الاقتصاد تفرض رقابة تموينية على الرقابة

24-10-2009

الاقتصاد تفرض رقابة تموينية على الرقابة

أصيب ثلاثة أطفال مؤخراً في محافظة اللاذقية بحالات تسمُّم ناجمة عن تناولهم منتجات البطاطا، وعائلة بكاملها أصيبت بحالات تسمُّم خفيفة مع إسهال شديد بعد تناولها أكواز ذرة مسلوقة، وهناك قصص أخرى تعدُّ ولا تحصى.. وهي ليست بيت القصيد، إنما النقص في الكادر التمويني وقصوره في عملية المتابعة وضبط الأسواق؛ فالمستهلك لايملك المقدرة على تبيان سلامة المنتج الذي ليس بالضرورة أن يكون منتهي الصلاحية، وحتى لو كان كذلك، فالعديد من مستهلكينا لم يعتادوا على التدقيق في تاريخ الصلاحية، وهو جانب له علاقة بعادات الاستهلاك.
لذلك، وبناء على ما تقدَّم، يفقد العنصر التمويني فاعلية شريكه المستهلك، كمايظن، في عملية ضبط الأسواق. لجهة أنَّ مُستهلكنا لايفهم من الأسواق إلا حاجته إلى الاستهلاك وحسب؟!.
  يجد عضو مجلس إدارة جمعية حماية المستهلك، سمير الجاجة، أنَّ فقدان مديريات حماية المستهلك وجمعية حماية المستهلك للشريك المهم والفعال (المستهلك) يجعل جهاز التموين قاصراً وغير فعّال، مهما ارتفع الأداء وبذلت الجهود، وتعدَّدت الإجراءات التي كان آخرها قيام وزارة الاقتصاد والتجارة بتدعيم عمل مديريات حماية المستهلك من خلال رفد الأسواق بـ 60 مراقباً تموينياً تمَّ إخضاعهم لدورات تدريبية في عملية ضبط المخالفات وسحب العينات من الأسواق، وكيفية التعامل مع المخالفين. ولكن، هل يعتبر هذا الرفد حلاً، وهل تستطيع وزارة الاقتصاد تغطية الأسواق رقابياً، وإذا كانت تظنُّ بذلك، فهي تحتاج إلى مراقب تمويني موظف في كلِّ محل وسوبرماركت ومعمل وأي فعالية تجارية، وحتى هذه النظرية لا تعتبر حلاً، بدليل قيام مديرية حماية المستهلك بتسيير دوريات معاكسة مهمتها مراقبة دوريات التموين وتقديم التقارير اللازمة لمحاسبة المقصِّرين؛ ما يعني أننا أمام مشكلة معقدة، أو تمَّ تعقيدها، والحلول رهن محاولات التجريب، فاليوم نؤهِّل ونُخضِع عناصرنا لدورات تدريبية ومهنية.. نصقلهم ونغذِّيهم بحسِّ المسؤولية، ثم نطلقهم للأسواق، للرقابة، ومن ثم نطلق رقابة عليهم، فهل يعتبر هذا حلاً؟!».
من جانبه، أكَّد مدير حماية المستهلك، المهندس عماد الأصيل، أنَّ أسواقنا بحاجة إلى أعداد كبيرة وجديدة من المراقبين، لنكون قادرين على ضبط المخالفات ومعاقبة المخالفين، وتنظيف أسواقنا من أيِّ منتج هدفه الإخلال بصحة الوطن والمواطن. فالزخم الذي يجتاح أسواقنا من المنتجات على اختلاف أنواعها، لا يتناسب مع عدد المراقبين الموجودين حالياً على أرض الواقع؛ إذ إنَّ المديرية بحاجة إلى أعداد كبيرة من المراقبين، لنكون قادرين على تغطية شاملة لأسواقنا.
وفي ما يتعلَّق بالمراقبين، أشار إلى أنَّ عملية اختيار المراقبين تتمُّ بناء على سلوكياتهم الأخلاقية من خلال سجلاتهم العدلية ومثولهم للاختبارات أمام لجنة مختصة، ومن ثم تأهيلهم عبر دورات شاملة ومحاضرات وندوات تثقيفية وتدريبية، يتعرَّفون من خلالها إلى كيفية التعامل مع المخالفين بطريقة حضارية، وبعد اكتمال الدورة يخضع الناجحون لأداء اليمين أمام النيابة العامة بهدف التقيُّد بسلوكيات المهنة».

مستهلك يشكي من بائع.. والآخر يشتكي من ضغط العنصر التموني، وبدوره الأخير يشكي من ضغط مؤسسته عليه وعدم ثقتها به، والأخيرة بدورها تبحث عن هذه الثقة وكيفية زرعها وتعميقها في الضمير المهني لعناصرها، من خلال الدورات التدريبية والتأهيل، لتكون النتيجة النهائية «دق المية وهي مي، وفالج لا تعالج»، والمبرِّر طبعاً مستهلك غير متعاون؟!.
يقول الدكتور سعد بساطة، استشاري دولـي، وخبير اقتصادي: «تمَّ منذ سنوات، دمج وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، مع وزارة التموين والتجارة الداخلية، تحت تسمية جديدة «وزارة الاقتصاد والتجارة»، ولكن الممارسات مؤخـّراً لاتدلُّ على أنَّ المسمَّى جديد..
كان التوجـّه نحو سوق مفتوحة ضمن ما يدعـى اقتصاد السوق الاجتماعـي؛ ولا لزوم لتدخـّل الدولة إلاّ في الحالات الطارئة لتصحيح تشـوُّهـات السوق، وتقويم اعـوجاج الأسعـار. ولكن يبدو أنّ السفن صادفتها رياح هوجاء اضطرَّت القبطان إلى تعـديل مسار الدفة، فعـادت دوريات التموين بشكل أدهى وأمر!!
وقد كثر الحديث مؤخـراً حول الرقابة التموينية، ولاريب في ذلك بعـد ارتفاع الأسعـار الناجم عـن التضخـّم، وذلك الناشئ عـن قفزة أسعـار المواد الغـذائية، وتمَّ رمي كلّ العـيوب في «التجار من ضعـيفي النفوس».. وهذا في النهاية لايحلُّ الإشكال، ولايساعـد المواطن عـلى تأمين مواده الاستهلاكية ضمن ميزانيته المحدودة»..
إذاً، «يا فرحة ما تمت، فحساب الحقل لم يطابق حساب البيدر»، وأماني وزارة الاقتصاد المعولة على اقتصاد السوق الاجتماعي في تخفيف العبء عن كاهلها، لم تتحقَّق، وغدت الحالات الطارئة في أعوجاج الأسواق هي الحالة الأكثر شيوعاً، يقابلها ندرة في الحالات النظامية؛ ما أضاع الرقابة التموينية بين زحمة المخالفات، فعجزت عن تقويم الأسواق وضبطها؟!. 
 يجد الدكتور بساطة: «لايمكن ضبط سلسلة ما بالتركيز عـلى منتصفها من دون العـودة إلى الأصول.. ففي سوق الهال (الذي يسيطر عـليه مجموعة من الحيتان) يتمُّ بيع فــواكه أو خضروات مـــا بالجملة بخمسين ليرة للكيلوغـرام مثلا- غـير آخذين الشحن والهدر وغـيره في الحسبان- لتصل البضاعـة إلى الخضري بسعـر الكيلوغـرام بخمس وسبعـين ليرة، فتنقضُّ عـليه دوريات التموين المقدامة لكون الوزارة– التي تسبح في برجها العـاجي– سعَّـرت الكيلوغـرام بثلاث وثلاثين ليرة (بالتمام والكمال)، ولكونه أضعـف حلقة في السلسلة، وهنا قد يتمُّ تجاوز الأمور عـلى مبدأ حرام، لديه أولاد.. الخ.. وهنا لانكون قد أنصفنا المستهلك، ولاحللنا المشكلة من جذورها». ويضيف: «ما نسمعـه عـن روائح فساد لبعـض عـناصر الرقابة، وهنا أقدمت الوزارة عـلى تصرّف من روح فترة السبعـينات؛ فقد نشرت ستين عـنصراً للرقابة عـلى الرقابة، ونتساءل هنا ببراءة- أي والله- هل سـتحيجنا الأمور لاحقاً إلى رقابة عـلى عـناصر رقابة الرقابة الستين، الله يستر!!!
خطوة إلى الأمام باتجاه السوق الاجتماعـية، تليها ثلاث خطوات إلى الخلف.. أين سنصل، لا يدري أحد؟؟».

رياض إبراهيم أحمد

المصدر: بلدنا

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...