجل رد هذه الصفعات، أو الحيلولة دون أن يتلقوا المزيد منها في المستقبل... لأن الصفعات التي تلقوها من إسرائيل قبلاً، والتي صارت روتينية حتى بالنسبة لاستباحة المقدسات والحجر والبشر... كانت تستحق منهم أن ينتفضوا ويثوروا ويفعلوا الكثير سياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً... ولو قسنا ما حدث لمروة الشربيني ولمسلمي الصين بما يحدث لأبناء ومقدسات فلسطين، فلن تبدو أفعال إسرائيل بأقل قسوة وعنصرية واستباحة للدم والكرامة... ولكن يبدو أننا نتفاعل مع (الموضوعات الإعلامية الجديدة) حتى لو كانت تشبه موضوعات قديمة!

محمد منصور

المصدر: القدس العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...