الآثار والمعالم السياحية في القدس

07-10-2006

الآثار والمعالم السياحية في القدس

تشير الدراسات المختلفة حول مدينة القدس الى المكانة المهمة التي تبوأتها المدينة عبر تاريخها الطويل، فمن جهة، ترجع أهمية موقع القدس الجغرافي الى أنه يجمع بين ميزة الانغلاق وما يعطيه من حماية للمدينة، وميزة الانفتاح والقدرة على الاتصال بالمناطق والأقطار المجاورة. وتعود هذه الأهمية الى مركزية القدس بالنسبة الى فلسطين والعالم الخارجي، وهذا بدوره يؤكد أهمية القدس الدينية والعسكرية والتجارية والسياسية. ولا يقل موضع المدينة أهمية عن موقعها، فهو موقع ديني دفاعي يجمع بين طهارة المكان وسهولة الدفاع عنه، وتعاقبت أمم كثيرة على هذا المكان منذ بداية التاريخ، وتعرضت لاحتلالات عدة وتم تدميرها وإعادة بنائها نحو ثماني عشرة مرة، لكن أخطر الاحتلالات كان الاحتلال الإسرائيلي الذي يحاول تغيير معالم المدينة لجهة تهويدها والإطباق عليها في نهاية المطاف، من خلال عملية طرد منهجية لأهل المدينة من عرب مسلمين ومسيحيين، والقيام بعملية إحلال يهودي لفرض الأمر الواقع الديموغرافي الإسرائيلي عليها.  
 ويعتبر وجود الآثار والمعالم المسيحية في القدس جنباً الى جنب مع المعالم والآثار الإسلامية ذا دلالة مهمة وكبيرة على مدى التسامح الإسلامي ونبذ الطائفية، الأمر الذي أدى الى تمكين الطائفة المسيحية في القدس وما حولها من مدن فلسطينية من ممارسة طقوسها وشعائرها الدينية، ويشار الى ان الخليفة العادل عمر بن الخطاب ذهب الى بيت المقدس سنة 15هـ/ 636م وأعطى الأمان لأهلها وتعهد لهم بأن تصان أرواحهم وأموالهم وكنائسهم، كما منح الخليفة العادل عمر بن الخطاب سكان المدينة الحرية الدينية، ورفض أن يصلي في كنيسة القيامة لئلا تتخذ صلاته سابقة لمن يأتي من بعده، حيث تميز الحكم العربي الإسلامي بالتسامح الديني، واحتفظ المسيحيون بكنائسهم وبحرية أداء شعائرهم الدينية، وبقيت المعالم المسيحية في مدينة القدس ماثلة للعيان حتى وقتنا الراهن، ومن بين تلك المعالم الموجودة في القدس، كنيسة القيامة، كنيسة المخلص، كنيسة يوحنا المعمدان، كنيسة المسيح، كنيسة مرقص، كنيسة القديس يعقوب، بطريركيات وأديرة للروم الأرثوذكس والأقباط واللاتين والأرمن، وجميع تلك المعالم تقع في الجهة الغربية للقدس القديمة المسوّرة. كما تنتشر كنائس ومواقع مسيحية أخرى في الشمال والشمال الغربي من منطقة الحرم القدسي، حيث أصبح في مدينة القدس حوالى عشرين كنيسة وديراً وبطريركية مسيحية.

وتزخر مدينة القدس بالآثار والمعالم الإسلامية التي تعكس هويتها العربية الإسلامية. وتشير الدراسات الى ان في القدس القديمة أكثر من مئتي أثر ومعلم إسلامي في المقدمة منها الحرم القدسي الشريف. وكذلك سور القدس الشامخ كما أهلها، حيث تم انشاؤه في عهد العرب اليبوسيين في عام 2500 قبل الميلاد وطرأت عليه تعديلات وعمليات ترميم في العهدين الأيوبي والمملوكي، وتمثل تلك الآثار والمعالم جزءاً من تاريخ الأمة وحضارتها الماثلة للعيان، كما تؤكد في الوقت نفسه أهمية القدس في حياة العرب والمسلمين حيث تربطهم بها روابط عقائدية وثقافية. ومن الآثار والمعالم الإسلامية البارزة في مدينة القدس أبواب الحرم والمسجد الأقصى ومسجد عمر ومسجد وقبة الصخرة المشرفة. فضلاً عن المتحف الإسلامي، والحمامات والزوايا والقباب. ومن الأهمية بمكان الإشارة الى أن الجيش الإسرائيلي طرد تحت وطأة المجازر حوالى مئة ألف مقدسي في عام 1948 من بينهم الآلاف من المسيحيين، وتكررت عملية الترانسفير أثناء احتلال الجيش الإسرائيلي للجزء الشرقي من مدينة القدس في عام 1967، حيث تم طرد خمسة عشر ألف عربي من المقدسيين المسلمين والمسيحيين. وبعد احتلال القدس القديمة من قبل الجيش الإسرائيلي في حزيران (يونيو) من عام 1967، حاولت السلطات الإسرائيلية القضاء على التراثين الإسلامي والمسيحي في القدس للإطباق عليها وبالتالي تهويدها في شكل كامل: وتمثل النهج الإسرائيلي في عدد من الإجراءات التي تمت ضد الأماكن الإسلامية والمسيحية بهدف تدميرها وتشويه الطابع الحضاري لمدينة القدس وإزالة الأماكن المقدسة والقضاء بالتالي على ما تمثله هذه الأماكن من ارتباطات إسلامية ومسيحية في المدينة المقدسة. ففي 21-8-1969 دبرت السلطات الإسرائيلية عملية لإحراق المسجد الأقصى، كما قامت بمحاولة لنسفه في بداية عام 1980 على يد الحاخام المقتول مئير كاهان، وتكررت الاعتداءات منذ عام 1967 على الأماكن المقدسة والمسيحية، وجرت محاولات إسرائيلية لإقامة الصلوات في ساحة المسجد الأقصى. وسرقة بعض محتويات كنيسة القيامة، واستملاك الأراضي التابعة لبعض الأديرة المسيحية في القدس، ومنذ البدء في النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في مدينة القدس تمت مصادرة آلاف الدونمات والعقارات للعرب المقدسيين من مسلمين ومسيحيين على حد سواء.

مما تقدم يمكن القول إن المعالم والآثار الإسلامية والمسيحية المنتشرة في مدينة القدس لها دلالات واضحة على مدى التآخي والتعاضد الإسلامي – المسيحي في هذه البقعة الطاهرة من العالم، ولذلك رفض وقاوم المقدسيون من عرب ومسيحيين منذ البداية الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس، وكذلك السياسات الإسرائيلية الرامية الى تهويد المدينة بمعالمها الإسلامية والمسيحية من جهة، والى تزوير حقائق التاريخ من جهة أخرى.

نبيل محمود السهلي

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...